في مثل هذه الأيام قبل 757 سنة , سقطت بغداد واحترقت على يد جيوش هولاكو حفيد جنكيز خان.
بغداد التي بناها عام 762 ميلادية الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور , عاصمة للدولة العباسية والعالم في عصرها , وكانت مكتبة الحكمة فيها لاتُضاهى , فجذبت إليها العلماء والمفكرين واللغويين والنحويين والأدباء والفنانين وغيرهم.
وكما يُذكر, فقد حاصرها الجيش المغولي وتعداده مئة وخمسون ألف (150000) , في منتصف كانون الثاني من ذلك العام , وعلى الأرجح في يوم (1021258) ميلادية دخلها , وعاث فيها خرابا وقتلا وحرقا على مدى إسبوع , ما عهدت كمثله البشرية في تأريخها , فدُمِرت مساجدها وقصورها ومكتباتها ومستشفياتها ومدارسها وجميع عمرانها , وما يشير لحضارتها ودورها الإنساني والمعرفي , وألقيت كتب مكتباتها في مياه دجلة , وقتل من أهلها أكثر من مئتي ألف (200000) دون ذنب , وإنما قرر هولاكو تطهيرها من بشرها أجمعين , حتى صارت بعد أسبوع فظيع تخلو من أي بشر سوى الذين إستباحوها وأحرقوها.
هؤلاء الأشرار الذين إقترفوا جرائمهم النكراء في بغداد , إنهزموا شرّ هزيمة بعد سنتين في معركة عين جالوت في 39 1260 ميلادية.
فسقوط بغداد يعلمنا أن الفساد هو العامل الجوهري في تدمير القوى والإمبراطوريات مهما تعاظمت , وكلما ساد الفساد وتمكن فأن المدن تتساقط كنتيجة حتمية لإستحكام قبضة الفاسدين!!
وأن التضليل ودعايات الرعب المغرضة تهزم الجيوش وتمحق الأوطان , لأنها تحقق هزيمة نفسية وتقضي على العزيمة وإرادة الحياة.
كما أن الفرقة والتناحر والتشتت , يوفران الأجواء الكفيلة بنهاية الدول والبلدان , وهذا ما يحصل في مجتمعاتنا , التي تشظت فيها العقول والنفوس والأرواح والقيم والمعايير والدول.
وما أشبه اليوم بالبارحة وما أبشع ما جرى , وأفظع وأقبح ما يجري من الخطايا والآثام , وبإسم العقائد والأحزاب , فهولاكو كان يبرر جرائمه بحق الإنسانية على أنه ينفذ إرادة الخالق بخلقه , وإنه سلّطه عليهم لينتقم منهم , فهو نقمة الرب , التي وجبت على القوم الفاسدين وفقا لإعتقاده , مما يشير إلى أن المعتقدات يمكن إمتطاؤها لإقتراف ما لا يخطر على بال من جرائم الشرور , وبوحشية غير معهودة أو متخيلة!!
ذهب هولاكو وأشراره وبقيت بغداد , وسيذهب أعداؤها مجللين بمخازيهم وهوانهم , وستبقى بغداد وتورق من جديد , وتكون دوحة حضارية معطاء وارفة الأغصان!!