مازال ذات المشهد يتكرر مرة اخرى ولكن بطريقة اكثر وحشية فالموت المجاني اصبح هو سيد النهايات وبات صوت الرصاص هو الابكر وليس موعد الانتخابات وامست البصرة توزع الاضاحي شباباً يحلمون بوطن رغم انتهاء ايام العيد وتوقف مواسم الحج بعد اجتياح كورونا ..وكأن التأريخ يعيد نفسه لنعود من جديد ونحن نردد المثل الشعبي “شيفيد الندم بعد خراب البصرة” وحكاية هذا المثل تستند إلى الحكاية الشعبية لمثل على واقعة تاريخية حدثت في الخلافة العباسية، حين استقدم أثرياء البصرة في العراق وحكامها عبيداً وعمالاً لفلاحة الأرض واعمارها وتكاثر هؤلاء العبيد حتى تجاوز عددهم عشرات الألوف وعُرفوا بـ”الزنج” ، وعاث الزنج بالبصرة فساداً ودمروا كل شيء لا يحصلون عليه، وقتلوا الناس وذلك في غياب فرض السلطة وسيادة القانون، فضج الناس وطلبوا النجدة من مركز الخلافة في بغداد والتي كانت مشغولة آنذاك في ملاحقة الخارجين على الدولة في إيران وغيرها، أرسل الخليفة أخاه الموفق للقضاء على الزنج ، ودارت بينه وبينهم معارك كثيرة ، أسفرت عن دمار البصرة وخرابها، وبالنتيجة قضى على الزنج، وانتقد كثيراً على تأخره لنجدة المدينة ومساعدة أهلها ، واليوم تكرر نفس الاحداث ولكن بوجوه وشخصيات جديدة تحمل صفات مجهولي الهوية ليدق ناقوس الخطر ايذاناً ببدء موسم الخراب لنبقى نردد “بعد متفيد الندامة وبعد ميفيد الاسف” ..!!!
ان مايجري في البصرة من سلسلة اغتيالات طالت عددا من الناشطين هي بمثابة إعلان حرب مفتوحة ضد الدولة لانها نفذت بالرغم من تعدد التشكيلات العسكرية الحكومية التي تمسك الارض وهذا يعد تحد واضح لهيبة الدولة وتخاذل القادة ويدفع بنا للشك ان هناك تخوف من اصحاب القرار البصري من تلك الجماعات لان حجم الجريمة وتكرارها وبصمات التحدي التي تحملها يقودنا لذلك ، وبدليل مااكده الكاظمي خلال زيارته للبصرة حيث قال : ” ليس للخائفين مكان بيننا، لأنهم لايمثلون القائد الميداني الذي يحمل الرتبة وعلم وشرف العراق” ، وهذه المعطيات تجعلنا نتأمل فحوى زيارة الكاظمي لهذه المدينة المفجوعة وبهذه السرعة هل انها تحمل رسالة طمئنة لاهلها بأن ثغر العراق سيبقى باسما ولامكان للبكاء فيه وقد حان وقت العقاب العسير لتلك الجماعات ام انها جاءت من باب الواجب الاجتماعي لتنتهي بتقديم التعازي وتشكيل اللجان التي لن تعيد للموتى ارواحهم …؟؟؟
ان عمليات التفتيش والمداهمات التي تجري الان في البصرة غير كافية للقضاء على تلك العصابات، وعلى السيد الكاظمي ان يسارع بتنفيذ صولة فرسان شريطة ان لاتكون على غرار الصولة المالكية التي كان هدفها تصفية الخصوم ، لان مايحصل من سفك للدماء في شهر الله الحرام استكمال لمسلسل زرع الفتنة والفوضى خاصة بعد التراجع الامني الذي شهدته المحافظة حتى اضحت الجهات الامنية كوكالات انباء تنقل الاخبار ولاتحرك ساكن اما نتائج التحقيقات فغالباً ماتقيد ضد مجهول مما سبب في تزايد حملات التصفية مع هيمنة واضحة لبعض الفصائل المسلحة التي تحاول ان تفرض سيطرتها على المشهد وبالتالي هي رسالة قوية للحكومة بأن السلاح المنفلت هو المسيطر لان من يقوم بعمليات الاغتيال مؤكد لم ينزل من السماء ، والسؤال الذي يحتم علينا طرحه هل الكاظمي قادر بالفعل على ايقاف نزيف الدم العراقي وأزيز رصاص الكواتم لتعود البصرة آمنة ، أم ان لعنة خراب البصرة … مازالت تلاحقنا…!!!