هل هناك علاقة بين السياسة والثقافة؟ وفقا لمقال نشره ميثاق بيات الضيفي في كتابات لم نتفاجأ بالاتهام الجديد بسرقة اللغة العبرية من العربية بعد اتهامنا بسرقة كل شيئ من العرب مثل الحمص والفلافل وغيرها. لكن نحب ان نضع النقاط على الحروف لنبين الحقائق للقارئ بدلا من استغفاله.
اوهاد مرلين
1. يتحدث العلم التجريبي في أيامنا عن “لغات بدائية” (proto-languages) والتي تنشق منها غصون وعائلات اللغات “الأخوات”. وعلى سبيل المثال، لغات عديدة مثل الاسبانية والانجليزية والروسية والفارسية تنشق كلها من لغة بدائية واحدة، تسمى بProto Indo European.
وعلى غرار ذلك تنشق اللغات الآرامية والعربية والعبرية من لغة بدائية واحدة، هي اللغة السامية البدائية (Proto Semitic Language). وأكرر ذلك ليكون واضحا: ليست إحدى اللغات منشقة من الأخرى بل تعود كلها إلى أصل واحد. وهذه حقيقة علمية لا يمكن إنكارها تتأسس على دراسات وبحوث طويلة تخص أصل الكلمات وقواعد اللغة وغيرها من مواضع ذات صلة.
2. كان السيد الضيفي على حق في شيء واحد في مقاله – التشابه ما بين اللغة العبرية القديمة واللغات الكنعانية المختلفة التي كانت تنطق في المنطقة مثل الفينيقية والإيدومية والمؤابية. وهناك باحثون يقولون حتى أن تلك اللغات لم تكن مجرد “لغات” مختلفة بل لهجات قريبة للغة واحدة.
لذلك يتجاهل السيد الضيفي حقيقة أن التشابه بين اللهجات الكنعانية واللغة العبرية واللغة الآرامية يدل على قرابة العبرية إلى باقي لهجات المنطقة وعلى انتماء بني إسرائيل إلى منطقة الشام الناطقة بتلك اللغات قبل مجيء الغزوات العربية. اما اللغة العربية التي نشأت في الجزيرة العربية وتنتمي إلى لغات الجزيرة العربية فإنها جاءت في فترة متاخرة بالنسبه للغات السابق ذكرها. والسؤال الذي فرط فيه السيد الضيفي هو معنى عزلة اللغة العربية واختلافها النسبي عن اللغات التي تنتمي إلى منطقة الشام.
3. وإن كنا نرجع إلى علم الآثار وهو علم تجريبي خلافا لأساطير السيد الضيفي، فعلينا أن نشير إلى أن الكتابات العبرية الأولى التي تم العثور عليها تعود إلى حوالي القرون ال9-8 (قبل) الميلاد [مثل نقش سلوان الشهير] في حين أن الكتابات العربية الأولى التي اكتشفت تعود إلى القرنين ال2-3 (الميلادي) أي بفرق 1200 عام على الأقل. وهذا يدل على مدى تقدم الثقافة المكتوبة بالعبرية بالنسبة للثقافة المكتوبة بالعربية، كما يدل على أن مزاعم السيد الضيفي عن “سرقة” اللغة تتناقض مع الحقيقة.
4. لكن ما هو أغرب بل ومدهش هو أن المقال يتهم ربنا تعالى بالانحناء امام لغة “مسروقة” على حد قوله. فربنا تعالى أنزل كتابا سمي ب(التوراة) إلى شعب يسمى ب(بني إسرائيل) وأرسل إليهم العديد من الأنبياء مثل (يوسف) و(يونس) و(داود) و(سليمان)… وكل هذه الأسماء أسماء عبرية معرّبة! وكيف نعلم ذلك؟ الأمر بسيط جدا: أولا تحمل الأسماء معانٍ بالعبرية وهي عديمة المعنى بالعربية، وثانيا يمكن تحليلها وفقا للجذر والوزن باللغة العبرية، دون العربية. فكلمة (توراة) تعني بالعبرية (الإرشاد) و(يوسف) يعني بالعبرية (يزيد) و(سليمان) [بالعبرية: شلومو] يعني بالعبرية (الكامل).
ولو تعمق الكاتب بالبحث لوجد الكثير من المقالات التي كتبت بالعربية عن اللغة العبرية وكيف انها اللغة الوحيدة في العالم التي لم تندثر وبقيت حية بسبب لغة الصلاة في التوراة وكيف يمكن للغة العربية استخلاص العبر من احياء اللغة العبرية .
لكن المهم اننا في الوقت الحالي نعيش في عالم مسطح مفتوح نتأثر الواحد بالآخر بدون حساسيات فنجد في اللغة العبرية مرادفات عربية اخترقت اللغة المنطوقة ويسرنا ان نشير اليها مثلما نشير الى مرادفات من لغات ثانية اخترقت لغتنا . هذا الحال معروف في لهجات عربية مثلا مرادفات فرنسية في اللهجة المصرية ومرادفات انجليزية وتركية في اللهجة العراقية وهكذا . ولا شك ان هذه كلها غير مسروقة انما بصمات تركتها تغييرات سياسية مرت على الدول الناطقة حتى بعد رحيلها.