18 ديسمبر، 2024 9:51 م

يوم.. ليس ككل الأيام

يوم.. ليس ككل الأيام

صحيح إن الكل كان مقتنعاً بمن فيهم صدام حسين نفسه ومريديه.. إن لا أمل في نجاة نظام حكمه.. من هجوم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لإسقاط نظامه.. وها هو تمثال صدام في صبيحة يوم 9 نيسان 2003 يسحب بدبابة أمريكية ويسقط على الأرض.. لم تعد هناك مقاومة.. بل اختفى جيش العراق.. وتوقفت الحياة.. والكل مندهش.. بل الكثير غير مصدق بما حدث.. متناسين إن نظام صدام فقد حتى الكثير من قيادي حزبه.. أما مايسمي بالقواعد فهي لن تقاوم أي حركة.. وكان انتفاضة الشعبانية 1991.. درس لن ينسوه
بالمقابل كانت هناك حركة سريعة للقوات الأمريكية.. لمحاولة الانتشار ببغداد.. أما مسؤولي النظام فقد اختفوا.. هل حقاً سقطت بغداد ؟؟ هل حقاً أصبحنا بلداً محتلاً؟؟.
فيما تصلنا الإنباء إن صدام كان في ضحى ذلك اليوم يحي جماهير في منطقة الأعظمية..لا يتجاوزون عن 200 شخص.. وبعد ساعات مرً من هنا “في منطقتنا” ترافقه خمس سيارات مرسيدس.. وبعض المارة ينظرون إليه بترقب!! ماذا يعني قائد.. بلا قوات؟.. ولا قيادة.. ولا جيش!!.. وأعداد قليلة من الأفراد تريد أن تتأكد ما الذي حدث؟.
كان يوماً.. ليس ككل الأيام.. بكل الحسابات.. لا تصدقوا اليوم أقاويل وحكايات من جاء مع الدبابة الأمريكية.. ولا تصدقوا من يغرد الآن.. ولا تصدقوا بعض الأفاقين وهم يقولون إننا أسقطنا صدام!! ولا تصدقوا بطولاتهم الفارغة.
يوم التاسع من نيسان ليس كبقية الأيام.. الكل ممن كان يلبس الزيتوني تخلص من سلاحه.. وترك مكانه.. وهرولً مسرعاً لبيته أو لبيت أقربائه.. أو حتى ترك بغداد.. وقوافل السيارات باتجاه طريق الأردن بالمئات هَربً بها غالبية كوادر النظام وعوائلهم.
وجاء الليل بسكونه غير المعهود.. وخلت الشوارع من الناس.. وخلت بشكل خاص من البعثيين.. ومن مسؤولي النظام منذ الصباح.. ومن العاملين في الأجهزة الأمنية.. كذلك من عناصر القوات المسلحة والشرطة هل ابتلعتهم الأرض ؟؟.. أحقاً قاوموا.. أم إنهم أصلاً منهارين نفسياً منذ ساعة الإنذار الأمريكي؟؟
سرتُ أنا مشياً على الأقدام بعد العاشرة مساء من ذلك اليوم.. من بيتنا قبالة الجامعة المستنصرية الى الباب المعظم.. لم أجد غير نفسي تمشي في الشارع.. ورجل فقير بملابس رثة يجلس في زاوية.. يبدو إنها كانت مكان منامه..وليس في باب المعظم شيء يذكر.. ولا حتى قطة أو كلب يسير أو حتى مختفي!!
عدتُ أدراجي.. وإذا بدبابة أمريكية نظرتُ إليها لم أشاهد غير سيرها في الشارع.. وهي تصعد الرصيف.. تأملتُ.. وقلتُ ونفسي: هل تستطيع هذه الدبابة أن تتجاسر وتصعد رصيف من أرصفة نيويورك؟.. أو تسير على رصيف في واشنطن أو حتى في مناطق السود الأمريكان الفقيرة؟.. حتى لو قامت الحرب عندهم.. فدباباتهم تحافظ على شوارعهم.
هززت رأسي.. وقلتُ ونفسي إن كان صدام لم يستطع تدمير العراق بكل حروبه الداخلية والخارجية.. ومقابره الجماعية.. وصواريخه.. ونابالمه.. وكيمياويه.. فقادتنا الجدد سيدمرون العراق بظرف سنتين!!.
لتبدأ أكبر عملية فرهدة للمال العام والبنوك والمصارف ومؤسسات الدولة وقصور الرئاسة وبيوت الوزراء ومراكز الشرطة ومعسكرات الجيش ومخازن سلاحه.. ومقرات حزب السلطة.. حتى المؤسسات العلمية التعليمية والرياضية والصحية ومراكز إيواء كبار السن والمجانين لم تسلم من أيدي السراق.. ومن ثم تدمير الكثير من المؤسسات.. وحرق بعضها أكثر من مرة.. أنه التدمير الكامل لدولة العراق التي شارك فيها بناءها العراقيون منذ 1920 حتى اليوم الأسود هذا!!.
المخزي إن أبطال هذه الجريمة الكبرى المنظمة هم أحزاب المعارضة التي جاءت مع المحتل.. والعديد من البعثيين الذين يعرفون كل شيء عن هذه المؤسسات.. والسراق والمجرمون الذين أطلق سراحهم صدام قبل مدة قصيرة من سقوطه.. وأصحاب النفوس الضعيفة من المدنيين والعسكريين وقوى الأمن الداخلي.. ولصوص الدول المجاورة الذين دخلوا العراق مع المحتل.. سرقوا ما تبقى من أثاث وسيارات ومكائن .

التحرير الزائف:
المعارضة التي جاءت مع الدبابة الأمريكية.. والأمريكان يقولون: انه (تحرير العراق).. وفي كل التاريخ العالمي يوصف دخول قوات أجنبية.. حتى ولو بطلب من الحكومة القائمة (غزواً).. واحتلالاً.. ودماراً.. وقتلاً.. وسبياً.. واغتصاباً.. فقط في بلدي يسمى الاحتلال (تحريراً).. فقط رئيس جمهوريتنا الجديد من بين كل الملوك ورؤساء العالم قديماً وحديثاً يسمي الاحتلال (تحريراً).. فقط أصحاب الجنسيات المزدوجة يسمون تدمير العراق واحتلاله ب(التحرير).. ويحتفلون به كل سنة.
المضحك.. إن البريطانيين بطلب من حلفائهم الأمريكان يدعون مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع عاجل لإصدار قرار باحتلال العراق.. وليس بما يدعون (تحرير العراق).. كي يمنحوا أنفسهم الشرعية الدولية بحكم العراق المحتل من قبلهم.. وصدر القرار الدولي.. وجيء ببريمر حاكماً مدنياً للاحتلال.
المخزي إن عراقيي الخارج ظلوا لسنوات يؤكدون إن العراق تحرر.. وكان كبارهم يقفون يرتجفون أمام بريمر.. وأمام كونداليزا رايس وزير خارجية أمريكا المحتلة.. أما سيد هؤلاء المنافقين فيهدي سيف ذو ألفقار الى وزير الحرب الأمريكي المجرم رامسفيلد.. الذي ضرب العراق بالنابالم والقنابل الفسفورية.. وقتل العراقيين.. هؤلاء هم الذين يطلق عليهم مقولة: (إنهم انكليز أكثر من الإنكليز أنفسهم).
لم يكن 9 نيسان كبقية ألأيام.. فقد فتحت الحدود العراقية على مصراعيها.. ودخل كل من هبً ودبً.. من المجرمين وتجار المخدرات.. مثلما دخل الإرهابيون والقتلة.. كما أدخلت الدول جواسيسها وعملائها الى العراق لتجد لها قدماً في نظام الفوضى.. أو كما أسماها الأمريكان (الفوضى الخلاقة).
راح بريمر بعد سنة من النهب والدمار.. حاملاً معه 19 مليار دولار سرقها من أموال العراق.. بـتأكيد مكتب المحاسبة الأمريكي.. ليتسلم من لا يفقه بالسياسة ولا بالاقتصاد ولا بالإدارة.. ولا بأمن الدولة.. ولا يعرف معنى قيادة الحكم في عراق التحرير كما يسمونه.
16 سنة انقضت على ما يسمى ب (العملية السياسية).. وتأكد للقاصي والداني انه ليس هناك تحرير.. ولا ديمقراطية.. ولا مدنية.. ولا دولة دينية.. ولا تطبيق للقانون.. وتبين إنها أكبر كذبة في العالم.. فهي عملية خطف وقتل.. بسبب أو بلا سبب.. ومساحة الفقر توسعت بشكل رهيب.. وازدادت البطالة 5 أضعاف عن عهد الحصار الاقتصادي.. وعدد النازحيين وصل أكثر من ثلاثة ملايين.. والمهاجرون 3 ملايين.. والمهجرون 3 ملايين.. والمطلقات 3 ملايين.. والأرامل والعوانس 3 ملايين.. والشهداء والمعوقين والمفقودين 3 ملايين.. والأيتام حدث بلا حرج!!.. حتى الحصة التموينية أكلها الذئب.. وانخفضت من 12 مادة الى4 مواد فقط .. ومن 12 حصة سنوية الى ست حصص في السنة.. وبقية الحصص تسرق مبالغها من قبل معالي الوزير وحفنة الضالين!!
وما يطعموننا مما تبقى من الحصة التموينية مواد منتهية الصلاحية أو عفنة أو مغشوشة.. أو تحوي حشرات.. ويقولون لنا إنها حشرات نافعة!!.
ونحن هذه الأيام نعيش شهر شعبان.. أفضل شهر في الإسلام.. نتذكر كيف كنا نعيش قبل 9 نيسان.. ونقارن بألم شديد.. الظلم والدكتاتورية وعنجهية صدام.. وديمقراطية الاحتلال.. ومع ذلك نردد:
كان هناك صدام واحد.. واليوم عندنا 1000 صدام.. كان هناك حزب واحد.. واليوم عندنا أكثر من 350 حزباً.. كان هناك جيش واحد.. واليوم لا ندري كم جيش عندنا ؟؟
وبعد.. كان هناك: عدي واحد.. وقصي واحد.. ولؤي خير الله واحد.. وحسين كامل واحد.. وعلي كيمياوي واحد.. واليوم عندنا 10 آلاف عدي.. و10 آلاف قصي.. و10 آلاف لؤي.. و10 آلاف حسين كامل.. و10 آلاف علي كيماوي.. والكثير من فضلات القاذورات التي لفضها الاحتلال علينا.. وأنتم احكموا ماذا جرى لنا.. وماذا يجري بنا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

بغداد.. بغــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــداد.. أبكيكِ 16سنة بلا توقف.. وأبكيكِ فأنت اليوم.. لم تعودي بلد السلام.. ولم تعودي قلعةً الأسودِ.. ولا كعبة المجدِ والخلودِ.. ولا جبهة الشمسِ للوجودِ.. بغـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــداد: ولا ذهـباً للزمان وضوعه العطرُ.
بغداد.. أنت اليوم لست مدينة المنصور.. ولا بلد السلام.. ولا قلعة الأسود.. بشاهدة حكامنا.. أنت مدينة السراق.. والمزورين.. ومهربي النفط.
فمتى تعودي بلد السلام.. وقلعة الأسود ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟