23 ديسمبر، 2024 11:05 ص

الطائرة المسيرة التي استهدفت مقر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي اعادت الى الاذهان طائرات برجي التجارة العالمي في نيويورك , وما تبعها من استباحة أمريكية للعالم الإسلامي , تحت شعار ( من لم يكن معنا فهو ضدنا ) .

وكمراقبين نكاد نجزم ان هذه العملية مدبرة من قبل الجهاز الحكومي ذاته , بالتعاون مع السفارة الامريكية , بدليل عدم عمل منظومة ( سي رام ) الأمنية المشغلة من قبل السفارة حين شن الهجوم .

وهي عملية – في هدفها –  مشابهة تماماً للتفجير المدبر الذي أطاح بواسطته الكاظمي – في اول ولايته – بجميع القادة والضباط الذين يعارضون الوجود الأمريكي في العراق , وعلى رأسهم قائد ( خلية الصقور ) الاستخبارية , الذي كان يرى فيه الخليجيون حجر عثرة امام مشاريع مخابراتية خطيرة لهم في العراق , بدليل ان رئيس الوزراء لم يقل احداً من الضباط في انتهاكات واختراقات امنية خطيرة وكبيرة أعقبت ذلك التفجير , بل ان احداث محافظة ديالى كفيلة وحدها في اقالته هو شخصيا .

ومع العقود الاقتصادية الضخمة التي وقعتها حكومة الكاظمي مع السعودية والامارات , واختراق الأخيرة لجهاز المخابرات العراقي – الذي يشرف عليه الكاظمي – وطردها مئات الضباط خارجه , وسكوت الحكومة المطلق عن التجفيف التركي لنهري دجلة والفرات واللذان يسهمان بنحو 81% من مياهه وطعنها في الجانب الإيراني فقط الذي لا تشكل منابعه سوى 15% من مياه العراق في محافظة ديالى فقط , ورفع سعر الدولار واجبار المواطن العراقي على العبور تحت خط الفقر رغم ارتفاع أسعار النفط , وسعي حكومة الكاظمي لخصخصة المؤسسات السيادية في الموازنة التي طرحتها – مع علم الجميع ان المشتري لن يكون سوى الامارات والسعودية كما جرى في مصر بعد انقلاب السيسي العسكري – ومن تلك المؤسسات مصرف ( الرافدين ) خزينة 85% من أموال العراق , واجبار المتظاهرين – بعد وصول الكاظمي الى السلطة – بالقوة على حل اعتصاماتهم , وبعد مهرجان بابل الراقص الذي انتهك كل قيم العرب في العراق وجاء بكل مهرج معادي بصراحة لقضايا الشيعة والمسلمين , صار واضحاً اين تتجه هذه الحكومة والى أي مشروع تنتمي .

ورغم سذاجة معظم القادة السياسيين لفصائل الحشد – التي جعلتهم يوقعون على اختيار الكاظمي من الأصل – ورغم انانيتهم – التي اوصلتهم الى التقاطع والتشتت والضعف – الا انهم ليسوا من الغباء الى الدرجة التي يستهدفون بها مقر الكاظمي بعد ليلة واحدة من جريمته بقتل المتظاهرين المحتجين على نتائج الانتخابات وجرح المئات منهم . وهي جريمة لم ترتكبها حكومات سابقة متهمة بالفساد او الميليشياوية من قبل الامريكان , كحكومة حيدر العبادي حين دخلت جموع التيار الصدري الى المنطقة الخضراء لابتزاز حكومة كانت منتخبة , وحكومة عادل عبد المهدي التي اسهم المحتجون في سقوطها رغم كونها منتخبة . وحتى الجريمة التي ارتكبها الجنرال جميل الشمري في محافظة ذي قار ضد المتظاهرين هناك يمكن معرفة من وراءها بمعرفة تاريخ جميل الشمري نفسه ومع من يعمل وأين يقيم منذ سنين , لذلك تمت تبرئته في عهد حكومة الكاظمي نفسه .

ان الغاية المحتملة لهجوم هذه الطائرة المسيرة اغلاق ملف قتل المتظاهرين , وخلط الأوراق على الناس , واستغلال الهجوم لتشتيت صفوف الفصائل المعارضة لنتائج الانتخابات , او انها سيتم استخدامها بشكل أوسع لتصفية خصوم الولايات المتحدة – الذين يصادف انهم أعداء التيار الصدري نفسه الشريك الأكبر في حكومة الكاظمي – خصوصاً بعد زج اسم ( الحشد الشعبي ) في القضية إعلاميا .

ولأن العراق محاصر اعلامياً من قبل حلفاء الولايات المتحدة العرب , وانفلات الاعلام البعثي والطائفي – الذي يظن مصلحته مع انهيار الحشد – داخل العراق وخارجه , والنجاح في تأسيس مؤسسات إعلامية محلية وعربية وغربية ناطقة بالعربية تسيّر العقل الشاب في العراق وتشوش على العقول الأخرى , فقد صار التلاعب بالأحداث اسهل . لاسيما مع كون كل المؤسسات الأمنية والقضائية في العراق وفي غيره من بلدان العالم مخترقة بالمال الفاسد , وهو في الاغلب اما امريكي او خليجي او للمافيا .

ان التيار الصدري – بقيادة السيد مقتدى الصدر – يعلم جيداً ان الولايات المتحدة الامريكية – التي انفقت المليارات لخداع الأقليات في أفغانستان – ومنهم الشيعة – وسلبت سلاحهم الذي يدافعون به عن انفسهم تحت داعي تأسيس مشروع وطني ثم سلمتهم الى مجرمي طالبان الظلاميين وهم عزّل من السلاح لتقتلهم وتهجّرهم – انها لن تكون في الطرف الذي يخدم مصلحة شيعة العراق , الا اذا تخلّوا عن دينهم وعقيدتهم , وان تهمة التبعية لإيران لا يقصد منها الاعلام العربي والغربي الا الشيعة حتى وان كانوا يختلفون مع الجمهورية الإسلامية سياسيا , وان الشيعة المسموح لهم بالبقاء هم على شاكلة دكتاتور أذربيجان . ويعلم التيار الصدري ايضاً ان السلاح الوحيد الذي خارج نطاق الدولة هو سلاح ميليشيات التيار الصدري نفسه من سرايا السلام وقوات اليوم الموعود وغيرها , لأن باقي الفصائل اندمجت في مؤسسة الامن العراقي بقانون , في حين رفض التيار وحده ذلك , رغم كونه الشريك الرسمي لحكومة حليفة للولايات المتحدة المطالبة بسحب السلاح المنفلت وحليفة وتابعة للخليج الممول الأساس لداعش التي يقاتلها الحشد الشعبي . وان الجهة الشيعية المتنفذة في الحكومة العراقية اليوم ولها قدرة الابتزاز المالي ادارياً وشعبياً هي التيار الصدري ذاته . لذلك نكاد نجزم ان التيار الصدري – بقيادته المتمثلة بالسيد مقتدى الصدر – يعون انهم يسيرون بالعراق نحو حرب أهلية , تسرّ الامريكان , وتحزن إمام الزمان .

فيما لا توجد مؤسسة وطنية ترى وطنها يتجه للعنف والفوضى فيما تستطيع كبح جماح الفتنة ووأدها وتتخلى عن هذه المساهمة . وبالتالي فإصرار مفوضية الانتخابات العراقية على عدم اللجوء للعد والفرز اليدوي لأوراق الناخبين يحكي عن انها اما تكون غير واثقة من عملها ونفسها , واما هي جزء من مشروع الفوضى ذاته .

(( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ )) .