الجزء الأول
من يعرف الاسباب يعرف الاحتمالات . المؤامرة على العراق أكبر واضخم مؤامرة في تاريخ العالم برنامج يتكوّن من عدة صفحات مدروس بعناية ودقة فائقة ومظمون من ناحية التأثير والنتائج , تستخدم فيه أغرب وأحدث الاساليب الاجرامية العجيبة ذات التأثير العالي في التدمير والتخريب , يقابله عدم الاكتراث والرد العالمي والانساني المطلوب للأستنكار الموازي له في الحجم والتأثير . من المعروف والمعلوم ان استخدام سلاح ذو فعالية عالية أستثنائية في التأثير يدخل في حالة الرفض العالمي والاستنكار الانساني وبالتالي ينعكس سلباً على من يستخدمه مثل ما فعلت اميركا بضربها اليابان بالقنابل الذرية . لايمكن ان ينسى العالم ذلك الفعل الاجرامي واستخدامها القوة المفرطة التي خلفت تدمير كبير في البنية التحتية والابادة السكانية والتأثير الصحي والنفسي والاقتصادي الذي لا مبرر له حتى وأن كانت في حالة حرب , ماذنب السكّان المدنيين واستخدامهم كوسيلة ضغط على حكومتهم للأسراع بأنهاء الحرب . لهذا الحال صدى عالمي رافض واسع وكبير . على اساسه استنبطت القوى الاستعمارية برنامج بأساليب خبيثة ذا تأثير بطيء غير مرئي بناتجه المستقبلي الكارثي المهول المخيف الذي يفوق بتأثيره القنابل الذرية التي القيت على اليابان , ويفوق بتأثيره الاسلحة الكيميائية والبايولوجية التي استخدمت ضد فيتنام وكوريا وكوبا من قبل اميركا وفرنسا , وغيرها من البلدان التي تعرضت للعدوانية الاستعمارية . العراق مثلا لذلك .
في الساعة الثانية فجراً من يوم 2 آب أغسطس 1990 م دخلت القوات العراقية الى الكويت بسطت سيطرتها خلال اليومين الاولين , كانت الدوافع والاسباب التي ادت الى هذا عديدة . ذاتية وموضوعية مصدرها الاساس دولة الكويت ومواقفها السلبية المدعومة من اميركا وبتحريض منها والقصور في حكمة الاطراف صاحبة الشأن العراقي والكويتي . أثناء وبعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية كانت لحكومة الكويت مواقف سلبية تجاه العراق , في قمة بغداد 26 مايس 1990 المنعقد حول التهديدات الاميركية الاسرائيلية للعراق حذر العراق الكويت وفي خطاب للرئيس صدام حسين بمناسبة ذكرى 17تموز 1990 قائلاً ” قطع الاعناق ولا قطع الارزاق ” في اشارة لتجاوز الكويت على آبار النفط العراقية وطرح الكويت كميات كبيرة من النفط الخام في السوق العالمية متجاوزين حصتهم المقررة وعدم استجابتهم لطلب العراق بتقليص انتاجه مما ادى الى انخفاض سعره واضر بالعراق . وايضاً موقف حكومة الكويت السلبي المتهكم على العراق من دعوة الشيخ زايد رئيس دولة الأمارات العربية لدول مجلس التعاون بتقديم دعم مالي للعراق وقيامها بألغاء كافة الديون التي بذمة العراق للدول الخليجية لكنه لم يفلح في اقناع دول الخليج بالموافقة وخاصة حكومة الكويت قالوا ” تخلصنا من الابتزاز الايراني واستبدلناه بالابتزاز العراقي ” يؤسس ذلك الشعور بالمهانة وعدم رد الجميل للعراق بدفاعه عن الدول العربية عامة والخليجية خاصة في هذا الموضوع , ورد الفضل في موضوع الاعتراف العراقي وخاصة ” البعثين ” بالكويت كدولة مستقلة . طالب عبد الكريم قاسم بضم الكويت عام 1961 بعد ان اعلنت استقلالها من بريطانيا بأقل من اسبوع ولم تنتهي الازمة الا بمقتل عبد الكريم قاسم سنة 1963 على يد البعثيين . أعترف العراق بالكويت بعد زيارة صباح السالم الصباح ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الكويتي بتاريخ 10 / 4 / 1963 لأجراء مفاوضات مع ” أحمد حسن البكر ” رئيس وزراء العراق , صدر بيان مشترك تم الاعتراف فيه بالكويت ( ذاكرين فيه الحدود المبينة بكتاب رئيس الوزراء العراقي بتاريخ 12 / 7 / 1932 والذي وافق عليه حاكم الكويت بكتابه المؤرخ في 10 / 8 / 1932 ) . لكن الكويت كانت تثير مشكلة الحدود وبأستمرار كلما مر العراق بظرف صعب . والجانب الموضوعي في هذا الموضوع أن الكويت كان قضاء تابع للبصرة كان ذلك بعد حصول عبد الله بن صباح على لقب قائم مقام بعد قيامه بمساندة الدولة العثمانية في السيطرة على اقليم ” الأحساء ” عند قيادته لخمسمائة سفينة بالاضافة الى تشكيله جيش بري بقيادة أخيه ” مبارك الصباح ” كُرِمَ من قِبَلِهم بمنحه لقب قائم مقام وتعينه في منطقته الكويت التابعة للبصرة ولحد قبل الانتداب البريطاني . تجدر الاشارة ان المطالبة العراقية بالكويت موضوع قديم وكان بدرجات متفاوتة ومن دعاة مختلفين متباعدين بدءاً بالملك غازي وتوفيق السويدي من سنة 1938 م ومروراً بنوري السعيد سنة 1958 م وعبد الكريم قاسم 1961 م وأنتهاءً بصدام حسين . وأساس هذه المطالبة تاريخي يقوم على أن الكويت كانت جزئ من محافظة البصرة خلال الحكم العثماني في بداية القرن العشرين , والثابت أن كل العراقيين قديماً وحديثاً مقتنعين بهذا الامر . ذلك كانت القضية الكويتية بمثابة الفخ الذي أُدخِل العراق فيه اشبه بالجحر الضيق الذي يصعب الخروج منه وبوابة جحيم مستعر للجميع العراق وغيره من الدول بما فيها أميركا وحلفائها ويصح تشبيه موقف العراق وما قام به صدام من اجتياحه الكويت ” عليّ وعلى أعدائي ” تجدر الاشارة الى انه لم يحضى اجتياح الكويت بحماس وقبول غالبية العراقين وقواتهم المسلحة لأدراكهم خطورة هذه المسألة والمعاناة الصعبة والمريرة لما قدموه من تضحيات في الحرب الايرانية العراقية التي دامت ثمان سنوات وادراكهم بأن الوقت غير مناسب لأتخاذ مثل هذه الخطوة في هذا الوقت . الموقف العام المضاد للعراق في هذا ألأمر كان لا حباً بالكويت أو نكاية بصدام حسين بل بغضاً وحقداً على العراق والعراقيين .