مازال موقع العاصمة العراقية- بغداد- في أخر قائمة المدن النظيفة في العالم، ولا تأتي بعدها الا مقاديشو عاصمة الصومال .. في السنوات الماضية كانت بغداد تحظى بحصة الاسد من ميزانية العراق العامة. ولو جمعنا الأموال التي أنفقت على (عاصمة نوري المالكي)، لكان بالأمكان بناء مدينة عصرية كبرى يمكنها أستيعاب الثمانية ملايين نسمة ، وستتوفر لهم كامل الخدمات والنظافة من بينها .
واليوم لايرى الزائر الاجنبي لبغداد غير تلال النفايات وسواقي المجاري التي تغرق شوارعها وساحاتها. اما إبن بغداد، فلا يرى فيها ما يستغربه، فقد أعتاد البغداديون على هذا الحال منذ حط بريمر رجله القذرة فيها مروراً بعهد علاوي ومن بعده الجعفري ومن بعدهما المالكي الذي مرت قرابة ثماني سنوات على توليه حكم العراق .
ولعل من ناقلة القول التذكير بأن ما كانت تسمى دار السلام صارت اليوم مدينة الموت. وليس النظافة والجمال ما افتقدته بغداد وحدهما بل أفتقدت الأمن ايضاً .
ولندخل في صلب الموضوع، وهو ضخامة المبلغ المخصصص لها في ميزانية 2014. وهنا لا ننكر إنه في السنوات الماضية كانت ميزانية العاصمة كبيرة جداً إلا انها ضاعت بين حالين يتمتع بهما المسؤولين في أمانة بغداد وهما: الفساد اولاً والغباء ثانياً. ولنتحدث عن الغباء، ففي العاصمة تُعبد الشوارع أولاً من قبل مقاولين بالطبع لتأتي أسالة الماء لحفرها لايصال الماء الى المواطنين بالانابيب أوسع من التي كانت قبل تعبيد الشوارع!، فيعود الشارع الى ماكان عليه. وبعد سنة أو سنتين من هذا الحال تبادر الامانة – عبر المقاولين طبعاً – لاعادة تعبيد الشوارع مرة ثانية ! وماهي هي الا اسابيع حتى تجئ دائرة المجاري هذه المرة لتخرب الشارع المعبد تواً . بحجة تغير انابيب نقل المياة الثقيلة ومياة الامطار وأستبدالها بانابيب أوسع ! وهذا رغم إن الحال هذه تتكرر في كل شوارع بغداد وأزقتها إلا أنها مازالت مستمرة، والعجيب أنه في أحدى الزيارات التي يقوم بها الأمين الحالي ليلاً لمناطق بغداد كان يوجه بسرعة تعبيد الشوارع (تبليطها) فتأتي الاجهزة التابعة للأمانة فوراً لتقلبها رأساً على عقب وحتى الشوارع التي كانت (مبلطة) قبل شهور ولا شكوى منها، فأن مقاولي الأمانة يقشطونها ويعيدون (تبليطها) مرة ثانية والهدف من ذلك زياردة الكلفة والحصول على منافع أكبر .
وهذه الحال لا يقول عنها الكثير من البغداديين بأنها نتيجة غباء العاملين، بل يقولون عنها بأنها فساد واضح مع غباءٍ مفرط. مع أن هناك من يقول بأن الموظفين الفنيين الشرفاء قد أستبعدوا لتخلوا دوائر الامانة منهم وليتولى المهمة بعدهم أغبياء وفاسدين بنفس الوقت. تلك حالة من عديد من حالات الغباء والفساد وهي ليست وحيدة بالطبع .
آما الفساد المبرمج فحدث ولا حرج، فالمجسرات مثلاً هي الاخرى لم تنجز في موعدها، وموعد أنجاز جسري باب المعظم مثلاً قد حل قبل ثلاث سنوات، ولكن الجسرين تأخر تنفيذهما وتسليمها الى الامانة ثلاث سنوات أخرى!! ولم يحاسب المقصرون لانهم من (حبال المضيف) كما يقولون !
وهناك حالة بيع الارصفة لاصحاب البسطات، وكذلك الاسواق الشعبية، فالجميع يدفع لموظفي الامانة أجوراً شهرية من دون وصولات. وحتى مايعرف بالاسواق العشوائية وهي عادة يشغلها الفقراء، فانهم لم يسلموا من الابتزاز والعصا لمن عصى، إذ يغلق السوق ويتهم شاغلية بالارهاب، وحين يدفعون مايترتب عليهم من أجور لمراقبي البلدية تعاد فتح الاسواق لمكرمة حكومية كما حصل مع سوق بغداد الجديدة مؤخراً.
وهناك ظاهرة أخرى وهي تجاوز أصحاب المقاهي والمطاعم والدكاكين على الرصيف، وهولاء لا يسمح لهم من دون دفع مبالغ كبيرة باعتبارهم أغنياء !
أما المقاولين والمقاولات فحدث ولا حرج، عن سرقة المال العام التي تتم عبرهم – فجميعهم – لا يحصلون على مقاولة من دون حصول مدير عام البلدية على نسبة كبيرة من مجمل المقاولة وليس من ربحية المقاول! وبالطبع فأن أكثر المقاولين من أقارب أو أصدقاء المسؤولين، وأن تحديد مبلغ المقاولة لايتم من خلال مناقصة بل أن فكرة المناقصة قد أندثرت نهائياً .
وهناك حقيقة يجب أن تقال بأن الامانة تخضع لعرف المحاصصة فالاحزاب الكبرى لكل واحد منها عدد من المديرين العامين ووكيل الامانة. وهنا، والحق يقال لايجد الامين الحالي، وهو غير حزبي، سبيلاً لمحاسبتهم، ولا هم يهتمون لامره إن أعترض عليهم، فكل واحد منهم يكد لسيده أو حزبه. فللحزب الحاكم الاولية يليه الحزب الصارم ، بالدرجة الثانية ثم الحزب اللاطم بالدرجة الثالثة ومن يقترب منهم أو حتى يزعجهم فمصيره تلفيق تهمه ضده وحبسه مدة طويلة إذا كان المدير العام من الحزب الحاكم أو قتله كان المسؤول من الحزب الصارم، أو الدعوة عليه بالموت فيموت مخنوقاً في فراشه إذا كان من حزب اللاطم! والامين المؤقت الحالي يعرف هذه الحقيقة ولا يتعدى الخطوط الحمراء هذه !
أمانة بغداد اليوم تشبه الى حد كبير أبار النفط في البصرة من عام 2003 – 2008 فرهود ورشاوى واختلاس. والبغداديون يعانون الأمرين من كل شي، ففي الشتاء تغرق بيوتهم وفي الصيف ينقطع ماء الشرب عنهم .. ولا يمر يوم لا تقرأ فيه في صحفية عراقية شكوى البغداديين من أنعدام الخدمات حتى وصل الامر بالأمانة العامة لمجلس الوزراء بتوجيه كتاب الى امانة بغداد تأمرها فيه بالاستماع الى شكاوى البغداديين. بعد أن أخذ الكثير من أهل بغداد يرسلون شكاواهم الى أيميل رئيس الوزراء أو الامانة العامة لمجلس الوزراء. ومع هذا فليس هناك من يسمع أو يقرأ!!
وهذه حال بغداد، مجرد خرابة متراميه الاطراف تحيط بها الأزبال من جهاتها الاربع وتخنقها النفايات في وسطها. تعطش صيفاً، وتصير كالبندقية – فينسيا- شتاءً ! ولايوجد أحد من مسؤوليها من يخشى العقاب وليس من بينهم من يخاف الله . بحيث صارت وظيفة مراقب البلدية تباع لمن يشتريها بخمسين مليون دينار أو أكثر !!