18 ديسمبر، 2024 8:48 م

يوم الصحافة الآشورية

يوم الصحافة الآشورية

في الأول من تشرين الثاني صادف يوم الصحافة الآشورية ـ السريانية بمرور 168 عاماً على صدور أول صحيفة آشورية جامعة عام 1849 بمدينة أورميا في إيران. وتيمناً بهذه المناسبة التي تم تخليدها في أوساطنا الإعلامية ومنتدياتنا الأدبية والثقافية والتعليمية، إرتأينا أن نلقي نظرة إجمالية على بوادر تلك الشخصيات الآشورية التي ساهمت بجد وإخلاص على إحياء مسار العمل الصحفي في العديد من الدول رغم الإشكالات والصعوبات التي لازمتهم بسبب الأحداث التاريخية المشينة التي ألمّت بالآشوريين منذ العهد العثماني، وقبل ذلك أيضاً ولحد يومنا الحالي في تركيا والعراق وسوريا من حالات الكبت والحرمان بتقييد الحريات وعلى وفق خاص شعوب المناطق الأصلية بما تشهد له بواطن الأرض التي تم ردمها وإخفائها، وبما سجلته طروس التاريخ على مدى الزمن عن تلك الأفعال والإنتهاكات التي يندى لها الجبين، وبالتالي حتمت على أغلب الذين اقتفوا دروبهم النضالية بجرأة وشهامة أن يلعنوا الواقع المتردي لفقدان الأمن والإستقرار، ويقدموا على إحتضان دول الشتات متفرقين في جهات مختلفة من عالم اليوم. منهم من لقي حتفه لمواقفه الفكرية، ومنهم من نجا ليواصل مسيرته الصحفية في مناطق سكناهم وفي دول الإغتراب. وعلى أثر أوزار الحربين الكونيتين وما خلفته من مشاق وتشريد في حكاري وطورعابدين وماردين والرها ألزمتهم ظروفهم القاسية أن يستقروا في العديد من القرى والمدن والدول التي استقبلتهم لدورهم في معترك الحياة والتحالف الذي تميزوا به، رغم الوعود الكاذبة التي خيبت آمالهم.
من جراء ذلك الإنتشار والإستقرار ـ نوعاً ما ـ تنفس الآشوريون الصعداء ليعيدوا أصالة ما نشأوا وتربوا عليه من عادات وتقاليد في المجال الاجتماعي والثقافي والتعليمي على ضوء إهتمام إرساليات الحركات التبشيرية التي قدمت بدورها يد العون بالدعم المادي والمعنوي ليتسلح البعض بالفكر المعرفي في داخل مواطنهم وخارجها. عندئذ وجد صفوة منهم بأن المنبر الصحفي هو الوسيلة التي يصل صدى ذلك المنبر أينما يتواجد أبناء شعبنا الآشوري المشتت والمشرد، وفي الوقت ذاته من نشر ما يشعر به من ذوي الأقلام الرصينة بأفكارهم الثمينة الدفينة، إضافة لما يتطلبه العمل الصحفي من أخبار ومعلومات أخرى، فأقدم العديد من شهداء الصحافة الأحياء آنذاك، على إنشاء وتأسيس صحفهم ومجلاتهم ودورياتهم في إيران وتركيا وسوريا والعراق ولبنان والمهجر أيضاً. علماً بأن البدايات قد نحت المنحى الديني واللاهوتي لأسباب أملتها الحركات التبشيرية المتنوعة الأهداف والمقاصد في أبعادها الخاصة بكل مجموعة تحت غطاء التنوير المذهبي بنثر بذور الفرقة لتحقيق مطامحهم ومطامعهم التي قوضت صفوف أبناء جلدتنا من مبدأ كلمة الوحدة بالشعب المُوحد. وعلى أثر بزوغ اليقظة الفكرية التي عمّت الشعوب المضطهدة ووعيها بشعور الإنتماء القومي أقدم العديد من الواعين والمدركين لما حلّ بهم على تغيير مدار البوصلة عكس ما ألفوه بكشف النوايا المبيتة.
ومن هذه الإعتبارات الملموسة، كان أول من تسنم مسرح الشهادة بعمد وإصرار وتحد رغم كل ما تخفيه النتائج المجهولة هو الصحفي يوخنا موشي وشموئيل بادل بتأسيس أول صحيفة آشورية توّجت بعنوان زهريرا دبهرا أي شعاع النور بمنطقة أورميا الإيرانية، وذلك في الأول من تشرين الثاني عام 1849 التي صدر منها 69 عدداً لحد عام 1914، كصحيفة شهرية ومن ثم نصف شهرية. كما وإن الكثافة السكانية للآشوريين المهجرين آنذاك كان قد بلغ عددهم الإجمالي ما يقارب 74 ألف آشوري وفق ما تشير إليه الوثائق والإحصائيات الرسمية الروسية. مثلما إحتضنت روسيا في قراها ومدنها ما لا يحصى من الآشوريين
وبخصوص هذه الصحيفة التي كانت تصدر باللغة الآشورية وبحروف الخط الشرقي كتب الدكتور قسطنطين ماتييف (بار متي) المتخصص بالشأن الآشوري في مؤلفاته وبحوثه التاريخية ما يلي:
( لعب ظهور صحيفة أشعة النور دوراً كبيراً في إنشاء الأدب الآثوري المعاصر، وفي تعريفه لأوسع القراء، وكانت تهتم في فتراتها الأولى بقضايا التاريخ القديم للآثوريين، ثم إحتلت دراسة العلاقات التاريخية بين الشعب الآثوري والشعوب المجاورة مكاناً هاماً فيها. وفي بداية القرن العشرين إحتلت المقالات عن حرب الخير والشر ونضال الفقراء ضد الأغنياء مكاناً مرموقاً في المجلة). نقلاً عن الترجمة العربية من الروسية للمترجم إسامة نعمان لكتاب تاريخ الآثوريين ص 33.
ومن الجدير ذكره بأنه منذ عام 1849 وعلى توالي السنين لحد عام 1915 صدرت عدة صحف منها: صوت الحق أي قالا دشرارا (1897ـ1915) لمحررها الأب سلمون، وصحيفة رسائل من آشوريا أي اكرياتا من آشور باللغة الإنكليزية (1887ـ1915)، وصحيفة اورميا الأرثوذكسية (1904ـ1915) لمحررها شليمون دسالامس، وصحيفة الكوكب أي كَوِخْوا (1906ـ1914) ليوخنا موشي، وأفكار المشرق أي خوشاوِه دمدنخا (1913ـ ؟) لمحررها بنيامين أرسانيس وغيرها إلى أن أصدر الأديب أدي ألخص ومن ثم جان ألخص ونمرود سيمونو المجلة الشهيرة “كلكامش” (1952ـ1959) ومجلة المستقبل المُشرق أي دعتيد بهرانا (1951ـ ؟ ) لمحررها الخطاط عيسى بنيامين، ومن ثم توالي الإصدارات المتنوعة تبنتها اللجنة الأدبية في أيران برفدها المكتبة الآشورية بتراث ثري من خيرة الأدباء واللغويين.
من جراء هذه المعلومات التي نوردها وفق مصادرنا المختلفة، يبدو لنا إن النهضة الصحافية كانت بواكيرها في منطقة أورميا، ليمتد بريقها وشعاع نورها فيما بعد في تركيا وبشكل خاص في منطقة خربوط التي باشر فيها عدد من ذوي الباع الطويل في المجال اللغوي والشعور القومي ومنهم القس بولص صموئيل بتحرير صحيفة الحياة عام 1910، ونعوم فائق بإصداره 13 عدداً من صحيفة كوكب الشرق عام 1910ـ1912، ومن ثم هجرته إلى أمريكا عام 1912 بدافع تردي الأوضاع ليواصل نشاطه الصحفي بحرية تامة بإصدار عدة صحف منها “ما بين النهرين، وصحيفة الإتحاد، وبشار حلمي بوراجي بإصدار صحيفة شيبورا أو البوق 1913 ـ 1914، والمطران عبد النور بإصدار صحيفة كوكب السريان أي كوكبا دسوريايِه 1910 وغيرها من الصحف التي لا يمكن حصرها. حيث إننا إستثنينا هنا الشهيد آشور يوسف دخربوط بإعتباره شيخ الصحافة الآشورية بإصداره صحيفته الموسومة ” مرشد الآثوريين ” أي مهديانا دآثورايِه بإعتبارها أول صحيفة قومية بالآشورية الغربية والعربية بخطه لينال شرف الشهادة عام 1915 من السلطات التركية الغاشمة لمواقفه القومية الصريحة، وتلاه الصحفي بشار حلمي على يد الحكومة التركية أيضاً، مثلما نال شرف الشهادة المناضل الدكتور فريدون أوراهم أتورايا عام 1925 محرر صحيفة الناقوس أي ناقوشا التي أصدرها عام 1917 في تفليس وهو في السادسة والعشرين من العمر، حيث أفنى زهرة شبابه في الدفاع عن حقوق الآشوريين بإقامة دولتهم، ليتم إعدامه وهو في الرابعة والثلاثين من عمره على أثر التهم الملفقة ضده لمواقفة الصريحة. وقبل ذلك في العام 1914 كان قد أصدر القس كيفاركيس صحيفة مدنخا أي الشرق. وفي عام 1925 لحد عام 1938 صدرت في تيفلس صحيفة “كوكب الشرق” أي كوخوا دمدنخا لمحرريها تمرس وصاموئيل لازار ومؤسسها شليمون آشور.
إن سلسلة هذه الإنجازات الصحفية لم تنفرط حلقاتها، بقيت متلاحمة ومتواصلة في بلدان الشرق والغرب ولكثرتها لا نستطيع من حصرها في صُلب موضوعنا العابر لكثرتها المدونة في العديد من المصادر المُؤرشفة هنا وهناك. ولكن من الواجب علينا على أقل ما يُمكن أن نشير إلى البعض منها التي تولت مكانة القدح المُعلى ومنها في أمريكا على سبيل المثال لا الحصر صحيفة بين النهرين لنعوم فائق عام 1916، وأشور الجديدة أي آشور خدتا والسفير الآشوري ايزكدا اتورايا لمحررها يوئيل وردا منذ عام 1914 لتتبعها فيما بعد عشرات الصحف، وكذلك في لبنان ومنها ما أصدره المناضل يوسف مالك عام 1938 ـ 1935 بأربع لغات تحت عنوان ” أثرا” أي الوطن، ومن ثم جريدته السياسية الإسبوعية بعنوان ” الحياة” إلى أن أسلم روحه الطاهرة لخالقها يوم 26 حزيران 1959 في ديار الغربة بعيداً عن الوطن الأم الذي كان قد تولى فيه مراكز حساسة قبل هجرته. ومجلة نصيبين للكاتب لوقا زودو الذي أودت به المنية في أمريكا. وقبلها صحيفة خويادا اومتانايا أي الإتحاد القومي لمؤسسها مالك قمبر عام 1920، ولسان الأمة أي ليشانا داومتا عام 1927 ـ 1946 لمؤسسها ومحررها إبراهيم حقويردي بإصداره لمائة عدد منها. وصحيفة الإتحاد الأشوري عام 1936 لمؤسسها القس منصور قرياقوس والدكتور فيكتور يونان. وما تبعها من صحف ومجلات أخرى بعد الستينيات معنونة ببابل، الحرية، النشرة، الرابطة وغيرها.
هذه الإشارة السريعة لا تثنينا من ذكر تلك الصحف التي صدرت في سوريا والعراق وبلدان المهجر التي ننتقي منها نماذج محددة لقدمها وعراقتها وأولها المجلة البطريركية عام 1933 ، والنشرة السريانية 1944ـ1949 لمحررها يوحنا القس أي قاشيشو التي سلسلها بنشرة أدب الطلبة في حلب ومن ثم في القامشلي صباحاً طيباً والمدرسة أي مدرشتا منذ عام 1946 لغاية 1949. وفي العراق صدرت بعض الصحف والمجلات التي تمت بصلة مباشرة للفكر القومي والمقوم اللغوي رغم أن محرريها من المسيحيين ومنها “مدنخا” أي المشرق عام 1947 مديرها وصاحبها الراهب بولس بهنام، ولكن أولى المجلات التي التزمت بالطابع الأدبي والقومي كانت مجلة “بنقيتا” أي المجلد أو الدفتر أو الكراس عام 1951 لمحررها يوخنا دانيال دباز ، ونروا أي العصب للقس أيشو مزرعايا و”قالا من مدنخا” أي صوت من الشرق لمحررها كاكو لازار، ومن ثم توالت مجلات أخرى بعد منح الحقوق الثقافية في منتصف السبعينيات كالمثقف الآثوري وقالا سوريايا وبين النهرين والإتحاد وغيرها التي صدرت ولا زالت تصدر في شمال العراق وفي بغداد الأكثرها شهرة جريدة بهرا عن الحركة الديمقراكية الآشورية. ناهيك عن العديد من المجلات الصادرة باسم المؤسسات الدينية والحزبية. وعلينا في نهاية المطاف أن نستذكر المجلات التي صدرت في ديار المهجر من البلدان الأوربية كفرنسا وهولندا والسويد والدنمرك وألمانيا وأستراليا والنمسا وبريطانيا والهند وغيرها وعلى الأخص في الأرجنتين للملفان القدير فريد إلياس نزها بإصداره مجلة ” الجامعة السريانية” باسم خدانايوتا سوريايتا عام 1934 ـ 1961 ومن ثم مجلة “ملفانا” أي الأستاذ.
وفي خاتمة المطاف من هذه الرحلة الصحفية الممتعة نستميح القارئ عذراً بأننا لم نتوسع أكثر مما عرضناه لسعة هذه المادة الإعلامية وتفرعاتها، رغم المعلومات التي نمتلكها في هذا الحقل الصحفي الهام الذي تشبثتُ به منذ منتصف الستينات في الصحافة العراقية والآشورية في العراق وإستمراريته في ديار المهجر وعلى وفق متميز في السويد من خلال مجلة حويودو الشهرية أي الإتحاد الصادرة عن إتحاد الأندية الآشورية بتولي مسؤولية القسم الآشوري الشرقي والقسم العربي لحين تسنمي رئاسة تحريرها لثلاث سنوات متتالية، بعد أن تم إصدارها باللغة السويدية فقط.
ولهذه المناسبة بيوم عيد الصحافة الآشورية لا يسعني إلا أن أهنئ كل من انتقى مهنة وحرفة البحث عن المتاعب المتمثلة بالعمل الصحفي لإسعاد القراء أينما كانوا، بالرغم من أن اليوم طغت على الصحافة الورقية بمغزاها المألوف بالجريدة اليومية والإسبوعية أو المجلة والنشرات الدورية، تلك الصحافة المرئية والسمعية الإنترنيتية بالعديد من أبوابها المتمثلة بمحطات وقنوات وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الألكترونية الخاصة التي أصبحت البديل المباشر للصحافة الورقية المتعارف عليها منذ أقدم العصور، حيث كانت تعرف بمرآة المجتمع. وبذات الوقت قلصت من فاعلية المطابع على إصدار أمهات الكتب والمؤلفات الهامة لتجدها على مواقع الشبكة العنكبوتية في متناول اليد مجاناً، مؤكدة المفارقة الزمنية بعدة مقاييس مشابهة لفترات تاريخ التشكيل الإذاعي والتلفزي في العالم الغربي والشرقي قبل التطور التقني الحديث.
وفي الختام دعونا أن نشيد ونمجد ذكرى أولئك الجهابذة الذين ميزوا الجيد من الردئ، الصالح من الطالح والأهم من المهم بتلك أفكارهم النيرة واضطلاعهم بما يجدي المجتمع من خلال رسالتهم الصحفية بإنارتهم الطريق أمام أجيال المستقبل ممن حذا حذوهم واقتفى أثرهم بمرور الزمن لإحياء تراثنا الصحفي. وفي الوقت ذاته حبذا لو سعت منابرنا التثقيفية ومنتدياتنا الأدبية أن ترصد في مراكزها أراشيف خاصة بمصادر إعلامنا من الصحف والمجلات والنشرات إعتزازاً بها. كما وإن الأهم من ذلك أن لا يبخلوا الذين بحوزتهم أعداداً من هذا التراث بإهدائها لتلك المؤسسات الخاصة بنا، أو استنساخها لحفظها من التلف، ولتكون مرجعاً لمن ينوي البحث عن الموضوعات التي مضى عليها عقوداً من الزمن.