18 ديسمبر، 2024 6:55 م

ماضي بغداد أجمل من حاضرها

ماضي بغداد أجمل من حاضرها

لا يمكن وصف جمال ومكانة العاصمة بغداد التي ترتبط بجذور تأريخية وحضارية عميقة ، ببعض الكلمات او الأسطر العابرة التي لا تعطيها حقها في الوصف والمعنى الحقيقي لجمالها ورونقها والقها ، فهي وكما وصفها الزميل الشاعر كريم العراقي بأنها أجمل من كل جميلة ، وأرشق من كل رشيقة ، وصدق العراقي حينما قال وهل خلق الله مثلك في الدنيا أجمعها … نعم فأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق في الدنيا مثل بغداد ، جميلة الجميلات وحاضرة الكون ، ومن حقنا ان نتباهى بجمالها وسحرها الفاتن ، كونها لوحة جميلة ونبض الحياة ، نتباهى بنظافتها وزهزها ومجدها الخالد ، وبشوارعها وطرقاتها وساحاتها الغناء وحدائقها الخضراء وأشجارها الوارفة الظلال ، من حقنا ان نتباهى بجسورها المعلقة وبأبنيتها الشامخة المطلة على دجلة الخالد وقصورها وفللها الحديثة ومدارسها النموذجية ، ومستشفياتها العامرة واجهزتها الطبية المتطورة وأسرتها النظيفة والانيقة وادويتها لمختلف الامراض المزمنة المتوفرة على مدار الساعة ، وبمسابحها الاولمبية النموذجية للشباب وبمسارحها المنشرة في عموم بغداد وعرض المسرحيات التي تغص قاعاتها بالناس للمتابعة والترفيه فضلا عن عرض الافلام السينمائية الجديدة ، وبقطاراتها الحديثة التي تحتوي على غرف النوم المكيفة للمسافرين والتي تنطلق بمواعيدها المحددة دون تأخير من بغداد الى كل من البصرة والموصل وبأسعار مدعومة وزهيدة ، وبباصاتها السياحية الكبيرة والسريعة والسفر المريح الى الشقيقتين سوريا والاردن مباشرة وفق الحجز المسبق وتثبيت رقم الرحلة ورقم الكرسي ووقت الانطلاق في تذكرة السفر ، وبهواتفها العمومية الحديثة المنتشرة في جميع شوارعها العامة ، وبأشجارها المحيطة حول بغداد والتي تصد الرياح والاتربة القادمة من مناطق اخرى لتحافظ على بيئتها وهوائها النقي والمنعش ، وبتماثليها ونصبها التذكارية لشعراء بغداد ومثقفيها ، وبفضاءاتها الخضراء ونافوراتها ومياهها العذبة ، وبالأمسيات الليلية للعوائل العراقية في شارع ابي نؤاس والسمك المسقوف ، وبنواديها الاجتماعية التي تجمع العوائل في لعبة ( الدنبلة ) مع نغمات الفرق الموسيقية والاكلات الشعبية المختلفة وتوفرالاماكن المخصصة للاطفال لقضاء اوقاتهم في اللعب والمرح ، وبأكشاكها الكهربائية الجميلة التي تعمل على توفير المرطبات والمشروبات الغازية ( الكترونيا ) في الشوارع العامة بعد وضع قطعة من النقود المعدنية الصغيرة واختيار المطلوب من المشروبات المفضلة بعد ضغط الزر دون الرجوع الى عامل الخدمة ، وبمعاملها الانتاجية والصناعية وتوفير المنتجات المحلية التي تضاهي الانتاج المستورد ، وبجسورها الكهربائية لعبور المشاة من المواطنين في العديد من الشوارع الرئيسية ومنها في الباب الشرقي وباب المعظم والمنصور وغيرها ، واسواقها الحكومية لعامرة ( الاورزدي باك ) سابقا والتي توفر احتياجات العائلة العراقية والموظفين واصحاب الدخل المحدود من خلال توفير المنتجات الفاخرة وبأسعار زهيدة ، فضلا عن الشعور بالأمان والطمأنينة والثقة العالية بالنفس في التنقل والتجوال ليلا ونهارا .

نعم … هكذا كانت بغداد قبل أكثر من ( 40 ) عاما من الأن أي في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، وأن كبار السن ( مثلي ) يتذكرون هذه الاماكن التي اصبحت للأسف ذكرى فقط ، بل ونحن نعيش الان أواسط العام ( 2018 ) ، نجد العكس بسبب الاهمال لبغداد ، واختيارها للعام الثاني على التوالي العاصمة الأسوء للعيش مقارنة بدول العالم الاخرى والتي جاءت بالمرتبة ( 231 ) لتكون دول افريقيا الوسطى افضل منها … من يتحمل مسؤولية هذا الاهمال والخراب الذي غير ملامح بغداد بعد ان كانت اجمل العواصم العربية ، ونجد هنا ان التقصير يأتي في الدرجة الاولى في الجوانب الخدمية التي انعدمت بشكل واضح للعيان فضلا عن تدهور البنى التحتية من خلال انتشار المناطق العشوائية التي اثرت بشكل مباشر وكبير على البيئة ، كما غيرت هذه العشوائيات ملامح العاصمة وتخطيطها العمراني ، اضافة الى انعدام الجانب الصحي وعدم توفير الخدمات الصحية والطبية للمرضى وانتشار الامراض المعدية وتلوث المياه بل وانعدامها في بعض مناطق بغداد ، فضلا عن ازمة الكهرباء التي اصبحت حلم البغداديين والعراقيين في جميع المحافظات ، وضعف الجانب التربوي والتعليمي وانخفاض مستوى التعليم لدى الطلبة ، وكذلك الاختناقات المرورية والفوضى العارمة في شوارع بغداد ، اضافة الى انتشار النفايات في بعض الاحياء السكنية بشكل لايطاق ، وتزايد حالات الجرائم والقتل والترهيب بسبب الصراعات السياسية المقيتة والمحاصصة والطائفية التي دمرت البلد … كل هذه المشاكل والمعاناة يكون سببها الفساد المالي والاداري المستشري من قبل بعض السياسين الفاشلين الذين سرقوا المال العام دون رادع ، اضافة الى فشل المسؤولين الاداريين في بعض دوائر الدولة من الذين لا يملكون الخبرة والكفاءة الادارية مما تسبب في ضعف أدارة الدولة التي تسير الان ( بقدرة قادر ) وبدون تخطيط مدروس او وضع ستراتيجية واضحة المعالم في رسم مستقبل البلد … متى تعاد هيبة العاصمة بغداد والمحافظات العراقية العزيزة ، ومن الذي ينتشل هذه المدن الغالية من الدمار والهلاك الذي اصابها ، ومن الذي سيعيد لبغداد هيبتها والقها لتعود عروس الدنيا ومدينة السحر والجمال كما كانت سابقا .. الجميع ينتظر … ويتأمل … ويترقب .