13 ديسمبر، 2024 4:21 م

24 ساعة هزت العرب!

24 ساعة هزت العرب!

ربما يتذكر العراقيون والعرب المهتمون بالشأن العراقي الطيار عارف عبد الرزاق الذي قام بمحاولة انقلابية على نظام الرئيس عبد السلام عارف بعد عشرة أيام من تعيينه رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع مطلع أيلول/ سبتمبر 1965 وقصف مقر القوة الجوية وفر بطائرته نحو مصر.

كرر الجنرال عارف المحاولة بعد أسابيع ولم ينجح فعاش ومات في أرض الكنانة!

الى اليوم لم يجد العراقيون على كثرة الانقلابات في بلاد الرافدين جوابا معقولا للسؤال لماذا ينقلب رئيس وزراء ووزير دفاع على حكومته ولماذا “فز” الجنرال وهرب الى أحضان أبو خالد!؟

منذ محاولة يفغيني بريغوجين
” الانقلابية ” والسؤال يدور كدورة الاسطوانية في الشوارع العربية، وأقل من ذلك في الشارع الروسي، لماذا انقلب الطاهي على سيده وكيف تسنى لقوات مدججة بأحدث الأسلحة والدفاعات الجوية الزحف نحو موسكو لتقترب منها مسافة 200 كلم من جهة الجنوب ثم تقفل عائدة بعد ان أسقطت في طريقها ست طائرات هيليكوبتر وطائرة رصد وتحكم من طراز اليوشين 18 وكان على متنها ثمانية طيارين ومهندسين من الدرجة الممتازة قتلوا جميعا مع طياري المروحيات الست الأخرى.

لماذا تمرد من كان ظهوره الاعلامي على مواقع التواصل مثل وجبات الطعام اليومية.

يفطر الروس صباحا على شتائمه البذيئة ضد وزير الدفاع ويتغدون على تقاريره الفضحائية حول حركة القوات ويتعشون على شتائم تصنف على أنها الأكثر بذاءة في فولكلوريا الشتائم الروسية، ولم تسلم كل أمهات القيادة من لسان بريغوجين الذي تلذذ بطعم أفخر أنواع الشمبانيا بعد ان كان يتجرع ماءً أقرب الى مياه الصرف الصحي في السجون، مدانًا بجرائم السرقة والاغتصاب الى ان فتحها الله عليه وصار يخدم بقميص أبيض exclusive في مطعم يرتاده سادة الكرملين مع ضيوفهم الاجانب الكبار.

بين عشية وضحاها أمتدت امبراطورية بريغوجين العسكرية والمالية من متعهد إعاشة للقوات المسلحة الروسية مرورا بإطعام مدارس موسكو و سانت بطرسبورغ وصولا الى أفريقيا الوسطى الغنية بمناجم الذهب وفي السودان المبتلى بالمليشيات وليبيا الممزقة بمراكز السلطة المتنازعة.

تضاعفت أموال الطاهي بمعدلات فلكية في غضون بضع سنوات جعلته يقف على رأس قائمة أثرى أغنياء روسيا ممن تناهبوا ممتلكات الدولة السوفيتية المنهارة.

لم يكن مسموحا لأحد الحديث عن ثروة الطاهي وعن انه يدير شركة أمنية وعسكرية خاصة . فحين كتب أحدهم مقالا نسب فيه ملكية شركة” فاغنر” الى بريغوجين، جرمّه الطباخ بتهمة القذف والتشهير، وكسب القضية وأرغم الصحفي المسكين على دفع غرامة مالية كبيرة.

انها ولاية بطيخ!
هكذا كان الروس البسطاء يعلقون على إمبراطورية بريغوجين الذي كان يكسب كل الدعاوى بتهم القذف والتشهير ضده،
ويرغم عباد الله المشتكين من تسميم تلامذة المدارس بالطعام الفاسد لانه المتعهد الأوحد على دفع غرامات و يكسب دعاوى يبت فيها قضاة أفسدوا المجتمع ولا يرف لهم جفن لحماية المستضعفين .

حين ارتحل ثلاثة صحفيين الى جمهورية أفريقيا الوسطى في رحلة استقصاء عن النشاطات الغريبة لمجموعة فاغنر في القارة السمراء، تربص بهم عملاء يقال ان بريغوجين بعث بهم وذبحوهم على قارعة الطريق وسجلت القضية ضد مجهول.

كان من بين الضحايا نجل أحد أبرز الكتاب المسلمين في روسيا، الفيلسوف الأذري الاصل حيدر جمال الذي عُرف نجله أورهان بتحقيقاته الاستقصائية المثيرة.

ينتمي حيدر جمال الى تيار الدولة العظمى ويشترك مع الكسندر دوغين الذي يوصف بانه منظّر البوتينية في كتابات تؤسس لمفاهيم مشتركة تدمج الإسلام بالارثوذكسية بعد ان نبذ دوغين الماركسية والشيوعية وتحول الى مشروعه الخاص الاورواسيوي متأثرا بطروحات اليمين الروسي في المهجر بعد انتصار الثورة البلشفية وفي المقدمة إيلين . فيما كان الاسلامي حيدر جمال سبقه في نقد التجربة السوفيتية وأعتبرها الطاغوت الوارد ذكره في القران وشجع صديقه على دراسة الاسلام والإطلاع على المعارف العربية .

ان سجل ” بلاك ووتر” الروسية حافل بالملفات السوداء التي ربما ستسمح السلطات أخيرا بفتحها، بعد ان أكدت النيابة العامة الروسية ان الدعوى الجنائية ضد صاحب شركة
” فاغنر” ما تزال قائمة اثر حركته الانقلابية .

وربما سيتمكن الصحفيون المستقلون من فتح الملف المرقّن لمقتل زملائهم في أحراش أفريقيا الغنية بالذهب والمعادن النادرة ويسيل لها لعاب فاغنر ومن لف لفه.

لماذا انقلب الطاهي على السيد ؟ وكيف فسدت الطبخة التي أعدها وسببت في قتل أمهر الطيارين و أحسن ضباط الرصد الفضائي الروس؟

حتى قبل ان يلمح وزير الخارجية الروسي الى ان السلطات تبحث عن العامل الخارجي في ” دگة” بريغوجين؛ تطوع
” محللون” عرب بالحديث عن نظرية المؤامره والبحث عن ما وراء الأكمة!
وقالوا الشغلة فيها” إن”؟

براي هؤلاء كيف يمكن لشركة خاصة ان تهز دولة نووية عظمى؟ وكيف تمكنوا من السير مسافة طويلة على الطريق الدولي العام وكادوا يدخلون العاصمة موسكو ؟

هل تواطأ السيد مع الطاهي؟
من يقف وراء الطباخ الذي نشر أفلام فديو ويظهر بعض من سكان مدينة روستوف على الدون مقر قيادة الجبهة الجنوبية للجيش الروسي يودعون قواته بالتهليل والهتافات ؟
أليس وراء هذه القصة الاستخبارات الروسية نفسها؟

وذهب بعضهم الى ان ينشر طقطوقة مفادها ان سي آي أيه دفعت ستة مليارات دولار .. بالضبط ستة مليارات لتنفيذ الانقلاب الذي هو وفق رواية أصحاب الطقطوقة خدعة من الاستخبارات الروسية!

ولان الكلام ببلاش؛ فقد بالغ بعض العرب بروايات تفوق الخيال ولا يصدقها عاقل.
الغريب ان بعض الأصدقاء الذين لا نشك في سلامة عقولهم يروجون لمثل هذه الخزعبلات.

يبحث بعض العرب عن تفسير لحدث يفوق حدود التصور التقليدي عن روسيا باعتبارها دولة نووية عظمى فكيف يمكن للزعران خريجي السجون ان يهزوها؟

واذ لا يجدون تفسيرا منطقيا فانهم يتطوعون في إيجاد ذرائع وتفسيرات لا يصرف الروس وقتا في التنقيب عنها لأنهم لا يسعون الى تبرير أخطاء لا يتحمل المواطن العادي مسؤوليتها.

بعبع فاغنر ولادة طبيعة لزواج غير شرعي بين المراكز المالية التي نهبت وتنهب ثروات الشعوب الروسية.

يجسد بريغوجين خريج السجون ظاهرة عنوانها العريض؛؛؛
الاستهانة بمصائر البشر.

لا احد يعلم من وقف مع مالك “فاغنر” داخل القوات المسلحة آو في الدوائر الأمنية، كما من غير المتوقع ان تكشف السلطات عن ارتباطات خارجية ان تم العثور عليها، لان ذلك يعني طعنة أخرى في مصداقية ومتانة الأجهزة الأمنية.

كما أن
” معزب” بريغوجين ؛ الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو لن يكون سعيدا لانه يستضيف عميلا للمخابرات الأجنبية في بلاده.

وحتى بفرض الإعلان عن ارتباطات خارجية لمالك فاغنر فان ذلك سيتم على الأرجح بعد ان يكون سليل السجون قد شرب “بالخطأ”من كأس عكرة!

لم تجب كلمة بوتين المقتضبة ليل الإثنين على الاسئلة اللاعجة داخل روسيا ا وخارجها، خاصة وان سقف التوقعات كان كبيرا في ضوء تصريح المتحدث باسم الكرملين ان كلمة الرئيس
” ستحدد مصير روسيا بلا مبالغة” على حد تعبير دميتري بيسكوف الذي أعلن منذ صباح الإثنين ان الرئيس سيتوجه الى الأمة ببيان هام الليلة.

بدت كلمة بوتين الموجزة للغاية لا تتناسب مع مفاعيل ما حدث يوم السبت المنصرم.
كأنها مجتزأة مِن سياقها أو انها كانت أطول ثم اختزلت في اللحظات الأخيرة وجرى تقطيعها وبث جزء واحد منها.

فتحت الأربعة والعشرين ساعة من تمرد الطباخ مغاليق مواقع التواصل الاجتماعي فقد اخذت تبث صورا لزوجته وابنته على شواطئ دولة الأمارات العربية المتحدة وهن يتحدثن عن الحياة الحلوة بين البحر والكاس والرمل .

الملفت ان سيلفي البنت كما الوالد ينتمي ايضا الى صنف فولكلوريا البذاءة الحافل بجمل وعبارات القاموس الفريد للشتائم الروسية حتى ان النظير اللبناني يبدو ” شاعريا “!
لا بد من الاشارة الى أن أحد أبرز مآخذ بريغوجين على وزير الدفاع شويغو ورئيس الأركان غيراسيموف أن أبنائهما
” يهزون أردافهم في نوادي الأمارات فيما أولاد الخايبة يقتلون في جبهات القتال”!