23 ديسمبر، 2024 5:39 ص

14 تموز انقلاب العسكر

14 تموز انقلاب العسكر

لا يمكن ما قام به مجموعة الضباط ليلة 13 على 14 تموز المشؤمة بقتل وحشي لملك العراق فيصل الثاني وعائلته وصفه ب”الثورة ” بل هو انقلاب وحشي ودموي بالكامل وهنا يجب نان عرف الثورة نحو معناها التقليدي ” وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغير نظام الحكم “.
ويمكن التساؤل هنا اين الشعب من يوم 14 تموز ؟ ..  ولدينا امثلة كثيرة على الثورات واولها الثورة الفرنسية عام 1789 وثورات اوربا الشرقية عام 1989 ولا يمكن نسيان الثورة الايرانية التي اطاحت بالشاه عام 1979 والثورتين المصريه 2012 – 2013 . حيث شارك اغلب الشعب ونزل الى الميادين والساحات . واما الانقلاب العسكري فيعرف ” هو قيام احد العسكرين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم “. وهذا ما فعله عبد الكريم قاسم .
قاسم شخصية عراقية وطنية نزيه الى درجة التعفف ، وكان ذو قابلية في الخطابة واللغة ، واهم مميزاته مناصرته للفقراء وانجازة مشاريع سريعه ببناء مساكن للفقراء وزود رواتب العاملين . لكنه في الوقت نفسه لم تكن له نظرات ومشاريع مستقبلية للبلد ولم ينفتح على العالم الخارجي بل قضا فترة حكمه في الداخل ولم يسافر الى اي بلد ويشارك في محفل دولي .
لو نقارن العهد الملكي بفترة كان العالم باسره يمر بازمات مالية واقتصادية بحته افضل من جمهوريات عسكرة المجتمع ،حتى ان الحريات كانت مكفولة للجميع ، فضلا عن حفاظ كافة الطوائف والقوميات والاديان والاثنيات تحت مظلة العرش الملكي وعلى شهادة مفكرين معاصرين بحد قولهم  ” بانه كان العراق الدولة الاعظم بين الدول العربية  و صاحب افضل دستور ديمقراطي بين الدول العربية ودول المنطقة في حين ان كثير من الدول العربية كدول الخليج وليبيا وتونس واليمن بلا دستور ومصر كانت بدستور انقلابي “.
 ولو قارنا  العراق بين تلك المرحلة  وهذا اليوم فنقول ان العراق كان اكبر دولة منتجة للنفط بين الدول العربية حيث كان انتاجه يزيد على مجموع ما تنتجه الدول العربية الاخرى بما فيها السعودية والكويت وانه كان الدولة الاعظم بين الدول العربية ودول المنطقة خاصة ان مصر كانت منشغلة في امور الثورة وان الاردن كانت دولة تابعة مستعمرة للعراق بعد اقامة الاتحاد العربي الهاشمي بين العراق والاردن حيث كان رئيس الاتحاد ملك العراق ورئيس وزراء الاتحاد من العراق وكان العراق يتحمل 80 % من نفقات الاردن بموجب دستور الاتحاد .
ويستشهد الخبير القانوني طارق حرب في لقاء متلفز  ان العراق كان صاحب الكلمة العليا التي لا ترد في تركيا وايران وباكستان بحكم ان هذه الدول كانت اعضاء في حلف بغداد وان العراق كان صاحب اكبر موازنة سنوية في الدول العربية وكان صاحب محطة التلفزيون الوحيدة في المنطقة “منذ تأسيس تلفزيون العراق سنة 1956 وانه كان صاحب اكبر هيئة للتعمير والبناء التحتي والاستثمار بإنشائه مجلس الاعمار الذي انشأ سد دوكان ودربندخان وبحيرة الثرثار والجسور العديدة كجسر الملكة عالية (جسر الجمهورية) وسواها من المشاريع الكبيرة وانه كان صاحب ارقى جهاز تعليمي في المنطقة حيث حصلت بعض النساء على شهادة في الدكتوراه في حين ان كثير من الدول العربية كانت تمنع المرأة من دخول المدرسة الابتدائية “.
وفي مجالات اخرى  كان العراق صاحب افضل فريق رياضي لكرة القدم يوم لم يكن للسعوية والكويت ودول الخليج العربي فريق رياضي وانه كان صاحب افضل دستور ديمقراطي بين الدول العربية ودول المنطقة في حين ان كثير من الدول العربية كدول الخليج وليبيا وتونس واليمن بلا دستور ومصر كانت بدستور انقلابي وانه اعلن في نهاية الخمسينيات نهاية الطائفية بدليل ان كثير من رؤساء الوزارات والوزراء من الشيعة العرب حتى يوم 14 /7/1958 تم اعلان مجلس السيادة والذي كان رئيسه من العرب السنة واحد عضويه من العرب الشيعة والعضو الآخر من الكرد وهنالك الكثير في النظام الملكي قبل قيام التحول من النظام الملكي الى النظام الجمهوري في 14 /7/1958 .”
ومـن خلال قراءة موضوعـية لكـل هـذا وغيـره كثـير ، يظهـر جليـا أن مـاحصـل في 14 تموز لـم يكن في حقيقـتـه أكثـر من مغـامرة لمجموعة ضـباط طامعيـن في السـلطة خدعـوا ضـباطا آخرين لمساعدتهم في الإطاحة بالنظام الملكي وبعـد ذلك إنقسـم هؤلاء الضباط إلى فريقين كل منهما يسعى للإستحواذ على السلطة أحدهما بقيادة عبدالكريم قاسم والآخر بقيادة عبدالسلام عارف وأخـذا في تحقيق طموحاتهما الخاصة بكل وسائل التصفيات وهو ما جعل الأوضاع فـي أسـوأ الأحوال والمواطنين في خوف وقلق وتشـرد وهـم يترحمـون على الإستقـرار الذي كان سـائدا في العهد الملكي على رغم كل إنتـقادات ومواقف الشـعب منه .
وكثيرا من ابناء الشعب العراقي ينظرون الى عبد كريم من اماكن ضيقه بانه القائد الذي اهتم بالفقراء وزهد في حياته هذا كله كلام جميل وحقيقي ، لكنه في المحصلة لا يؤدي الى تحمله مسؤلية بناء البلد فكانت سياسته الاقتصادية ضيقة بنظر المختصين حيث اهتمت حكومته  بمشاريع قصيرة المدى دون الاهتمام الكافي بمشاريع طويلة المدى, فكانت مشاريع العهد الجمهوري قصيرة ا لمدى مثل بناء دور للعمال والموظفين وبناء المستشفيات في كل مدينة والذي له تاثير مباشر على حياة المواطنين, فالعهد الجمهوري الجديد لم يوازن بين متطلبات العراق كدولة بحاجة الى مشاريع ستراتيجية ومشاريع للطبقات المحرومة للشعب بينما كانت مشاريع العهد الملكي مشاريع ستراتيجية عملاقة مثل بناء السدود والطرق ومد انابيت النفط وغيرها .  وعلى الصعيد السياسي عدم وجود برنامج سياسي واضح في العهد القاسمي وتعريف دقيق للمرحلة، فهل كانت تلك المرحلة مرحلة انتقالية الى عهد ديمقراطي انتخابي  ودستور دائم ام حالة راكدة يشوبها تثوير الجماهير بالخطب ومواجهتها بالمشاكل حصرا؟.
فقد افنى الزعيم اكثر من 4 سنوات ونصف السنة في الحكم ولم يجري اي استفتاء على الدستور ولم تجرى انتخابات رئاسية او برلمانية فقد وصف عبد الكريم قاسم عهده  بالجمهورية الخالدة وهذا دليل الى الغموض في المسيرة السياسية للبلد.
والماساة التي لا زلنا نعانيها واسسها قاسم هو تاسيس محكمة الشعب التي يطلق عليها محكمة (المهداوي ) نسبة الى العقيد فاضل عبا س المهداوي ابن خالة عبد الكريم قاسم الذي عين رئيسا لها . وقد جاء بقرار انشاء المحكمة ان مهمتها محاكمة شخصيات العهد الملكي البارزة  ومحاسبتهم على اعمال تعتبر مؤامرات .
باختصار كانت هذه المحكمة هزيلة . لقد اجمع المؤرخون من عاصروا ذلك العصر من الحكماء واصحاب العقول انها اسست بحكم الثأر والحقد والانتقام  والتي تتجسدت بمحاكمة سعيد القزاز وفشلت المحكمة باثبات أي تهمه عليه وفق السياقات القانونية لكنها حكمت عليه بالاعدام .
وكانت السمات الابرز لرئيس المحكمة بصق الاهانات والتجاوزات وبذي الكلام تطلق تجاه المتهمين . وكانت اجوائها عوامل تسليه للرعاع والعوام من الشعب الذين استانسوا بها . فقد كتب الكثير عن هذه المحكمة الهزلية فقد وصفها البعض بالسيرك وشببها اخرون بالمقصلة التي يساق اليها الناس للحكم عليهم وليس لمحاكمتهم وفق القانون . وكانت بصمة عار على جبين الانقلابين .