في ظل الفوضى السياسية والصراعات المحتدمة على الحقائب الوزارية ، التي تجتاح العراق منذ احتلاله عام ٢٠٠٣، وظهور قوى سياسية دينية وطائفية وعرقية ،بدأت القضايا الخلافية المتعلقة بالتكوين المجتمعي ،تنتعش على حساب القضايا الوطنية الجامعة، التي تكفل للشعب صيانة وحدتها الوطنية واستحقاقاتها المشروعة ، مما جعل كل طائفة أو أقلية عرقية تبحث عن تحقيق مكاسب سياسية لها في اطار الدولة الوطنية الواحدة، وبتحقيق ذلك الاسلوب والمنهج الذي اتبعته احزاب السلطة، ينهار الطابع الوطني والمهني والديمقراطي للنظام السياسي في الدولة الذي يقوم أساسا على الانتخاب في ظل عملية ديموقراطية من المفترض توفر العدل والمساواة بين الأفراد بدون تمييز، ليحل محله الطابع الطائفي أو العرقي الذي به يتم توزيع المناصب العليا والوسطى وحتى الادنى في الدولة، على هذا الأساس .. على طريق بعض الانظمة السياسية كالنظام السياسي الطائفي اللبناني، في توزيع المناصب .حيث يسير العراق الآن على هذا النظام التقسيمي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق و القضاء على النظام السابق فيجعل رئيس الدولة فيه حكرا على الاقلية الكردية ورئاسة البرلمان حكرا لسنة العراق، فيما تبقى حصة الاسد من استحقاق شيعة العراق برئاسة الحكومة ،فيما تتوزع الوزارات الاخرى والسيادية منها وفق الاتجاه التقسيمي الذي اتبعه النظام السياسي التوافقي الطائفي وفق اسس طائفية واثنية، بغض النظرعن الاستحقاق الحقيقي لقيادة المنصب المنصوص حسب الكفاءة والمهنية والوطنية والشروط القيادية ،مما جعل الدولة ضعيفة في ادارتها وخاضعة للمساومات والضغوط السياسية ،والبيع والتجارة لكبرى الحقائب السيادية والوزارية الاخرى ،تحت صمت واذعان القوى السياسية الشريكة بالفساد والتغطية على كبرى الملفات المشبوهة في الدولة العراقية .عقد ونيف والدولة العراقية مصابة بداء التوافق والمحاصصة السياسية، في اطار توزيع مكاسب الانتخابات البرلمانية وفق محاصصة مقيتة انتجت دولة فاسدة ،وفشلت فشلا ذريعا في ادارة موارد الدولة واقتصادها وامنها، وخاصة فيما يتعلق بالملف الخدمي والصحي والتعليمي والقطاع الزراعي والصناعي، لانها دولة لا تمتلك المقومات الحقيقية في ادارة شؤون الدولة من حيث التخصص الوظيفي والوطني، وتم استبعاد الشخصيات التكنوقراط المهنية والكفائات العلمية الحقيقية في المساهمة في الادارة الفاعلة في قيادة العراق بسبب عامل المحاصصة ورغم الدعوات الوطنية والاصلاحية الاخيرة ،التي تصرح بها بعض الكتل السياسية في اعادة صياغة النظام السياسي ،الا ان تمسك القوى السياسية اللخرى بالمشروع الطائفي والصراع للاستحواذعلى المكاسب والحقائب الوزارية ،لا يزال ضمن عقلية تلك القوى السياسية الطائفية، والتي تواجه وتمانع اية مشاريع وطنية واصلاحية في البلاد وهو ما يفتح الطريق لدول عربية أخرى تسير على قاعدة هذا النهج التقسيمي وخاصة في البلاد التي يوجد بها تنوع في التكوين المجتمعي، فقد يأتي مثلا اليوم الذي نشاهد به إلدول العربية الاخرى تسير على هذا المنهج الخطير التدميري للانظمة السياسية والاجتماعية بشكل عام ،وربما ايضا تنتهي الأزمة السورية باتفاق سياسي ينهي حالة الصراع على السلطة السياسية على أساس طائفي وعرقي بين السنة والعلويين والاكراد والتركمان ،لأن كل من النزعة الطائفية والعرقية تلعب دورا كبيرا في إذكاء الصراع الداخلي التي تشهده البلاد منذ سنوات وان مثل هذا الاتفاق لو تم التوصل إليه بالفعل بهدف وضع حلا دائما للأزمة السورية، التي طالت وأصبحت تشكل بؤرة توتر حقيقي في المنطقة ،وعلى المستوى الدولي ايضا بسبب تعدد الأطراف الإقليمية والدولية المنغمسة فيها ومنها الطرف الإسرائيلي ..لو حدث هذا بين النظام السياسي والمعارضة المسلحة ،فسوف يشكل ذلك صدمة كبرى لقوى التحرر في المنطقة باعتباره إنجازا سياسيا هاما على طريق تبديد الهوية القومية، وفتح الأبواب على مصراعيها لتعميم مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تختفي فيه الرابطة القومية العربية لتحل مكانها الرابطة الطائفية والعرقية والدينية وليصبح عند ذلك الكيان الصهيوني هو أحدى دول المنطقة الذي يقوم على أساس يهودية الدولة وفيه ستمارس الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة تمييز قومي منهجية عملا بقانون القومية العنصري، الذي تم إقراره مؤخرا في الكنيست لطمس حقوق الجماهير العربية في وطنها .. ان ظاهرة توزيع مناصب الدولة على أساس طائفي وعرقي لتكون حلا مطلوبا منها أن تنهي الصراع الداخلي في الدولة الوطنية العربية التي ظهرت بعد الاستقلال هو حل سياسي تلفيقي خطير ومدمر على مستقبل المجتمع وعلى تطوره وتقدمه العلمي، لأنه يعوق بناء اصطفاف وطني وديموقراطي واسع من أجل مجابهة الأزمات السياسية والاقتصادية ،التي قد تتعرض لها الدولة الوطنية وابعد من ذلك قد تصبح هذه الظاهرة هي المشكلة نفسها بما تتيح الفرصة الزمنية لعدم صهر المجتمع في نسيج اجتماعي حضاري واحد وعند ذلك تتعمق أكثر على مستوى الواقع السياسي العربي الحالي مظاهر التجزئة السياسية الممنهجة، وتعرقل المحاولات التي تبذل لانهاء صور واشكال التخلف الحضاري السائدة وتتزايد العقبات ايضا أمام مهمات التحول الوطني والديموقراطي ،لحركات التحرر بهدف تحقيق تنمية وطنية طموحة للخلاص من علاقات التبعية والتدخلات الخارجية ، بكل أشكالها وكل ذلك يحدث في عالم اليوم الذي تختفي فيه المسافات بين الدول والشعوب بسبب ثورة العلم والمعلومات والاتصالات ،كواقع سياسي واقتصادي واجتماعي في عصر العولمة السياسية والثقافية الحالية .