من الذاكره
يوم بكيت على العراق ( المركز الأجتماعي في بغداد الجديده )
عند خمسينات القرن الماضي وابان الحكم الملكي حصل المرحوم شقيقي الأكبر على دار سكنيه في بغداد الجديده من ضمن الدور التي تم توزيعها على الموظفين من ذوي الدخل المحدود والذين لا يمتلكون دارأ سكنيه وكانت اسعار تلك الدور زهيده ومناسبه جدأ وبأقساط مريحه تستقطع من رواتبهم شهريأ , وقد تم توزيعها مستكمله كافة بناها التحتيه من ماء وكهرباء وشوارع مبلطه مع كافة المرفقات الضروريه ومنها ابنية المركز الأجتماعي , وللأمانه نقول ان كافة المواطنين الذين استلموا هذه الدور كانوا من ذوي الدخل المحدود كما اسلفنا ولم يكن من بينهم من كان غنيأ او من ذوي الدخول المرتفعه واحتال على الدوله للحصول على واحده من هذه الدور ( ورحم الله الجميع ) .

تل حرمل ( شادوبوم )

تقع هذه الدور عند مدخل بغداد الجديده التي يبدأ منها الأن الجسر الذي يربط بغداد الجديده بمنطقة الدوره والسيديه وانتهاءأ بحي المواصلات , وعند انتقالنا للسكن في احد هذه الدورصادف ان كان هذا الدار يطل على موقع تل حرمل الأثري الذي لم يكن يفصل دارنا عن هذا الموقع سوى فضاء مفتوح بحيث كنا نشاهد هذه الأطلال من خلال الحديقه الخلفيه الصغيره كما كنا نشاهد وعلى مدار السنه الوفود الأجنبيه الذين كانوا يقومون بزيارة هذه الأثار لأغراض سياحيه او بحثيه و الجدير بالذكر ان تسمية هذه الأثار بتل حرمل هي تسميه حديثه والأسم الحقيقي لها هو ( شادوبوم ) ومعناه ديوان الحساب او بيت المال والذي يشير الى اهمية هذا الموقع كمركز اداري ومالي في مملكة اشنونه وان اقدم استيطان سكني كان في عهد الأمبراطوريه الأكديه وعهد سلالة اور الثالثه ( 3250 – 2115 ق.م ) وعظم شان مدينة شادوبوم في منتصف العصر البابلي القديم قبل حوالي ( 1800 ق . م ) كما تم العثور على مجموعة من المباني المشيده باللبن والطين ومن بينها ستة معابد من ضمنها معبد كبير بني على طراز المعابد البابليه الجنوبيه وكان على جانبي المعبد تمثالين لأسدين مصنوعين من الفخار .

من الأكتشافات المهمه في هذا الموقع هو العثور على رقم طينيه تشرح قضايا رياضيه ومعادلات جبريه وهندسيه وفي احداها شرح لحالة هندسيه من تشابه مثلثات قائمة الزوايا وكانت هذه النظريه تنسب الى العالم اليوناني اقليدس الذي ولد بعد ( 17 ) قرنأ من بداية العصر البابلي القديم , كما تم العثور على رقم طينيه تحتوي على جداول رياضيه مطوله في الضرب ورفع الأعداد وايجاد جذورها من القوى المختلفه وجداول اخرى لمعكوس الأعداد الرياضيه لأجراء القسمه ومسائل اخرى تم حلها بطريقة اللوغاريتمات وكل هذا تم قبل ( 1800 ق.م ) . بالأضافه الى الرقم الطينيه التي تتحدث عن الرياضيات , فقد تم اكتشاف رقم اخرى تحتوي على قضايا ادبيه واخرى تثبت اسماء جغرافيه كما تضمن القسم الأخر منها على عقود وصكوك تجاريه ومقاولات وعقود تبن وقضايا ارث ورسائل رسميه من ملوك مملكة اشنونه وسجلات جمع الضرائب والواردات والأموال الرسميه واجور العمال , كل هذا يثبت ان هذا المبنى الذي عثر فيه على اكثر من الفي لوح طيني كان مركزأ مهمأ لأيداع السجلات الرسميه للمملكه وبمثابة خزانه للكتب الرسميه.

هنا يجب ان نشير الى ان الفخر في هذه الأكتشافات يعود الى عالم الأثار الجليل المرحوم طه باقر الذي بذل جهدأ كبيرأ في اكتشاف الرقم الطينيه بالأضافه الى فريق من جامعة بغداد والمعهد الأثري الألماني بقيادة بيتر مكلوس .

ان مجرد الأطلاع على محتويات هذه الرقم الطينيه من علوم الرياضيات والمحاسبه والقوانين الأجتماعيه وعلوم الفلك وغيرها في هذا الموقع وكافة المواقع الأثريه الأخرى يجعلنا ان نناشد وزارة التربيه العراقيه بالتركيز على حضارات وادي الرافدين في مناهجها الدراسيه وذلك بأدراج فصولأ وافيه وشرحأ مفصلأ في المناهج التعليميه للمراحل الأبتدائيه والمتوسطه والثانويه بدلأ من التركيز على تواريخ الأقوام الأخرى ولكي يطلع العراقيون منذ نعومة اضفارهم على حضاراتهم التي قدمت للأنسانيه ما لم تقدمه اي حضاره اخرى في التاريخ , كما يجب ان يتم ادراج مناهج صفيه تتضمن قيام الطلبه بزيارات ميدانيه الى هذه المواقع والمتاحف لتتم الأستفاده عمليأ بهذه المعلومات القيمه, كما لا ننسى ان نناشد مديرية الأثار العامه وكافة المؤسسات الأخرى بضرورة الأهتمام بهذا المعلم الأثاري والمعالم الأخرى في كافة انحاء العراق لاسيما و ان يد التخريب و الأهمال و السرقة قد طالت الكثير من المواقع الأثاريه .

منطقة الألف دار والشطيط وسينما البيضاء

نعود الى الدور السكنيه المحاذيه لتل حرمل والتي سكنا احداها ففي الجهه المقابله لهذه الدور وكما نقول ( عبر الشارع ) كانت هناك مجموعه اخرى من الدور المشيده تسمى بالألف دار والتي بنيت في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم ووزعت على العسكريين من نواب الضباط والمراتب .

ومن المعالم السيئه والمضره في بغداد الجديده نهريسمى ( الشطيط ) وهو مبزل كبير لتصريف المياه الثقيله ( القذره ) من بغداد الى نهر ديالى ويبدأهذا المبزل من منطقة مدينة الثوره مخترقأ منطقة ملعب الشعب مارأ بمزارع حي المثنى ( زيونه )ووصولأ الى منطقة بغداد الجديده قرب سينما البيضاء الموجوده منذ خمسينات القرن الماضي ثم يصب في نهر ديالى ملوثأ كافة الأماكن التي كان يمر بها وقد تم طمره والتخلص من شروره بعد ان ارتحل المواطنون الذين سكنوا بقربه الى اماكن اخرى .

المركز الأجتماعي في بغداد الجديده

عند تشييد الدور السكنيه في هذه المنطقه فقد تم بناء بعض المرفقات لهذه الدور سميت بأبنية المركز الأجتماعي والتي كانت تتكون من مركز صحي وروضة اطفال ومركز شرطه وقاعه لأستلام اجور الماء والكهرباء وجامع ولا تحضرني الذاكره عن تواريخ تشييد هذه المرفقات وهل تم بناءها في نفس الوقت ام تم بناءها تباعأ . بقى هذا المركز ماثلأ في ذاكرتي بالرغم من مرور مده طويله على انتقال سكنانا من هذه المنطقه مما جعلني اتسائل لماذا تبقى بعض الأماكن في ذاكرة الأنسان بالرغم من ابتعاده عنها وانتفاء حاجته اليها وهكذا بقيت صورة ابنيته تطوف في ذاكرتي بين فتره واخرى مستذكرأ النسوة العراقيات الفقيرات بعباءتهن السوداء وهن يفترشن الأرض مع اطفالهن صباح كل يوم امام بناية المركز الصحي بأنتظار الحصول على بعض الأدويه وذلك بشراءه بثمن بخس من بعض المواطنين الذين يراجعون المركز ثم يقمن ببيع هذه الأدويه بسعر اعلى نسبيأ من ثمن الشراء ما يوفر لهن ربحأ بسيطأ يمكنهن من شراء بعض الأغذيه والأحتياجات الأخرى لعوائلهن الفقيره المسكينه .

عندما قدمت الى كندا كان من الضروري الأشتراك في احد المراكز الأجتماعيه القريبه من سكنانا , وفعلأ ذهبت الى اقرب مركز وطلبت الأشتراك حسب السياقات والشروط المتبعه في هذا البلد فقابلتني الموظفه وكانت سيدة كنديه في اواسط العمر وقدمت لها الوثائق المطلوبه , وبعد ان علمت انني ازور مركزأ اجتماعيأ في كندا لأول مره قامت بتقديم شرح مفصل عن مكونات المركز والخدمات التي يقدمها من المكتبه التي تحتوي على الكتب والمجلات والصحف واخر النشريات الى تسجيلات الأفلام بأختلاف انواعها من سينمائيه و تأريخيه وتعليميه وعلميه بالأضافه الى تسجيلات الأغاني والموسيقى سواء كانت حديثه ام كلاسيكيه وقد استرعى انتباهي وجود مكان خاص للأطفال في هذه المكتبه يحتوي على كراسي صغيره لجلوسهم مع وجود رسوم وكتب توجيهيه مصوره بألوان زاهيه , كما تتوفر في هذا المركز عدد من الحاسبات الألكترونيه بالأضافه لوجود حوضي سباحه داخليين الكبير منهما للبالغين والصغير للأطفال ويخدم المشتركين صيفأ وشتاء , كما توجد في هذا المركز قاعه كبيره للألعاب والمسابقات الرياضيه وعدة قاعات للياقه البدنيه والأجتماعات والمناسبات بالأضافه الى كافتيريا ملحقه بها مناضد وكراسي للجلوس , وهناك فضاءات داخل بناية المركز وخارجها توجد فيها مناضد وكراسي لجلوس المراجعين ,وقد علمت بأن خدمات هذا المركز تقدم لجميع ساكني كندا سواء كانوا من حملة الجنسيه الكنديه او من القادمين الجدد , ان ما شاهدته في هذا المركز جعلني انبهر بهذا المبنى الجميل والنظيف وبعمل منتسبيه ودقتهم وبالخدمات التي يقدمها للمواطنين .

اعلمتني الموظفه بأن المعاملة ستنجز خلال نصف ساعه وطلبت مني الأنتظار والجلوس على احد المقاعد المريحه , وفعلأ بعد مضي هذه المده استدعتني وسلمت لي كارت عضويتي في المركز والذي يبيح لي ايضأ الحصول على كافة خدمات المراكز الأجتماعيه الأخرى التابعه لتلك المدينه .

شكرت الموظفة وخرجت من المبنى وانا في طريقي وجدت مصاطب في الحديقه الخارجيه للمركز , جلست على احداها واغلقت عيني وتذكرت موقع تل حرمل ( شادوبوم ) والمركز الأجتماعي في بغداد الجديده بأبنيته البسيطه وناسه الطيبين , كما تذكرت النساء العراقيات وهن جالسات على الأرض مع اطفالهن امام المركز الصحي .

فبكيت ….. وبكيت