يستذكر النازحون من اهالي تلعفر سواء الذين بخارج العراق وبالأخص في تركيا أوفي الداخل بمحافظات الوسط والجنوب هذه الايام بكل مآسيها ومواجعها التي لا توصف ولا تقاس بميزان ولا يشعر بألمه الا من ذاق مرارته ، ففي مثل هذه الليلة الظلماء من قبل سنة من الان تحديداً ، نزح الاهالي باتجاه قضاء سنجار مشياً على الاقدام بعد تخاذل الحكومة المحلية وضباط الجيش واللواء أبو الوليد قائد شرطة تلعفر وقتئذ الذي لعب دوراً كبيراً بسقوطها بعباراته الرنانة واللامسوؤلة عن سيطرة قواته على المدينة ومنافذها الخارجية والداخلية ، مخلفين ورائهم اموالاً واملاكاً لا تعد ولا تحصى تقدر بمليارات الدنانير بعد مقاومة شرسة لتنظيم داعش الارهابي لمدة اسبوع كامل بعد سقوط الموصل في العاشر من حزيران عام 2014 .
لم يتوقع اهالي تلعفر التركمان بعد تركهم المنازل والبيوت الراقية ولو لحظةً بأن خروجهم سيكون لفترة طويلة ويمكثون في العراء والاراضي الجرداء اياماً وليالي طوال بلا مأوى ولا طعام ولا ماء .. وكأن الزمن قد اعاد بعقارب الساعة الى عصر الجاهلية بل كان جل تفكيرهم وهمهم بأنهم سيعودون الى وطنهم بعد حين إذ كان بمقدور داعش ان تبيدهم عن بكرة أبيهم ولكنهم لم يحركوا ساكناً مما أثار استغراب وذهول الناس النازحين كالسيل الجارف الى مصيرهم المجهول .
ومكثوا في سنجار شهراً ونيفاً بعد الاستقبال المميز والمشرف لهم من قبل اهالي سنجار ذات الاغلبية الايزيدية الذين تقاسموا معهم الطعام والسكن فضلا عن بعض اشراف المكونات الاخرى من عرب واكراد ومسيحين الذين ادركوا بأن التاريخ لن يرحم المتخاذل والمتعاون مع الارهاب مثلما يشهد للطيبين بطولاتهم ومآثرهم .
ولكنهم سرعان ما ادركوا ما تخبئ الايام من ظلم واجحاف بحقهم لا سيما بعد قيام داعش باغتيال العديد من تركمان تلعفر على الطريق الرابط بين قضائي تلعفر وسنجار وان الهدف الاساس من تهجيرهم هو خلق تغيير ديموغرافي في المنطقة بتعاون جهات عديدة وشبكات مخابراتية اقليمية ودولية واكتمل هذا السيناريو المعد سلفاً أثناء مرورهم بمحافظات كردستان العراق وهم متوجهون الى محافظات الوسط والجنوب هرباً من الموت ولكنهم ذاقوا الآمرين من حرارة الصيف اللاهبة ومعاملة البيشمركة القاسية وانعدام المساعدات الانسانية والمبيت ليالي عديدة بالعراء على شرفات الطريق وتحت مظلات السيارات وعلى سقوفها .
والحديث يطول ولا يمكن جزلها بجمل وعبارات قصيرة وموجزة تعبر عن معاناتهم وفقدهم لأحبائهم وفلذات أكبادهم .. ولكن لسان حالهم يقول …
( 17/حزيران / 2014 – يوم أسود في تاريخ تلعفر – يوم إذلالنا – ولكن الحنين يعذبنا …
والبعد عن ارضنا يذبحنا من الوريد الى الوريد ) ..
فالغربة : أن تهفو النفس الى شيء لا تجده ، ويرنو البصر نحو أفق لا نهاية له ..
الغربة : أن نعيش يوما دون حلم ننتظره أو أمل نترقبه بعدما تبخرت أحلامنا تحت وطأة الواقع كقطرات ندى لامستها أشعة شمس الصباح …
الغربة : أن نبحث عن جرعة محبة صادقة لم يكدر صفوها مطامع مادية أو مصالح شخصية ، فلا نجد سوى الجفاف وقحط المشاعر فنطوي على المشاعر …
الغربة : أن نبحث عن حضن دافيء يضمنا بحنان ونشعر عنده بالأمان في لحظات ضعفنا وانكسارنا فلا نلقى الا لسعة الصقيع جمود وقسوته …
الغربة : أن نبحر مراكب صدقنا في خضم بحر لجي متلاطم من الكذب والزيف … الغربة : أن نكون مختلفين في وسط قوالب بشرية لا تقبل الا صورتها ، أن نعيش العمق في زمن السطحية والتفاهة …
الغربة : أن نفتش عن ذواتنا في كل ما حولنا فلا نرى الا الفراغ الممتد، وأن نبحث عنا فيناً أخر فلا نجد أنفسنا !!!
وأخيرا حالنا كما قال محمود سامي :
عناء ويأس واشتياق وغربة …… الا شد ما ألقاه في الدهر من غبن …