24 ديسمبر، 2024 5:44 ص

250 دينار سعر رغيف الخبز في العراق !!

250 دينار سعر رغيف الخبز في العراق !!

ليست هي إشاعة أو مجرد ادعاء أو افتراءا على احد ، بل إنها حقيقة سائدة في الأسواق المحلية فأفران ( مخابز ) صناعة وبيع الخبز في بغداد تبيع الرغيف الواحد ب250 دينار وبالمفهوم الدارج 4 بألف دينار ، والرغيف الذي نتحدث عنه يتكون من عدد محدود من الغرامات لأنه بسمك خفيف وأشبه بورقة مشوية وبسبب وزنها ربما يحتاج الإنسان الاعتيادي إلى رغيفين أو أكثر في كل وجبة طعام لكي يشعر بحالة ( الشبع ) فعلا حتى وان تناولها مع المأكولات المألوفة في المائدة العراقية التي اعتادت الجمع بين الخبز وبقية المأكولات وان حضر الرز المطبوخ لان الجمع بين الاثنين عادة موروثة منذ سنين ، وما يهمنا هنا ليس الحديث عن المأكولات وأنواعها او ما يختص بها وإنما الوضع الذي باتت تواجهه العائلة العراقية في توفير أمنها الغذائي ، فالعائلة المكونة من 7 أفراد مثلا تحتاج يوميا لإنفاق ستة آلاف دينارا على الأقل لشراء خبزها اليومي لثلاث وجبات ، وإذا سألت لماذا يتم شراء الخبز ولا يتم صنعه في البيت ، فان الجواب واضحا فليس كل عائلة قادرة على ممارسة الخبز بسبب ضيق المكان وتوفير وقود الشواء من الغاز أو ( الحطب ) أو مهارات وقدرات ووقت النساء في هذا المجال ، كما إن الحصة التموينية المسؤولة عنها وزارة التجارة لتامين الأمن الغذائي لمحدودي الدخل تقوم بتوزيع الطحين الذي لا تجيد خبزه أية امرأة أو انه غير صالح للخبز نهائيا ، ناهيك عن عدم انتظام أوقات التجهيز فقد تمر ثلاثة أو أربعة شهور دون توزيع الطحين وعندما يوزع تضطر العائلة لبيعه بسعر 8-12 ألف دينار لكيس الطحين بزنة 50 كيلو غرام ، أي إن حصة الفرد الشهرية المكونة من 9 كغم من الطحين لا تكافأ قيمة 10 أرغفة خبز التي ربما لا تكفيه ل3 أيام ، أما الرز الذي هو احد مفردات الحصة التموينية فانه يعاني ما يعانيه الطحين وغالبا ما يباع كعلف حيواني بسعر 250 دينار للكيلو غرام ، ويقوم المواطن بشراء رز بجودة معقولة من استيراد القطاع الخاص بسعر لايقل عن 2000 دينار للكغم الواحد ، وحسب ماهو معروف لدى الكثير من المواطنين فان العائلة العراقية لم تستخدم الرز الهندي منذ توزيعه قبل عدة شهور ولحد اليوم حيث إن لونه وطعمه يوحيان بتطابق شبهات الفساد بشأنه التي ملأت وسائل الإعلام ولم يتم إثباتها نفيا أو إيجابا بعد .

وبسبب عدم توفر الإمكانيات المادية الكافية لبعض العوائل العراقية فإنها تضطر لتقليل حصة أبنائها من الخبز والرز وتعرضهم للجوع والحرمان ، وكما هو معلوم فان الإنسان لا يحيا بالخبز أو الصمون والرز فقط وإنما هو بحاجة إلى أنواع أخرى من الاحتياجات لسد متطلباته من الأكل لكي يبقى على قيد الحياة ككائن حي ، كما انه له حاجات أخرى أشارت لها النظريات والدراسات ومنها ( سلم ماسلو ) للحاجات الذي أشار إلى خمسة مستويات مهمة ونحن لا نزال نتكلم عن المستوى الأول المتعلق بأكل الخبز والرز في بلد ينفق 100 مليار دولار سنويا تكفي لمعيشة خمسة أضعاف سكان العراق لو استخدمت الثروات المادية والبشرية بالحد الأدنى المطلوب ، ونقصد بتلك الثروات المساحة والموقع الجغرافي والأراضي الصالحة للزراعة والأنهر والجبال والمعادن والسياحة والثروات الحيوانية وغيرها من نعم الله ، وان وجود هذه الموارد في وقت يعيش فيه أكثر من ثلث السكان تحت خط الفقر حسب بيانات وزارة التخطيط يشير إلى خلل كبير لا يجوز السكوت عنه لأنه هدرا حقيقيا وحالة من عدم العدالة في توزيع الموارد والثروات بما يخالف شرائع السماء والبديهيات الوضعية ، وتشير الدلالات الإحصائية والاقتصادية إلى إن عدد الفقراء في حالة تزايد مستمر وقد يصل إلى الحد الذي يصبح من الصعوبة السيطرة على تداعيات العوز والفقر والجوع ، ففرص العمل تقل بشكل ملحوظ ومردودات الأعمال في حالة تراجع لكثرة الاستيراد والأسعار تشهد الغلو ، فقبل عامين كان سعر الخبز 8 بألف دينار وفي العام الماضي بلغ 6 لكل ألف دينار وحاليا 4 بألف دينار، وإذا بقي الحال على ما هو عليه فان السعر ربما سيكون 2 بألف دينار ، والمشكلة إن الإلف دينار بات من الصعوبة الحصول عليها بيسر وإذا تحرينا أسباب الارتفاع في الأسعار لوجدنا العديد من الأمور المتناقضة التي تستحق التساؤلات منها :

. إن أسعار السلع في حالة انخفاض في الأسواق العالمية

. إن الضرائب والرسوم ارتفعت داخليا وإيرادات الموازنة لم تزداد

. إن أسعار النفط ارتفعت لأكثر من 30% دون أن يظهر الأثر في الحياة

. إن مزاد البنك المركزي من الدولار لم يتوقف يوما ويتم بيع 160 مليون دولار كل يوم

. إن الديون والقروض الخارجية في حالة زيادة واحتياطيات الدولار انخفضت إلى النصف

. إن الموظفين والمتقاعدين من غير اصحاب الدرجات الخاصة انخفضت رواتبهم منذ ثلاث سنوات

ونشير بهذا الخصوص إن حالة الارتفاع في الأسعار التي تسود لمعظم السلع والخدمات في داخل العراق لم تتوقف عند حدود معينة وإنما هي في حالة تصاعد مستمر واغلب أسبابها ليست اقتصادية أو تتعلق بالعرض والطلب ، وإنما تعود إلى المضاربات والاحتكار والطمع والفساد واستغلال انشغال الدولة في خوض معارك التحرير ضد الدواعش في الأماكن التي خضعت لسيطرة الإرهاب ، ويتحمل الجهاز الإداري الحكومي اغلب خطايا التدهور الذي يعيشه البلد لغياب الكفاءة والفاعلية في الأداء والتعويل على بعض أصحاب المناصب الحكومية الذين لا يميزون الخطأ عن الصحيح أو يميزونه ثم يتغاضون عنه ارضاءا للفاسدين أو خوفا من المتنفذين ، فضلا عن سوء الاختيار لتولي بعض المواقع على أسس غير موضوعية لمراعاة بعض الاعتبارات المتعلقة بالتوازن والإرضاء على حساب حسن الأداء والتطوير ورعاية الإبداع و تبني مبادرات المخلصين والمتميزين ، وهناك أسباب ودوافع أخرى يضيق المجال لذكرها وهي معروفة ومشخصة لان هناك الكثير من يجيد الوصف التحليل ولكنه لا يستخدم الأدوات المناسبة للمعالجة وإيقاف نزيف الهدر في الثروات والفرص وعامل الزمن الذي يعصف بالفقراء ، ونرجوا أن نستفيد جميعا من تجارب الشعوب والدول عندما وصل الجوع إلى حد لا يطاق فاستمرار ارتفاع الأسعار دون اتخاذ إجراءات مناسبة لمعلجة جوانب منها أمرا ينذر بالخطر ، آخذين بالحسبان إن هناك أدوات يمكن تحريكها لتقليل الضرر تمهيدا لسبر غور الحلول الناجعة كتفعيل القطاعات الاقتصادية لغرض تشغيلها وإزالة الصدأ عنها والتوفير المنتظم لمفردات البطاقة التموينية للمشمولين بها بعد تخليصها من الفساد والاعتماد على الأفعال وليس الأقوال ورد الفعل المناسب بدلا من التنظير والتحليل ، فرغيف الخبز بحاجة إلى توفير من دون فلسفة وتأويل واستضافة واستجواب ، وينطبق الحال نفسه على جميع مفردات الحياة التي باتت تغيب عن الحضور يوما بعد يوم وقد تكون سببا في ولادة جديدة لأخوات داعش في يوم ما ( لاسمح الله ) .