ربما يحمل عنوان المقالة في طياته شيء من الأستفزاز للقرّاء الكرام ، فأين نحن من الطاقة التقليدية (الأحفورية) فضلا عن المتجددة منها ؟ سؤال مشروع ونحن نعيش فصول مرعبة لإنقراض التنمية في كل المجالات ، بشكل جعلتنا كالدواجن المستهلكة ، وهذا ليس خطؤنا ، فإذا أردتَ أن توقد نارا ، يجب توفر ثلاثة شروط معا يسمونها (مثلث النار Fire Triangle) ، هي الومضة أو الشرارة ، والمادة القابلة للإشتعال ، والأوكسجين ، ونفس هذا المثلث يكون مطلبا حاسما لإدارة عجلة التنمية وإزدهارها ، وهي العقول العلمية المبتكرة ، والمال ، والعقول الإدارية النظيفة ، وللأسف الشديد ، يتوفر الشرط الأول وهو المهم ، وهي العقول الإبداعية ، لكنها مُبعَدة وقابعة في الظلام بسبب الإقصاء المتعمّد ، ونجد أن الشرطين الآخرين ، غائبان تماما ، وبهذا حُكِمَ على التنمية بالإعدام .
تُعتبر شريحة المهندسين ، المعنية الرئيسية في كل عملية تنمية ، لكن مع غيابها ، نالت هذه الشريحة ، النصيب الأكبر من الظلم والبطالة بالمقارنة مع حَمَلة الشهادات العالية الأخرى ، فما يتقاضاه الطبيب الجرّاح مثلا في يوم ، يتقاضاه المهندس في عدة أشهر ! .
لعلّي لا أبالغ ، أن تكنولوجيا الطاقة المتجددة ، هي الأقل إستخداما في العراق بالنسبة إلى الدول المتخلفة كدول أفريقيا ! ، وهذا جزء من دائرة الفساد والتخلّف الجهنمية التي دمّرت البلد ، تلك الدائرة التي نبذت العقول والكفاءات ، ولا اريد الخوض في السياسة (إن صح تسميتها سياسة) ، لكني أريد وضع بعضا من مشاكل إستخدام الطاقة الشمسية في العراق ، بإعتبارها من أهم عناصر الطاقة المتجددة ، وبإمكان القارئ الكريم الحصول على عدة مقالات لي بهذ الخصوص بمجرد كتابة (ماذا تعرف عن الطاقة المتجددة) و (المواطن والطاقة الشمسية) في محرك بحث (كتابات) .
مساوئ إستخدام الخلايا الشمسية الفولتائية (Photovoltaic cells) في العراق:
1. إنها لا تزال غالية الثمن ، فسعر الأمبير الواحد يتجاوز سعره الدولار الأمريكي ، ويعود جزء من ذلك إلى ثقل وزنها وما يمثل ذلك من كلفة إضافية للنقل والشحن ، فمتوسط وزن الخلية الواحدة يزيد عن 30 كغم .
2. أن كفائتها لا تزيد عن 12-15% ، وتكون هذه النسبة على ضآلتها متأثرة بعوامل الجو عندنا ، من هذه العوامل إرتفاع درجة الحرارة التي تقلل نسبة هذه الكفاءة بصورة حاسمة على عكس ما هو شائع ، فالمعيار الحقيقي لكفاءة هذه الألواح هي عند 25 درجة مئوية ، ولنا أن نتصور إرتفاع درجات الحرارة لدينا في الشمس الذي قد يصل إلى 70 درجة مئوية !.
3. تأثرها البالغ بالجو المغبرّ من ناحيتين ، أولهما أنه يغطي السطح الزجاجي لهذه الخلايا ، مانعا إمتصاص الضوء بصورة كفوءة ، الناحية الثانية أن هذه الخلايا تعمل بطيف مرئي ضيّق وهو اللون الأزرق لغاية فوق البنفسجي ، وهو يضعف جدا لأن طبقة الغبار في الجو تعمل على إمتصاصه ،مع العلم أن الجو المغبر لدينا يدوم لفترة 300 يوم في السنة ! ، مع الحاجة المستمرة لتنظيف هذه الخلايا .
4. أن العمر الإفتراضي لهذه الخلايا حسب توصيات الشركات المصنّعة هو 25 عام ، ولكن الجو عندنا بما فيه من حرّ شديد (لكوننا المنطقة الأشد حرا في العالم) ، وبأطياف مرئية من الأشعة تحت الحمراء لا تفيد في هذه الخلايا ، وتعمل على تقصير عمرها دراماتيكيا ، وقد لاحظت شخصيا تأثر كفاءة هذه الخلايا سلبا في عامين فقط ! ، وأبرز هذه التأثيرات هو تحول لون الخلايا من الأزرق إلى اللون البُنّي .
5. الوسيلة الوحيدة حاليا لخزن الطاقة الفائضة لإستخدامها ليلا ، هو بإستخدام البطاريات ، وأن بطاريات السيارة التقليدية لا تفيد لهذا الغرض ، إذ يجب إستخدام بطاريات مخصصة لهذا الغرض تسمى (البطاريات ذات الأستنزاف العميق Deep Cycle Battery) ، ومعظمها ذات مناشئ سيئة قد لاتدوم إلا لبضعة أشهر ، أما البطاريات ذات المناشيء الرصينة ، فغالية الثمن ، إذ إن سعر الواحدة منها ذات سعة 100AH ، قد تتجاوز 250 دولار أمريكي للواحدة ، ونعلم جميعا أن بطارية واحدة لا تكفي .
من هنا نفهم أن هذه الطريقة غير عملية في المقاييس الكبيرة كتجهيز المدن ، ولكن رغم السلبيات ، بإمكان إستخدامها في المنازل ، والتفكير بإستغلالها بطرق أخرى ، كإنشاء محطات ضخ للمياه الجوفية لا تتجاوز كلفة الواحدة منها 3000-5000 دولار ، تعمل آليا ودون مشغل ، لمحاربة التصحر ولتنمية الأحزمة الخضراء والمزارع ، وسيكون ذلك سلاحا فعالا بل ضروريا للغاية لمواجهة التغير المناخي والقضاء على ظاهرة الغبار ، ولتلطيف درجة الحرارة ، وإنشاء سلّة غذائية معوّل عليها ، بالأضافة إلى إمكانيتها تجهيز الماء الصالح للشرب بواسطة تقنية (الأغشية النفاذية الأزموزية العكسية Reverse Osmosis , RO ) ، كل ذلك مجانا من شمس رب العالمين ، التي ستحيل الصحاري إلى واحات خضراء ، لكن المشكلة عندما تصل للمال ، فستجد جدار (التقشف) بالمرصاد ! .
كل دول العالم تدعم وتشجّع هذه الطريقة للحصول على الطاقة ، وفي حالة وجود فائض في الطاقة ، فإن المواطن سيجهّز الشبكة العامة بالكهرباء ، بشكل يجعل قرص مقياس الكهرباء المنزلي (Power Meter) يدور بالعكس ، وبذلك تخصم الدولة مقدار الطاقة المُرسلة للشبكة من تكاليف الفاتورة ، إلا في العراق ، الذي إنهمكت حكومته بخصخصة الكهرباء لسلب المواطن آخر (درهم) في جيبه ! ، هذه ليست مجرد أحلام صعبة التحقيق ، ومن أوليات واجبات وزارة العلوم والتكنولوجيا والقسم البيئي في وزارة الصحة ووزارة الصناعة ، لكنها ليست سوى يافطات على مبانٍ ، وعبء على الدولة ! .
الحل الواقعي الكفوء ، وفق المنظورالتكنولوجي الحديث ، والذي لجأت إليه البلدان الحارة نسبيا ، هو بإستخدام حرارة الشمس مباشرة ، وذلك بإستخدام آلاف المرايا العاكسة لأشعة الشمس ، كل مرآة مساحتها 1-2 م² تجلس على حامل حديدي يتحرك بمحورين ، شبيه بحامل طبق الأستقبال للستلايت المنزلي ، بحيث يعكس أشعة الشمس ويسددها لنقطة واحدة تقع في أعلى برج طيلة حركة الشمس في قوسها السماوي ، فتبلغ درجة الحرارة أكثر من 2000 درجة مئوية في قمة البرج ، الذي يحتوي على مبادل حراري (Heat Exchanger) ، لتحويل الماء إلى بخار ، يقوم بتدوير عنفة توربينات بخارية لتوليد الكهرباء .
وتأتي من جديد مشكلة خزن الطاقة ، فمن الممكن البحث عن خزان طبيعي للماء يستوعب مئات الآلاف من الأمتار المكعبة من المياه ، على مرتفع لا يقل عن 200 متر عن محطة كهرومائية ، ويحتاج هذا المشروع إلى تضاريس أرضية متوفرة في غرب العراق أو شماله ، ففي الليل تقوم هذه المحطة بتسريب المياه من الخزان الطبيعي ، مستفيدة من الطاقة الكامنة لهطول الماء من الخزان ، فتحرك عنفات توربينات مائية ، مثل أي محطة كهرومائية (Hydroelectric Station) ، وفي النهار تقوم مضخات تعمل بالطاقة الشمسية برفع المياه إلى ذلك الخزان وهكذا ، وهذه الأستراتيجية معمول بها حاليا لتجهيز (لندن) بالطاقة الكهربائية ، إنها طريقة مكلفة ، تحتاج لعقول نظيفة مواكبة وحريصة ، وليست فاسدة ومتعفنة ومتخلفة ، لهذا أجد هذا المشروع من قبيل روايات الخيال العلمي ! ، ولكن لنحلم ! ، وهل على الحلم ضريبة ؟! ، فأين سياسيينا من سياسيي لندن !.