في منغوليا حيث عاش المغول واستوطنوا في المكان منذ عصور قديمة ولم يؤرخوا توارخيها سوى بالشفاه والمخيلة ثم نهض فيهم الهاجس الامبريالي فقرر احد خاناتهم ويدعى جنكيزخان بغزو العالم متجها صوب الصين اولا ، ثم انحدر بغزواته صوب مدن الاوزبك والافغان والطاجيك .
ويقال ان جنكيزخان لشده انبهاره بجمال المدن فأن ردت فعله يكون قرار احراقها ، وهذا ما فعله مع واحدة من اجمل مدن العالم حينذاك وهي مدينة سمر ــ قند ، وقد افردتُ لهذا الحرق الذي شمل البيوت وساكنيها في فصل خاص في روايتي ( جنكيزخان ــ الوردة تتكلم والعشق يكسر السيف ) .
المغول لم يعرفوا من الورد سوى ذلك الاقحوان البري الاحمر الذي ينبت في وديان منغوليا والذي لم يكن تجلب مسرة ولم تحرك في عواطف الشعراء شيئا لأن عمرها لايدوم سوى اياما قليلة ، وكان الخان وهو ينظر اليها لاتذكره سوى بأحمرار الدم فيدوسها غير مبالٍ برقتها يوم يدلف الى خيمته البيضاء التي ضُربت له وسط افواج جيوشه المتجحفلة لغزو العالم.
أول مرة وقع نظر جنكيزخان على سلة ورد ملونة لانواع شتى يوم اتاه وفد من المدينة الوزبكية المنكوبة سمر ــ قند .
نظر الخان الى سلة الورد وابتسم وقال : هل هي من ذهب ، واي صائغ صنعها بهذه الصورة .
رد شيخ من اهالي المدينة :انها ورود طبيعية صنعها الله يا مولاي ولن يستطيع أحد غيره صناعتها بهذا الجمال .
قال الخان متباهيا :إنا الله ولكني لا احب صناعة هذه الاشكال .احب فقط صناعة السيوف ، ارموها بعيدا او هاتوها لأدوسها بقدمي.ومع مرور الزمن استطاعت المدن الاخرى ترويض المغول وتبديل عاطفتهم مع الورد . ذلك عندما استطاع اهل بغداد تبديل مزاج احفاد الخان من الامراء الذين حكموا بغداد بعد هولاكو وتيمورلنك عندما جلبوا لهم الورد الجوري من بساتين الرصافة ، والقرنفل والداودي من بساتين الكرخ .ورويدا رويدا استأنس الحكام المغول ليكون الورد بعض مشاهد صباحهم بالرغم ان هواجس الحرب والدم هي التي تطغي على الحياة وطقوس العيش فيها .
استمر الامر مع بني عثمان ، ومع الفرس ايضا ، وربما الانكليز وحدهم من اعتنوا بطقوس الورد في حفلات قناصلهم ولم يتحدث التاريخ الشرقي خلال حكم الترك والفرس انهم كانوا يتقبلون سلال الورد في اي من مناسباتهم الوطنية والاجتماعية .كانوا يريدون دوما هدايا الذهب والجواهر. وبقيَّ الورد في جماليته ومودته حصرا على ذائقة الناس والفقراء وقصائد الشعراء.وحتى في زمن الملكية كان حضوره الورد في البروكولات الرسمية قليلا ، ولم يتحدث الارشيف العراقي عن اي نثرية لشراء سلة ورد حتى تلك الاكاليل التي كانت تقدم للملك في مغادرته او عودته للبلاد او استقباله ضيوفه من رؤوساء وملوك البلدان الاخرى .الغريب أن نثرية الورد في السجلات الحكومية ظهرت بعد العهد الجمهوري الرابع في العراق والذي ابتدأ عام 1968 إذا ظهر الورد وباقاته الكبيرة في الاجتماعات الرسمية والحزبية والمتاسبات الوطنية وكان في بادئ الاحمر يٌجلب من مشاتل أمانة العاصمة في حدائق الزوراء ثم تطور الامر بعد تطور تقينية تهيئة الاكاليل وتزينها فوق مصاطب الاجتماعات فشكلت لجان حاصه في ديوان الرئاسة ــ التشريفات من اجل الاعتناء بهذا الامر وشراء الورد بوصولات رسمية وتدفع ضمن موازنة الحكومة.
الأمر تطور بجنون بعد 2003 فصارت امكنة الاجتماعات عبارة عن حديقة هائلة .والغريب ان حضور الورد لم يكن مغيرا لطبيعة المجتمعين فقد كانت مجمل الاجتماعات في ظل تطورات بلد تهدمت بنيته التحية وتسير على ارصفة شوارعه الدبابات ويتعرض لهجمات الارهابي الزرقاوي . وحتى الحكومات المحلية اصبحت تزين طاولة اجتماعاتها بسلال وباقات ورد يصل اسعارها في بعض المرات في الاجتماع الواحد الى مليون دينار ، والمحصلة ان تلك الحكومات لم تقدم لمواطنيها ما يوازي عاطفة الورد وجماله ، ففي خارج قاعة الاجتماع كل ارصفة الشوارع متكسرة…
وهكذا لم يستطع الورد ان يفعل شيئا على المستوى الرسمي منذ عهد جنكيزخان الى عهد بول بريمر . لاشيء يفعله ذلك الكائن المسكين المعطر والملون سوى انه يبتسم لكاميرات المصوريين .وفي اليوم الثاني نراه صورة بالاسود والابيض على صفحات الجرائد ..