23 ديسمبر، 2024 12:40 م

أي يوم من أيام بغداد , فبغداد زهوة التاريخ وعروس المدن العربية , عاشت حياتها بربيع دائم , لكنا هنا نتحدث عن بغداد المنكوبة بأيام عصيبة  للإختصار ناخذ يومين سيئين بحياتها يوم سقوطها على أيدي المغول عام 1258 في العاشر من شباط ويوم سقوطها بيد الإحتلالين , التحالف الدولي وعصابات الجواسيس والخونة  2003 . وبالمناسبة دخلت طلائع الإحتلال ومسكت بعض الأرض بذات يوم دخول المغول  , ليس مصادفة بقدر ما هو متفق عليه , من باب التفاؤل أو التذكير نحن وهم من طين واحد  .
إن فكرة التاريخ يعيد نفسه فكرة ليست سيئة لمن أراد الإستفادة من التاريخ وفكرة سيئة لمن أراد التذرع بشتى الوسائل كي يزوغ من حكم التاريخ , ومن يعتقد أن سقوط بغداد الأول أو الثاني شيء جيد فهو واهم كما المحتل واهم بنصره .
الغزاة هذه المرة هم المغول الجدد نعم المغول مع تعاسة مضاعفة  فالمغول خليط قبائل بدوية  بإمرة بوذي هو هولاكو يبحثون عن النصر إمتزج معهم بعض من النصارى والمسلمين  لأسباب شتى وعندما يبطشون بالمسلمين وخلافتهم ومعتقداتهم فلهم مسوغهم, ومع هذا فقد تسامحوا مع الشيعة بإعتبار أن الشيعة كانوا مضطهدين من قبل الخلافة العباسية وتساهلوا مع النصارى إرضاء لعين زوجة هولاكو النسطورية دوكوز , حتى أن القائد هولاكو منح مقر الخلافة للنسطوري ماراماكيجا وأمر له ببناء كتدرائية ,  أما مغول اليوم ” الدواعش” فهم مسلمون يريدون إحياء الخلافة  أي السير على
 نهج الرسول الأعظم ولكن واقع الحال من تصرفهم يثبت العكس فعلى قدر ما فعل المغول ببغداد فعلوا في الموصل . كل تراث يمجد الإسلام نسفوه من الأرض وكل رمز وطني تغنى لأمتي العرب والإسلام رجموه , وكل مخلفات الماضي أحيوها على المغلوبين  التعساء , مسلمين ومسيحين وايزيدين وشبك  .
إن البحث في أسباب سقوط الدولة العربية في بغداد  التي طالت أغصانها قارات العالم بهذه البساطة هي نفس الأسباب التي جعلت الموصل تنهار بساعات أمام عصابات مرتزقة  تجهل الأرض وساكني الأرض ,فالعامل المشترك للسقوطين  الطائفية والتفريق المذهبي , فبغداد الأمس أذاقت شيعة العراق أمر الأمرين , وشيعة بغداد اليوم تذيق سنة العراق نفس المرارة  , وكأن هؤلاء هم اؤلئك . وأهل الموصل  كما هو معروف لنا جميعا من السنة المعزولين بل المكَّفرين من رأس الدولة إلى أسفلها وأغلب رجالها أما مطاردين في المنافي أو قابعين  في السجون , لذلك تعاونت سنة الموصل مع داعش
 ليس حبا بها ولكن مناصرة لعداوتها للشيعة   في حين أن داعش لا تحب السنة ولا الشيعة  لهذا مجرد أن أستقر بها المكان أضطهدت الجميع .
لم يعرف التاريخ الإسلامي حركة متزمة متطرفة كداعش فقد حوت فلسفتها  أساليب الحركات الدينية المتطرفة فهي مزيج من الخوارج والوهابية التي هي نتاج إبن تيمية  ولعل عامل الربط بينهما ليس التطرف وتكفير الآخر وإنما هما نتاج مدرسة واحدة هدفها عكس صورة للإسلام تتناقض وحقيقته  وتجعل أغلب المسلمين المعتدلين ضحية التشكيك بدينهم , لأن عملية التفريق بين النظرية والتطبيق تكاد تكون مستحيلة هنا , فهم يفسرون الآيات القرانية وفق نهج التعصب في حين أن الدين الإسلامي دين الوسطية والتسامح والمحبة , لذلك تجد صورة المسلم اليوم وفق النظرة العصرية هو ذلك
 الإنسان الشرير زاهق الأرواح والمتلذذ بالدم , والغريب أن  فعلها يجد عند البعض قبولا,  لا أقصد من الغربيين  . فهؤلاء يلتجأون  إليها كهروبهم  لحركات التمرد على الواقع  بسبب روتينية حياتهم وليس فهما للإسلام وحبا به , أقصد العرب,  ولعل أي واحد منهم تجد مسوغه هو الحقد المذهبي فقد أججت  الحركات المتاسلمة الصراع بين الطوائف إلى درجة التقاطع وتكاد أن تصل بالطائفة لدرجة الديانة وهذا ليس مبعثه الإختلاف الفقهي وإنما هو تخريب الإسلام من الداخل والتركيز على صورة المسلم الملتحي الحاقد والذي يتوعد بالشر , وإلا لماذا يتعرض الإسلام لهذا التصعيد في
 حين أن الديانتين الأخرتين ليس لهما إمتداد طائفي عدواني , وفيهما من الوئام والتعايش ليس مع البعض وإنما مع الديانات الأخرى .  لعل فقهاء الدواعش يفتونا مأجورين مثلما أفتوا بنكاح الجهاد .