يشكل الحمار في عالم السياسة، في العراق، مادة دسمة ومثيرة في كثير من الاحيان، فهو يسلط الضوء بشكل أو بآخر، عن الانساق المضمرة، التي يكنها الشعب تجاه السياسي والمسؤول والنائب والوزير، في منذ أكثر من عشر سنوات.
وزاد في استخدام مصطلح وتعبير الحمار، لدى العراقيين، بشكل قوي وفعال، على مواقع التواصل الاجتماعي، بكافة المنصات المتاحة، متخذين منه رمزا للتعبير عن الرفض والسخرية، واحيانا يكون الحمار، مادة للاستهداف السياسي بين الفرقاء، حينما تشتعل حربا الكترونية بين اتباعهم.
ولأن التوصيفات التي يتم استخدام الحيوانات فيها، تبدو شائعة، مثل القرد او الكلب او البقرة او الحصان، الا انها لا تثير اي مسؤول، بقدر استفزاز واهانة الحمار لهم، رغم انه تعبير جارح، في بعض الاحيان، لكنه قد يبدو مناسبا لما يحصل في هذه البلاد.
والحمار مثلما يعرفه الجميع، هو كائن، “مسكين”، يحمل دلالات هائلة من الايحاءات السلبية، في المجتمع العراقي، ويأتي ذلك بسبب طريقة تفكير الناس، ونظرتهم الدونية المستمرة له، على الرغم من الخدمة التي يقدمها لهم في الحياة اليومية، يعجز السياسي اليوم عن تقديمها، فيما لو قارنا بين الاثنين.
وصار للحمار، امثالا شعبية، بعضها يحمل معاني سوداوية، واخرى، مليئة بالشتائم، وتحول ايضا الى مثال للضحك والاهانة في الشعر الشعبي، الا انه تحول الى ماركة مهمة في التوصيفات في عالم السياسة، وقائمة طويلة من التعليقات الساخرة حوله.
وليس في المشهد السياسي فقط يشكل الحمار أزمة، فعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الحوادث التاريخية الكثير من المشاجرات والنزاعات التي تحصل بين بعض العشائر بشأن الحمار، تنتهي اغلبها بالقتل، خاصة فترة نهاية التسعينات وبعد ال2003 بقليل.
وعلى الرغم من انحسار تجوال الحمير في المدن في السنوات القليلة الماضية، بسبب طبيعة الحياة السريعة والمتطورة ودخول وسائل نقل أكثر راحة، لكن يبقى تأثير الحمار واضحا على المجتمع، سيما وانه خلال فترات طويلة كان يشكل جزءا من هوية وتراث المدن، والتي كانت تعتمد الزراعة واستخدام الحيوانات.
والى جانب كل ما يتعرض له هذا الحيوان في العراق، لكنه يبقى يمثل وجها مشرقا، حينما يتم مقارنته بأي فاسد يتم وصفه به، فهو بكل الأحوال كائن، لم يسبب الاذى بقدر الاذى والدمار الذي صنعه السياسيون على مدى اكثر من عشر سنوات.
وبالرغم من كل ذلك، لم يكبح لفظة الحمار جماح، كل من كان سببا في هذا الخراب، بعد ان تحولت الحياة الى مكان قاتم من الفساد، الا أن التعبير عن الرفض من خلال الكتابة تبقى فسحة بسيطة من حرية التعبير تجاه ما يحدث، قبل ان يضع هولاء الحمير في السلطة، قوانين رادعة تحميهم من كل تلك الاهانات التي يعتقدون انها تؤثر عليهم، بعد أن اساؤا لشعب كامل دون ان يكون هناك موقف جماعي، حقيقي رافض.
ومع ذلك، لازلنا متأخرين جدا، حتى في طريقة النقد والسخرية، التي نحملها، تجاه من نرفضهم، وهي تأتي بالدرجة الاساس من حجم الوجع والالم الذي لحق بالناس، بعد ان شعروا ان كل شيء يسرق امامهم، في ظل فوضى هائلة، لن تؤثر فيها توصيفات الحمير، تجاه الحمير الذين، تسللوا عبر منافذ الدولة كلها، وحطموا كل شيء.
أخيرا، يمكن القول، ان الجميع يتفق على ان الحمار، هو اللفظة اللاشعورية المناسبة، يمكن وصفه لاي شخص فاسد وصل السلطة، وهو ما يكشف لنا جزءا من حكاية اللصوص في العراق، رغم انه لا يروي ولا يشفي غليل الناقمين من الوضع الراهن.