19 ديسمبر، 2024 7:01 م

 120عاما على ميلاد يسينين

 120عاما على ميلاد يسينين

الى روح المرحومة الدكتورة حياة شرارة , التي حصلت على مرتبة الاستاذية ( بروفيسور) في جامعة بغداد لبحوثها التي تقدٌمت بها آنذاك, ومنها بحث بالعربية عنوانه – ( يسينين في الربوع العربية ).
ض.ن.
ولد الشاعر الروسي سيرغي يسينين في الثالث من تشرين الاول / اكتوبر عام 1895 وتوفي في عام 1925 ( اي انه عاش 30 سنة ليس الا), وتحتفل الاوساط الادبية الروسية بذكرى مرور 120 سنة على ميلاده في هذه الايام , واكتب انا الان هذه الكلمات تحت تأثير الانطباعات الهائلة لتلك الاحتفالات التي تجري حولي , وابرزها بالطبع هو اعادة عرض المسلسل التلفزيوني حول يسنين في القناة الاولى الروسية , والذي قام أحد الممثلين الروس المعروفين باداء دور يسنين فيه , هذا المسلسل الجميل والرائع , الذي يشير بشكل واضح و مباشر وصريح الى ان يسنين لم ينتحر ابدا كما جاء في وسائل اعلام الدولة السوفيتية آنذاك ( وهو الرأي الذي يمكن القول انه لازال سائدا لحد الان بشكل او بآخر في روسيا نفسها وفي خارجها ايضا ) , وانما جرت تصفيته واغتياله عمدا وبتخطيط دقيق و لئيم وحاقد, اذ ان مفهوم الانتحار يتناقض كليا وجذريا مع روحية يسينين الحالمة والشفافة و مع نتاجاته وافكاره ومسيرته , ولا مجال للحديث ضمن المقالة الحالية عن هذه النقطة المهمة والكبيرة جدا في تاريخ الادب الروسي , وتاريخ روسيا عموما , وتاريخ حياة يسينين وابداعه خصوصا , هذه النقطة التي تستحق بحد ذاتها مقالة تفصيلية حولها بلا شك اذ انها لا زالت غامضة وشبه مجهولة خصوصا للقارئ العربي . الانطباعات الاخرى المحيطة حولي بهذه المناسبة هو مهرجان الشعر الروسي في قرية ( قسطنطينوفو ) بمحافظة ريزان في قلب روسيا حيث ولد يسينين, اذ يجتمع

الشعراء الروس وجمهور واسع وكبير من محبٌي يسينين وعشاٌق ابداعه الخالد وهم يتذكرون قصائده ويترنمون بها ويلقونها عن ظهر قلب, ويغنون تلك القصائد التي حوٌلها الموسيقيون الروس الى أغان, ويجتمعون عند التمثال الكبير له هناك ويضعون عند قاعدته باقات الزهور اكراما وتحية له ولذكراه , ويزورون المتحف الخاص به هناك والاماكن المرتبطة بمسيرة حياته, وكل ذلك تنقله طبعا وسائل الاعلام الروسية المختلفة . ومن الانطباعات التي تحيطني حول هذه الذكرى هو النشاط الفيسبوكي الهائل والجميل للشاعر والمترجم الكبير للشعر الروسي الكلاسيكي و الحديث والمعاصر الدكتور ابراهيم استنبولي – العاشق السوري لشعر يسينين , ونشره – بهذه المناسبة – عدة قصائد مترجمة الى العربية مع نصوصها الروسية وصور متناسقة ورائعة معها ليسينين والطبيعة الروسية الجميلة التي الهمته تلك القصائد , وردود فعل القراء العرب تجاه ذلك واعجابهم ( وانا من ضمنهم طبعا ) , ولا يفوتني ان اتوقف عند طلبتي السابقين في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , اذ نشر منذر الملا كاظم ( الدكتور و التدريسي الان في القسم المذكور- انظر مقالتنا بعنوان – غوغول في العراق ) عدة مقاطع من قصيدة يسينين ( شاغانيه) بثلاث ترجمات عربية قام بها العراقي حسب الشيخ جعفر و المصري عبد الرحمن الخميسي والسوري مسوح مسوح , وكان رد الفعل جميلا وهائلا على هذا العرض الممتع و الاختيار الجميل لواحدة من اجمل قصائد يسينين واشهرها بترجمة ثلاثة فطاحل من المترجمين العرب , وتذكرت كيف كان الطلبة يتقبلون هذه القصيدة بحب وتعاطف واعجاب , عندما كنت اقوم بتدريس مادة الشعر الروسي عندئذ في القسم المذكور, ولا زلت ابتسم كلما اتذكر احد الطلبة الذي قال عندها , انه يتأسف كثيرا لأن يسينين التقى آنذاك فتاة فارسية و ليس فتاة عراقية , والا لكان عندنا الان قصيدة غزل جميلة في الشعر الروسي حول فتاة عراقية مثل قصيدة ( شاغانيه ) ( يسميها حسب شاهانا والخميسي ش-ج- نيه ومسوح شاغاني ) حول تلك الفتاة الفارسية , وكذلك تذكرت العميد الطيار جبار – احد اصدقائي العسكريين الذين درسوا في

الاتحاد السوفيتي في الايام الخوالي وتعرف على شعر يسينين وعشقه , و الذي كان يترنم بقصائده عندما نلتقي معا , وكان يصر دائما ان نزار قباني استوحى قصيدته ( رسالة الى امي ) من قصيدة يسينين وبنفس العنوان المذكور , وتذكرت أمجد (خريج الاتحاد السوفيتي ايضا ) والذي كان يعشق يسينين , ودرس اللغة الروسية مرة اخرى في القسم المسائي بكليتنا , واصدر كتابا في بغداد يتضمن ترجمة لبعض قصائد يسينين مع مقدمة جميلة عنه, واصبح محاضرا في الكلية وحصل بعدئذ على الدكتوراه من روسيا في اللغة الروسية , وتذكرت ايضا العامل الروسي ساشا , الذي حكى لي كيف اوقفته الشرطة السوفيتية مرة مع مجموعة اصدقاء كانوا يحتسون الفودكا بضجيج وعربدة , وكيف قضوا ليلتهم في موقف مركز الشرطة وهم يستمعون طوال الليل الى قصائد يسينين , اذ كان هناك واحد من هؤلاء الاصدقاء يعشق شعر يسينين ويحفظ عن ظهر قلب كل دواوينه , وقد قال لي ساشا – ( انها كانت أجمل ليلة في حياتي !!!) … .

اريد ختاما – وارتباطا بهذه المناسبة – ان استعرض مع القراء العدد الخاص من صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) ( الجريدة الادبية ) الروسية الاسبوعية حول يسينين , والصادر بتاريخ 2 اكتوبر بهذه المناسبة , هذا العدد الجميل والذي استمتعت جدا وانا اطالعه.

تصدرت الصفحة الاولى من تلك الجريدة صورة كبيرة جدا وجميلة ليسينين بالابيض والاسود وهو يرتدي القبعة والمعطف الروسي الشتوي , وهي صورة رائعة للشاعر بوجهه الطفولي الجميل والمندهش ابدا, وفوق الصورة مقطع بحروف كبيرة باللون الازرق من قصيدة له , وتحتها جملة – قبل 120 عاما ولد سيرغي يسينين , ثم تأتي كلمات بحروف بارزة , منها – ( في كل توهج اسماء الادباء الروس العباقرة …, يتميٌز اسم سيرغي يسينين لانه يهدي للقلب الروسي رحيقا خاصا من السعادة …ان الفن الرفيع هو معجزة دائما بهذا الشكل أو ذاك ..ومعجزة يسينين تكمن , في ان اسمه اصبح معروفا – وبدون مبالغة – لكل انسان روسي ..) . وفي

الصفحة الرابعة نجد ثلاث مقالات عنه , الاولى (والتي شغلت ثلاثة ارباع الصفحة) بقلم رئيسة المجموعة الخاصة لدراسة نتاجات يسينين في معهد الادب العالمي التابع لاكاديمية العلوم الروسية أ.د. نتاليا شوبنيكوفا – غوسييفا. تتناول هذه الدراسة جوانب جديدة ووقائع مجهولة في حياة يسينين وابداعه وتتحدث عن بداية الاعداد للموسوعة اليسينينية , مع التأكيد على ان روسيا ( تقف – ليس الا – على شاطئ ذلك المحيط الابداعي العميق بلا قعر والمتناهي بلا حدود … المحيط الذي يحمل اسم سيرغي يسينين …). المقالة الثانية تتناول الفترة التي قضاها يسينين في الولايات المتحدة الامريكية مع زوجته الامريكية وموقف الصحافة الامريكية تجاهه , اما المقالة الثالثة فتتحدث عن اكتشاف مخطوطة لاحدى نتاجات يسينين في مكتبة لندن العمومية اثناء جرد الكتب الروسية فيها , والتي وصلت عن طريق احد الصحفيين الانكليز , الذي كان في زيارة الى موسكو في عام 1921 , وهي قصة في غاية الطرافة والغرابة . توجد في هذا العدد من جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) ايضا مقالة اخرى حول يسينين في صفحة رقم 11 تتناول عرضا لكتاب بعنوان ( يسينين والفن ) , والذي يقع في 567 صفحة والصادر عن اكاديمية العلوم الروسية عام 2014, وهو مجموعة مقالات لعدة مؤلفين , يتناولون فيها علاقة يسينين بالفنانين التشكيليين الروس في تلك المرحلة الغنية بالمدارس الفنية..

هذه نقاط عامة من هنا وهناك حول ذكرى ميلاد يسينين , هذا الشاعر الذي لا زالت روسيا تسعى الى اكتشاف اعماقه الابداعية , والذي لازال شبه مجهول في عالمنا العربي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات