كالعادة وأثناء تصفح مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) استوقفني مشهد لا يمكن وصفه بغير “الكوميدي” وسط “مهازل العملية السياسية” التي نعيشها، فالمشهد يتحدث عن مواطن يطالب بحقوقه في ملكية جسر الكوفة الذي يقع في محافظة النجف ويدعو المارة الى دفع ضريبة للعبور، حاولت التماسك واعادة المشهد اكثر من مرة لعله يكون اُسلوبا جديدا من “الكاميرا الخفية” او مزحة تحمل صفة “كذبة نيسان”، لكن جميع المحاولات فشلت، فشهر نيسان مازال بعيدا، وظهور احد المسؤولين في المشهد وهو يتحدث عن حسم دعوى قضائية لصالح المواطن بامتلاك الجسر قبل 24 عاما، أنهى الجدل بشأن حقيقة مايحصل في بلادنا.
تلك الحادثة واحدة من الأزمات المرتبطة بواقعنا وعمليتنا السياسية التي تعاني من أزمات متلاحقة انجبت لنا “حكومة عرجاء” يتصارع فيها الخصوم ويرفض قادتها “تجبيرها” لأسباب عدة ابرزها الحفاظ على المصالح الخاصة من خلال الاحتفاظ بالمناصب باستخدام القانون والقرارات القضائية، وخاصة حين ما يتعلق الامر بإكمال الكابينة الوزارية التي يتبادل اطراف العملية السياسية اسباب عدم اكتمالها حتى الان، فيما يقف رئيس الوزراء عادل عبد المهدي “متفرجا” ويرفض وضع النقاط على الحروف، ليخرج علينا بمؤتمر الثلاثاء الذي ورثه عن سلفه “طيب الذكر” حيدر العبادي، معلنا البراءة من تبني اي مرشح للوزارات المتبقية، كاشفا ان “جميع المرشحين قدمتهم القوى السياسية”، ليوجه بذلك رسالة لتحالف الفتح الذي يعلن في كل مناسبة ان “الخبير الامني” فالح الفياض هو مرشح عبد المهدي لوزارة الداخلية.
تصريح عبد المهدي أنهى الجدل الذي كان يستخدمه نواب تحالف الفتح لكنه فتح الباب امام السيد نوري المالكي لتبني الفياض كمرشح وحيد لوزارة الداخلية وفرضه بالقوة “نكاية” بتحالف سائرون وزعيمه الروحي السيد مقتدى الصدر، لكن تلك اللهجة تغيرت وأصبحت اكثر “نعومة” بعد ساعات الصباح الاولى ليوم الاثنين، ليفاجئنا القضاء بقرار يعيد السيد الفياض الى مناصبه الثلاثة (مستشارا للامن الوطني ورئيسا لجهاز الامن الوطني ورئيسا لهيئة الحشد الشعبي) ويلغي قراره السابق بقبول تظلم العبادي الذي صدر نهاية شهر تشرين الاول الماضي، والذي نص في حينها على رفض الطعن الذي قدمه السيد الفياض، احتجاجا على قرار ابعاده عن المناصب الثلاثة.
لكن قرار القضاء الذي جاء بعد ايام من موافقة مجلس الوزراء على الغاء قرارات حكومة العبادي خلال فترة تصريف الاعمال، يرسم صورة لا يمكن تغافلها عن وجود اتفاق “لترضية” السيد الفياض مقابل سحب ترشيحه لوزارة الداخلية الذي تحول الى “عقدة” لا يمكن تجاوزها لانجاز كابينة عبد المهدي، من دون ايجاد طريقة “شرعية” لمنح الفياض مناصب لا تقل أهمية عن وزارة الداخلية، فكان القرار بيد القضاء الذي اشترك في “جريمة الترضية” التي تذكرنا “بصفقة” عميد التربية والتعليم” خضير الخُزاعي الذي هدد بعد انتخابات العام 2010، بتدمير العملية السياسية في حال عدم منحه منصب نائب رئيس الجمهورية فكان له ما أراد، بعد ان ترك “فضيحة” المدارس الحديدية شاخصة الى يومنا هذا من دون محاسبة او عقاب بسبب “صفقة الترضية”.
الخلاصة… ان التمسك بالفياض ومحاولة ترضيته حتى لو كان على حساب “نزاهة” القضاء ودماء “عُبَّاد الله”، يعكس حقيقة واحدة تتمثل بوجود إرادة خارجية تتحكم بالقرار السياسي وتمتلك القدرة على صناعة الأزمات وإيجاد الحلول لها في الوقت المناسب، في حين يبقى الحديث عن “عراقية القرارات” مجرد “هتافات” بعيدة عن الواقع… اخيرا… السؤال الذي لابد منه.. هل يصلح العطار ما افسد الفياض؟