23 ديسمبر، 2024 11:07 ص

لم يصدق الفريق الأمني الأجنبي الذي يستقل ثلاثة سيارات دفع رباعي موسومة بعلامات الشركات الأمنية والقادم من البصرة .. من ان الآلاف من هذه السيارات وجموع البشر جاءت لتودع رجلا يذهب الى مثواه الأخير ..وحينما أفهمت وقائع الحدث ..قالوا لابد وان يكون (رجلا عظيما)

لم يكن الطريق مساء هذا اليوم … طويلا من مطار البصرة حيث جثمت الطائرة الخاصة لنقل الجثمان الطاهر لحاتم الجنوب الشيخ علي محمد المنشد أمير قبائل الفضول وأل غزي في العراق والوطن العربي ..ليصل الى مسقط راسة في السايح عند تخوم الناصرية ..لكن المسافة استطال معها الوقت ليبلغ أكثر من 6 ساعات وسط الزحام الشديد..فكل بضع كيلومترات يتوقف الموكب لتقوم عشيرة بأداء واجبها من التشييع والتأبين وسط الإشعار الحماسية واستذكار مأثرة في سجية الكرم والسخاء وإصلاح ذات البين . .
وكلما تقدم الرتل تبعته المئات من السيارات وبيارغ القبائل ترفرف فوقها وسط إطلاق كثيف من العيارات النارية.. تعبيرا عن الأسى والحزن لفقدان هذه الشخصية الفريدة ..
تزاحمت عشرات الإعلام المزينة بأسماء وأفخاذ اغلب عشائر العراق ومن كل محافظات العراق على جانبي الطريق وتوقفت حركة السير للجانب الذاهب الى البصرة من شدة الزحام …ومواقف لاتعد ولا تحصى وصور مؤثرة من الوفاء ورد الجميل لهذا الرجل..والذي لطالما كان مضيفة ومسكنة ملاذا للخائف وقضاء دين لكل مهموم ..
صور غريبة ومحزنة وهوسات أكدت على تلاحم عشائرنا الكريمة وتمسكها بالقيم العربية الأصيلة ,,ولا أشد ما أبكى الجميع موقف عشيرة الحسينات الكرام حينما انزلوا الجنازة قرب قرية (أم الحجول ) وطافوا بها ورفضوا ان يعطوها قائلين (نريد ان نرد الدين لحاتم الجنوب )وهو ضيفنا الليلة ولطالما كنا ضيوفه .وسط النحيب والبكاء لشيبهم وشبابهم.
موقف الحسينيات الكرام وغيرهم ..هي صورة مصغرة ولمحة خاطفة من هذا الولاء الفطري والحب المنزه من كل دنس لشخص حاتم الجنوب هو ما اجتمعت علية هذه الألوف المؤلفة والتي تسابقت لكي تكون في كرنفال التوديع والسويعات الأخيرة لبقاء هذا الرجل المتميز والذي من النادر أن يتكرر أمثالة على وجه هذه الدنيا والتي من المؤلم ان يغيب رجلا كالشيخ علي من على ظهرها ولكنة قضاء الله وقدرة وكل نفس ذائقة الموت ..
قبل شهور كنت مع أخوتي في زيارة لمضيفة العامر.وقد غيبتني عن لقائه مشاغل الحياة .. ولمست عن قرب بساطته وتواضعه ورسم لي اللقاء صورة زاهية عن خصال وشيم الكبار ..فرغم اعتلال صحته ألا إنه أدهشني ما كان عليه من نشاط وحركة واستجابة لطلبات الحضور ومشاكلهم وأتضح لي ما يتكبده من مشاق للتجاوب مع هذه التفاصيل في مجتمع عشائري يعلق إمالة على رمز العشيرة وبخت المضيف …لقد سعدت كثيراً في هذا اللقاء وتأثرت بعطفه وأيثارة ومقدار مايجود به من ماله الخاص لدفع الحيف ومنع التعدي وأيقنت من ان هذا الرجل وما يتحلى به من أدب العلماء وشيم الكرام وتواضع العارفين لهو مصدر فخار وعز لنا جميعا ..
ولا عجب فهو ينهل من أخلاق هدي محمد وألة الأطهار ومن مدرسة أل المنشد وهي مدرسة لمكارم الأخلاق والصبر والحلم وهم أرفع الناس ..احتساباً وتواضعاً وزهداً وكرماً، فلا عجب أن يحتل مكانته المرموقة في القلوب والنفوس الطيبة مما كان لفقده- يرحمه الله – أثره في نفوس الجميع وكان وداعه ليس وداع راحل الى دار الآخرة ..بل هو وقائع اعتلى فيها التاريخ صهوة المجد والمآثر.. وكان بحق زفافا للأمير علي المنشد ..ومصداق ذلك هو برقيات وبيانات الأسى والحزن من كبار رجالات الدول وشيوخ قبائل الوطن العراق وساسة العراق وقادته ومجالس الفاتحة بحقه في الكثير من الدول والمحافظات .. وهي تنعي رجلا لن يتكرر من أمثالة .
لا أغالي حينما أقول أن بفقده العراق علماً من أعلامها، وانطفأ نجم ساطع من نجومها وعزاؤنا فيه أنما من يخلفه لهو خير خلف لخير سلف .
رحم الله أبا سعد وأسكنه فسيح جناته وأنا لله وأنا إلية راجعون .