حين تطرقت في مقالتي عن الحصانة القضائية التي تطالب بها الولايات المتحدة لعساكرها المتبقين في العراق (أنظر مقالتنا الحصانة القضائية للجنود الأمريكان) قلت بالحرف الواحد:
((….وثمة تسريبات جديدة تشير إلى أن الجنود الامريكان الباقين قد يضافون إلى مجموع موظفي السفارة الامريكية في المنطقة الخضراء التي تعد أكبر بعثة دبلوماسية وعسكرية امريكية في العالم، وبالتالي سيتمتعون بالحصانة الدبلوماسية أوتوماتيكياً.. وهو إلتفاف خطير على إرادة الشعب العراقي الذي يرفض أساساً أي بقاء لقوات أمريكية في العراق، ويرفض أي حصانة لمن قد يبقون تحت أي عنوان!!!..)).
ووفقا للتسريبات الأمريكية فإن أمريكا تريد إبقاء 5000 فرداً من القوات القتالية الأمريكية تحت مسمى (التدريب)، وبرزت قضية الحصانة الأكثر إثارة للجدل في الوقت الذي تسعى فيه كل من واشنطن وبغداد للتوصل الى اتفاق بشأن ما إذا كان يمكن الحفاظ على قوة أمريكية صغيرة للتدريب في العراق بعد سحب القوات هذا العام ، وتوضح التسريبات أن فقدان الحصانة بالنسبة لجنود الولايات المتحدة يعني فقدان الصفقة .
ويبدو أن ماتوقعناه قد تحقق، فقد صرح المتحدث بإسم السفارة الأمريكية ببغداد السيد مايكل مكليلان يوم السبت 10 كانون الأول الجاري، بأن عدد موظفي سفارة بلاده الحاليين يقارب الـ15 ألفا، لافتا إلى أنه جاء بدراية وموافقة الحكومة العراقية.
ومعلوم أن مشكلة مطالبة الولايات المتحدة بالحصانة القضائية المطلقة لضباطها وجنودها كانت تجابه برفض شعبي عراقي شكَّلَ ضغطاً على الحكومتين الأمريكية والعراقية، فأمريكا تلح بتوفير الحصانة لجهودها وترفض أي رفع أو تحديد لها، والحكومة العراقية جابهت رفضا شعبيا عارماً لموضوع الحصانة القضائية للجنود الأمريكان وعدم مسائلتهم مطلقا عما يقترفونه من جرائم وأفعال مخلة بالقانون العراقي.
لذلك لجأت الولايات المتحدة إلى حيلة الحصانة الدبلوماسية للموظفين الدبلوماسيين وفقا للإتفاقيات الدولية (اتفاقية فيينا) التي تنظم الحصانات الدبلوماسية، وحيث أن اتفاقية فيينا للحصانات لا تشترط عددا معينا من الموظفين الدبلوماسيين في السفارة فبقي العدد مفتوحا وحسب اتفاق الدولتين. وبالتالي زجت الولايات المتحدة بأعداد ضخمة من ضباطها وجنودها إلى ملاك السفارة الأمريكية، وكنا نعلم من السابق أن بعثة الولايات المتحدجة الأمريكية في العراق هي البعثة الدبلوماسية الأكبر في العالم، وكانت الأخبار قبل شهور تتحدث عن (3000 إلى 5000) عنصر أمريكي في السفارة الامريكية في بغداد.
أما اليوم فالمتحدث الرسمي باسم السفارة الامريكية ببغداديتحدث بصراحة عن عدد (15000) عنصرا دون أن يسمي عناوينهم ووظائفهم وواجباتهم.
يدّعي المتحدث باسم السفارة الامريكية أن هذا العدد مقارب أو مشابه لعدد العاملين في سفارات أمريكية في بلدان أخرى، ونحن نتمنى على المتحدث باسم السفارة الأميركية السيد مايكل مكليلان أن يخبرنا في أي بلد من العالم يتواجد 15000 دبلوماسي في سفارة امريكية!!! ونحن نشكك بهذا الرقم في أي بلد آخر غير العراق.
وأكد مكليلان أن “السفارة الأميركية في العراق تحتاج هذا العدد من العاملين لكبر حجم العلاقات بين العراق والولايات المتحدة، فضلا عن حجم السفارة الأميركية بالعراق”، لافتا إلى أن اتفاقية الإطار الإستراتيجي التي تم توقيعها بين البلدين تحدثت عن تعاون في مختلف المجالات ومنها التعاون الدبلوماسي والصحة والثقافة والبيئة”. واعتبر مكليلان أن “حجم السفارة الأميركية بالعراق متناسب مع الاتفاقية”، ولاندري ماهي تفصيلات عناوين الـ15000 دبلوماسي؟؟؟ اللهم إلا إذا كانوا يشكلون قاعدة عسكرية متقدمة، تمارس مهاما عسكرية واستخبارية ومخابراتية.
ثم إذا كان هؤلاء الـ 15000 دبلوماسيا هم دبلوماسيون فعلا وحقا، فكم يحتاجون من الحمايات والمرافقين والسواق؟؟؟
وكان المتحدث باسم الجيش الأميركي في العراق الجنرال جيفري بيوكانن أعرب، (بتاريخ 6/12/2011)، عن مخاوف “حقيقية” على أمن سفارة بلاده بعد الانسحاب، أبرزها تأتي من بعض الميليشيات مثل عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي، فيما اعتبرت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، تلك التصريحات ضغطاً على الحكومة لزيادة عدد القوات الأميركية المكلفة حماية السفارة. وكانت وزارة الدفاع قد أكدت، في 5 كانون الأول، أن الانسحاب الأميركي يجري وفقاًَ للجداول الزمنية المعدة من الجانبين، مشيرة إلى أن هناك حالياً نحو تسعة آلاف جندي أميركي موزعين على خمس قواعد ما تزال تحت السيطرة الأميركية.
وكان القيادي في التحالف الكردستاني محمود عثمان، قد كشف في 7 كانون الأول الجاري، عن معلومات تؤكد بقاء 3000 جندي أميركي في العراق بعد العام الحالي 2011،
المعلوم أن العراق كان قد وَقَّعَ مع الولايات المتحدة خلال عام 2008، اتفاقية الإطار الإستراتيجية لدعم الوزارات والوكالات العراقية في الانتقال من الشراكة الإستراتيجية مع جمهورية العراق إلى مجالات اقتصادية ودبلوماسية وثقافية وأمنية، من بينها تقليص عدد فرق إعادة الاعمار في المحافظات، فضلا عن توفير مهمة مستدامة لحكم القانون عبر تطبيق برنامج تطوير الشرطة والانتهاء من أعمال التنسيق والإشراف والتقرير لصندوق العراق للإغاثة وإعادة الأعمار. وتنص الاتفاقية الأمنية الموقعة بين بغداد وواشنطن في نهاية تشرين الثاني من العام 2008 على وجوب أن تنسحب جميع قوات الولايات المتحدة من جميع الأراضي والمياه والأجواء العراقية في موعد لا يتعدى 31 كانون الأول من العام الحالي2011، وكانت انسحبت قوات الولايات المتحدة المقاتلة بموجب الاتفاقية من المدن والقرى والقصبات العراقية في 30 حزيران من عام 2009.
الحصانة بشكل عام تعني إعفاء الأفراد من أي إلتزام أو مسؤولية، كإعفائهم من تطبيق القواعد العامة في المسائل القضائية والجنائية، ومنها الحصانة الدبلوماسية التي تعني إعفاء الدبلوماسيين المشمولين بها من ولاية القضاء الوطني في الدولة التي يعتمدون فيها، وذلك في حالة الإدعاء عليهم بإرتكاب جريمة ما، وفي القانون تعرف الحصانة بأنها مبدأ يقضي بعدم خضوع الدبلوماسي للقضاء الوطني للدولة التي يمثل دولته فيها.
وفي الوقت الذي تصر الإدارة الأمريكية على تحصين جنودها من أية ملاحقة قانونية أو قضائية عن الأفعال التي تصدر منهم أثناء أدائهم عملهم في العراق، فهي تعلم كل العلم مسبقاً أنهم يرتكبون بتعليمات رسمية أشد الجرائم خطورة مما يعاقب عليه القانون الأمريكي، ولذلك تصر على إحالة من يتم اتهامه بجريمة ما إلى القضاء الأمريكي وليس العراقي، وقد شهدنا كيف كانت محاكمة العسكر الامريكان الذين ارتكبوا جرائم يندى لها جبين الإنسانية كانت محاكمات صورية ومهزلية!!! كما ثبت من كل القضايا التي نظرها القضاء الأمريكي في هذا الملف.