بعد حياة عريضة وممتدة زاخرة بالعطاء والمنجزات الفكرية ، ارتقى إلى السماء وعالم الخلود ، أستاذ الفلسفة ، المفكر العربي والمثقف السوري الكبير ، د. الطيب تيزيني ، بعد صراعه ومعاناته من مرض عضال ، تاركًا وراءه تراثًا فكريًا خالدًا للأجيال العربية الجديدة والقادمة .
الطيب تيزيني من ابرز واهم الفلاسفة والمفكرين والمثقفين السوريين والعرب في العصر الحديث ، عرف بمشروعه الفكري الذي يراجع فيه منجزات وأسس التراث العربي ، وظل طوال حياته وفيًا لقناعاته ومبادئه ، مشتبكًا مع التراث والسلطة .
وهو أحد أنصار الفكر القومي الماركسي ، ومن المعارضين السوريين للنظام السوري المطالبين بتفكيك الدولة الأمنية ، وبخلاف عديدين من المعارضين أبى الرحيل عن بلده حمص ، ولم يغادرها طوال الحرب الدامية المستمرة منذ العام 2011 .
والطيب تيزيني فيلسوف وناقد سوري اعتمد الماركسية كمنهج في كتابه ” من التراث إلى التراث ، وحاول اعادة قراءة الفكر العربي وصياغته من جديد من خلال عملية نقدية منهجية . والمشروع الذي حلم به ، رؤية جديدة للفكر العربي – من بواكيره حتى المرحلة المعاصرة لما يكتمل ، ولم يتحقق كغيره من المشاريع الفكرية كمشروع محمد عابد الجابري ود. حسين مروة ومحمد أراكون ، وكمشاريع النهضة والتنوير العربية ، التي أخفقت بل واجهضت .
الطيب تيزيني من مواليد حمص العام 1934 ، تلقى تعليمه فيها ، وغادرها لاحقًا إلى تركيا ثم بريطانيا فألمانيا ، حيث أنهى دراسته بموضوع الفلسفة ، ونال شهادة الدكتوراه العام 1967 ، وشهادة الدكتوراه في العلوم الفلسفية العام 1973 .
اشتغل في التدريس بجامعة دمشق ، وأستاذًا للفلسفة حتى وافته المنية . وجرى انتخابه عضوًا في لجنة الدفاع عن الحريات في الوطن العربي .
نشر الكثير من الدراسات والمقالات الفكرية ، وصدرت له مؤلفات ومنجزات عديدة ، هي : الفكر العربي في بواكيره وآفاقه الأولى ، مقدمات أولية في الاسلام المحمدي الباكر ، من التراث إلى الثورة – حول نظرية مقترحة في التراث العربي ، مشروع رؤية جديد للفكر العربي منذ بداياته حتى المرحلة المعاصرة في 12 جزءًا ، من يهوه إلى اللـ .. مشروع رؤية جديد للفكر العربي ، دراسات في الفكر الفلسفي في الشرق القديم ، فصول في الفكر السياسي العربي ، من الاستشراق العربي إلى الاستغراب المغربي – بحث في القراءة الجابرية للفكر العربي ، وفي آفاقها التاريخية ، من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني ، ومن اللاهوت إلى الفلسفة العربية الوسيطة ، ابن رشد وفلسفته ، بيان في النهضة والتنوير ، في السجال الفكري الراهن وغيرها .
وكان طيب تيزيني قد صرح : ” بعد كل الذي حدث في سورية وفي غيرها ، أعلن أن كل ما كتبه في حياتي أصبح ملغى وفي حاجة إلى اعادة نظر . وقد انتهيت في رحلتي الفكرية إلى الايمان بوحدة العالم ، بما في ذلك وحدة الاديان كلها .. الخطاب الديني المشتعل حاليًا ، والذي تشعله مجموعات زائفة وأخرى صالحة لكنها لم تمسك بالحقيقة تمامًا ، هؤلاء يجب العودة اليهم ومحاولة تحريرهم من الزيف الذي وقعوا فيه كي نعمم السلام الحقيقي في العالم ، وفي كل وطن منه ، واخص بالذكر سورية الجريحة ” .
الطيب تيزيني اشتغل على تأسيس مشروع فلسفي معرفي معاصر ، وتمسك بعقائده ومسلماته ويقينياته التي لم تتغير ، بدأ متفائلًا وانتهى بالوقوف والبكاء على الأطلال ، ومات تاركًا خلفه أسئلة فكرية ومشروعًا فكريًا نهضويًا يستوجب اعادة قراءته ومراجعة طروحاته واستلهام دروسه ..!