23 ديسمبر، 2024 6:55 م

يوم في حياة عراقية

يوم في حياة عراقية

انه يوم عراقي آخر .. يستيقظ من نوم بلا احلام .. بلا آمال كثيرة .. جل امله ان يرى آخر نهاره الجديد ..
يتناول الفطور ..

يغتسل ..

وتبدأ دوامة الدوام .. مدرسة .. وزارة .. مؤسسة .. او اي مكان آخر يرسل الله سبحانه له فيه رزق يومه ..
في سيارة النقل العام اي ما كانت .. كوستر .. تاتا .. كيا او غيرها .. يفتح المذياع على اغاني الصباح العراقية .. ارهاب .. داعش, حكومه, كهرباء, دول الجوار,المالكي,صدام,البعثيين .. الى اخر الاسطوانة التي تتجدد كل يوم بسواد يضاف الى سوادها القاتم ورائحتها التي تطفو فوقها رائحة العطاب .. لا تنسألوني اي عطاب هذا.. فقد يكون ناجم عن احتراق قلبي كل يوم ..

وفي الحافلة .. يرن جرس الهاتف المحمول ..

-ها يمه وصلت
– لايمه ازدحام
-توصل بالسلامه يمه محروس
-في أمان الله يمه

هدوء ما قبل العاصفة .. شيء ما يقول له ان الهدوء غير طبيعي .. انه هدوء المقابر يخيم على المكان كله ..

وفجأة تستحيل السماء الى ظلمة داكنة .. تسود الدنيا .. الدنيا ظلام ودخان ودم يحني قارعة الطريق ومنتصف الشارع .. انه عرس الدم العراقي اليومي …..تفجر الى عشرين قطعة من صاح قبل ان ينتحر بحزام ناسف الله اكبر.. ويصيح من ورائه من يموتون على قارعة الطريق من جراء الديناميت الناسف متشاهدين على اعمارهم التي تقف على شفير النهاية.. الله اكبر

ساحبوا الجثث يصيحون الله اكبر .. ومن يشاهد الخبر على التلفاز يصيح الله اكبر .. امة الله اكبر كلها تصيح الله اكبر .. وكل يبكي على ليلاه ..

الاعلام التي تلف الاجساد المقطعة .. موشحة بالله اكبر ..
الذي يسحب جثث الموتى يصيح الله اكبر…اليسمع بالخبر من التلفزيون يصيح الله اكبر….
والله خالق الخلق ينظر الى امة الله اكبر ..

ما لهذا خلقنا يا امة الله اكبر ..

وفي وسط الظلمة والسواد والدخان المتصاعد من الاجساد المحروقة
ترن اجراس الهواتف النقالة الملقاة هنا وهناك .. لا احد يجيب ..

**

يطول انتظار الام التي حدثت ابنها صباحا .. القلق يأكل لب قلبها .. والخوف يعصر مصارينها .. لا تستطيع القيام باي عمل داخل المنزل .. لا تستطيع حتى شرب الماء ..لماذا لا يرد على هاتفه النقال

يا وليدي مو موصيتك .. ابد لا تخليني بلاية خبر منك . والموبايل ابد لا تطفي وليدي وليدي

الا ان الهاتف لا يرد ابدا

الاب يجلس في زاوية اخرى من القلق .. تكر حبات السبحة الواحدة تلو الاخرى .ز تصبره ام تذكره مع كل حبة بان ابنه لم يفعلها من قبل .. لم يبقيهم في هكذا قلق عليه لانه يعرف ان امه يمكن ان تنقلب الى مجنونة ان غاب عنها فترة طويلة بدون الاطمئنان عليه.. كلمة واحدة تكفي لتجعلها تتحول من القلق المطلق الى الاطمئنان المطلق .. هيا يا ولدي .. اجب موبايلك ليس من اجلي ولكن من اجل هذه المخلوقة المسكينة ..
**

الاب يتصل باصدقاء ابنه ..

ها عمي شفتو ابني اليوم ؟؟ ادك عليه وما يجاوب .. انا مو قلق عليه .. عندي شغله وياه واذا شفتوه كولوله يدك عليّ ربي يحفظكم وليداتي

**
الاصدقاء يدخلون في معسكر الرعب مع ام وابو صديقهم الذي اختفى تماما منذ ساعات طويلة وتبدأ كرة التلفونات تتفاذف بينهم

– ها فلان شفت فلان .. ما خابرك .. مختفي .. شلون بالله وين انروح اندور عليه؟

اما الام فقد تجاوزت مرحلة القلق ومعسكر الخوف وبدأت بالنحيب .. دموع تنزل من عينيها من دون اي سيطرة

-ابو فلان ماحصلته .. ماجاوبك؟؟

الاب يصيح بها وبعصبيه

هو لا حول ولا قوة لديه .لا يعرف ماذا يجيبها ولا عنده ادنى فكرة من اين يبدأ بالبحث عن ابنه .. الدنيا تغيرت والموازين اختلت واختفاء ابنك لا يعني شيء عند السلطات فهو ليس الا رقم من الارقام التي تخرج كل يوم من منازلها وليس بالضرورة ان تعود ادراجها ..

في هذا الوطن .. المعجزة هي عودتك سالما الى دارك كل يوم وليس العكس ابدا ..

**

الاب قلق ولا بديل له الا الموبايل ..

_ سلام عليكم عمو…فلان يمكم؟ ادك عليه بس مدا احصله
_ لا والله عمو…(ضحكه كاذبه) تلكَه التلفون عله الصامت عمو هسه هو يخابركم بس يشوفه
_الصديق الثاني لا عمو بس لتخاف ان شاء الله ماكو شي
**
وتمر ساعة مليئة بالاشواك .. ويرن جرس هاتف الاب .. ويظهر اسم ابنه على الشاشة .. يقفز قلبه من مكانه ويرد بلهفة

– ها وليدي وينك بالنا يمك…ليش مجنت تجاوب
الو يابه تسمعني؟

الا ان الصوت على الطرف الاخر ليس بصوت ابنه ..انه صوت رجل غريب يقول :
– (سلام عليكم حجي…اني بالعلاوي وهسه صار انفجار ولكيت التلفون ويه ابنك……البقيه بحياتك حجي…ابنك استشهد والله يرحمه ….
الام تصرخ به .. ها يكول ؟ شوكت يرد البيت؟ ليش مجان يجاوب؟

ينظر اليها ويفتح فمه ليجيبها .. الا ان صوته ذهب مع ابنه الملقي على احدى ارصفة العلاوي المضرجة بدمه