8 أبريل، 2024 3:46 ص
Search
Close this search box.

١٤٤ متر تمسح كل الذنوب …‎

Facebook
Twitter
LinkedIn

استذكر العراقيين على الصعيد الرسمي والشعبي مناسبة مقتل الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس وزراء العراق الاسبق وبقدر ماكان لهذه المناسبة من اهمية وماسجلت احداثها من تراجيديا وظروف درامية حزينة بقت خالدة في ذاكرة الناس منذ السنة الاولى لمقتل قاسم ولحد الان ورغم مرور الانظمة الجائرة التي مهد لها قاسم لتحكم العراق بسبب الانقلاب الدموي الذي اطاح بالملكية الدستورية ومهد للحكم الدكتاتوري الغاشم . بقى العراقيين يستذكرون ماساة يوم الثامن من شباط بينما الانظمة الشموليه والدكتاتورية تعتبرة يوم فرح وسرور وعروس للثورات وهكذا بقت شخصية عبد الكريم قاسم شخصية مثيرة رغم مالها من البساطة والسذاجة وتكمن بساطة عبد الكريم قاسم بسطحيته الفكرية والسياسية ولكونة ضابط كفوء ويمتلك قدراً من الانضباط والطاعة ولانه ينتمي الى عائله فقيرة استعجل الشهرة والنجومية واستعجل فراق الدنيا والانتقال الى المجهول . ففي صبيحة يوم ١٤ تموز قامت ثله من الخارجين عن القانون وممن خانوا العهد والشرف والقسم و ضربوا المؤسسات الدستورية والبرلمانية والقضائية واعلان الاحكام العرفية والقيام بافعال وجرائم طالت الاسرة الملكية الدستورية والحكومة وارتكاب جرائم بشعة بحق الموظفيين الحكوميين وقتل رئيس الورزاء نوري سعيد ..
العراقيين يستذكرون المؤسسات الدستورية في العراق ويتذكرون المناخ الديمقراطي الحر والنظام البرلماني وكيفية ادارة الدولة ولان الدولة العراقية كما اي دوله في العالم ترتكب حكومتها اخطاء تؤدي ان يقيل الملك او البرلمان حكومتها . والعراق معروف باقاله الحكومة بعد ان يضغط الشعب بالمظاهرات او البرلمان . ولكن ان تنحرف الدبابات والمدرعات وجنود المشاة والتي تحمي العراق والملك  والدستور الى غير مواقعها سجلت سباقة خطيرة في بداية عهد دموي جديد في استخدام الجيش في المنازعات السياسية وبسبب ما ال اليه الشعور الشوفيني  في المنطقة انذلك وبروز التيار العروبي القومي وقيام انقلاب ١٩٥٢ في مصر وما مهد للانقلابات عسكرية في المنطقة كانت التنظيمات الشيوعية الفلاحية تمارس نشاطها هي الاخرى بكل حرية وحماس في المناطق الجنوبية والشمالية ومثلما كان ابناء الجنوب والشمال مبتهجين بانقلاب تموز ١٩٥٨ بسبب ظلم الاقطاع وجوره واعتداءه ولم يكن ابناء الجنوب يتضايقون من النظام السياسي انذلك بمقدار مضايقة النظام الاقطاعي  المناطقي المتخلف لهم و الذي اورثة الانكليز بحصر ممتلكات الارض  بفئة معينه من الشعب يسمى الاقطاع واباح له حق الاستثمار والاستصلاح والزراعة ومستغلاً ايدي عامله رخيصة مارس معها اساليب العبودية والسخرة . فهكذا كان يعاني  الجنوب من محمد العريبي  وشواي ونكال وجوقة الاقطاعين الذين جعلوا البؤساء في بغداد الذين فروا من قراهم وقصباتهم الى المباركة بذلك الانقلاب والخروج الى الشوارع هاتفين ماكو زعيم الا كريم وبذلك تبداء صفحة جديدة من تاريخ العراق سجلت احرفها بقلم حبره من  دم لم ينضب منذ ١٤ تموز ١٩٥٨ ولحد الان .
 ان هولاء الذين فروا من قراهم وقصباتهم بفعل ظلم الاقطاع وجدوا ظالتهم في حكم عسكري يؤمن بالعواطف والهتافات ولان جماهير هذه المحافظات البائسة والتي كانت تهتف بطول عمر الاقطاع والشيوخ وكانت تردد دائماً ( شواي الله ويمشي بكاعة  ومن كون الله وياه انشيله ) هولاء عبروا عن غضبهم بالملك الشاب فيصل وبرئيس الوزراء نوري سعيد الذي يعتبر احد مؤسسي الدولة العراقية الحديثة . هولاء الذين يضعون شواي بمصاف الله وانكال اقوى من بيت الله فهم من يقولون ( كح انكال وهز الكعبة ) وانكال احد شيوخ الجنوب الذي لايتسطيع ان يهز ريشة نعام او بعيجي ولكنها الشخصية العراقية المليئه بالتناقضات ..
لم يكن كل هولاء الذي خرجوا يباركون الانقلاب الدموي متضررين من الملك او من حكومة نوري سعيد بل الحق ان هذة الجموع البشرية الهائله والتي تحولت الى مليونية لاحقاً كان مرحباً بها في بغداد وحصلت على اراضي عرصات لم تضايقهم الحكومة يوماً في معيشتهم او ارائهم السياسية وهم يدركون حقيقة واقعه الفرق الكبير في الحرية والتعبير عن الراي بين النظام الملكي الدستوري والنظام الجمهوري الدكتاتوري . لم تكن الاجهزه الامنية بمستوى الحرس القومي واللجان الشعبية ولم يكن القمع بمستوى السحل والقتل والسجن دون تهمة او مذكرة توقيف من قاضي .؟
الجمهورية ومنذ اسقاط النظام الملكي طورت اساليب القمع واشاعة الرعب والخوف وقمع الديمقراطية والحرية التي عادت بقوة الامريكان كما البريطانين الذين حرروا العراق من ظلم العثمانيين .
الفقراء والطيبين من العراقيين وبعد عودة الديمقراطية والحرية والتي غابت عن العراق لعقود من الزمن يستذكرون تلك الاحداث الساخنه بوفاء مادي شكل عقبة حقيقة امام بناء مجتمعات ناضجة تفكر بعقلانية وبعواطف صادقة وان تغيب المصالح الذاتية الانانيه التي لاتعبر عن خدمة كبيرة للمجتمع .
انقلاب ١٩٥٨ عطل بناء الدوله المدنية الحديثة في استثمار طاقات البلد وخيارته وكان العراق بما يمثله من قوة اقتصادية وبشرية وعلمية مصدر تحدي للكثير فما كان الا ان تتامر دول محيطة وكبرى في دعم العسكر بالاطاحة بالدولة العراقية واقامة الدولة الفاشله الغير ناجزة لما تفكر به الدولة الملكية الدستورية من مشاريع عمران وبناء .
هذا المؤامرة الكبيرة بدأت صفحتها في صبيحة ١٤ تمز ١٩٥٨ وكيف جعلت من هذا البلد العظيم لعبة حرب وتجربة ميدان في نقل الصرعات والخصومات . فمنذ فكر قاسم في احتلال الكويت ولحد الان نحن محتلين من قبل الطغاة الدكتاتورين في العهد الجمهوري . انظمة شمولية مجرمة تبادلت الادوار في اضطهاد هذا الشعب وتدمير مقدراتها وضياع خيراته ولكن هذا الشعب طيب ومتسامح وعظيم فهو يحزن للاقطاع الشيخ ( المحفوظ ) الذي يسرق الفلاح ويضطهده ويحزن لحزنة فهو يبكي لجلادة ويحزن علية والجميع يستذكر مراسيم تشيع الاقطاعيات وكيف تسير خلف نعوشهم مئات الالوف وهم طغاة بغاة وكذلك الحال لرجال دين ساهموا مساهمة فعاله في نشر التخلف والامية والبؤس وكانوا على علاقة وثيقة مع الملاكين والاقطاع وبقدر ما لم تفكر المرجعيات الدينية في اقامة مدرسة ابتدائية واحدة في جنوب العراق من اموال زكاة وخمس الاقطاعيين جعلت ظلمهم يوازي العثمانيين في تعمدهم في فقر الناس وجهلهم ولولا الانكليز في تاسيس الدولة العراقية الحديثة لبقى العراقيين كما في قرون الكهوف والبداوة والجاهلية .
وماشدني لماذا يستذكر العراقين مقتل عبد الكريم قاسم فكانت الاجابة ببساطة هو ليس التغير الديمقراطي والحضاري وليس العمران والبناء فان مشاريع الدولة الملكية التي اعدها المهنيين والاكفاء لم تنفذ منذ اكثر من نصف قرن ولحد الان وانما وفاء الناس الفقراء لزعيم منحهم قطعة ارض ١٤٤ متر شرق بغداد  ليخلف لهم مؤسسات واحزاب تخطف ابنائم وتقتلهم وتزجهم في حروب عبثية وتبقيهم  اكثر من ٥٠ عاماً في نفس تلك الارض العرصة وكانها بقعه من الجنه و التي تحولت الى ٧٧ متر ليصبح الالوف ملايين  يعيشون على احلام التغير والانتماء الى عشرات الاحزاب الثورية والاسلامية واليسارية ليشكلوا نافذة ولوبي قوي  علماني وديني  ملتزم رغم مرور عشرات الالوف من قناني الويسكي والعرق والجن والبيرة  الى مدينتهم المقدسة والتي تشكل نهر من انهار الجنة ينتظرهم في الدنيا والاخرة رغم انف الجميع ويجعلهم في سبات عميق من عواطف لاتنتهي ولاتحتكم الى العقل في الولاء القبلي والديني والسياسي والشخصي وصرنا بامس الحاجة ان نطمع بمفاتيح جنه او مفاتيح بيت او مزرعة دون ان نملك حريتنا في الخيار والاختيار وننتهي من ازمة الازدواج  التي جعلتنا نترحم ونلعن عبد الكريم قاسم بين عام وعام .

[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب