18 ديسمبر، 2024 9:37 م

يوم الحب في العراق

يوم الحب في العراق

هاقد انقضى يوم الحب منذ يومين في العراق، وقطعا لم تكن هذه التسمية اعتباطا، فالحب شعور سامٍ بنيت على أساسه العلاقات الإنسانية كلها، وهو ركن من أركان حياتنا الأساسية، لايمكن الاستغناء عنه في كل الأزمان والأمكنة، وفي كل الظروف ولكل أبناء آدم فيما بينهم. إذ هو يبدأ من لحظة خروجنا الى الدنيا من أرحام أمهاتنا، ومن أول شهقة هواء تدخل رئاتنا، وتبادلناه مع أول حضن احتوانا، واعتمدناه مع كل من صادفونا في محطات حياتنا، وما فتئنا نعتاش عليه في مراحل عمرنا، وكم من أجيال رحلت وهو باقٍ، ودول دالت وأخرى اندرست وهو باقٍ.
ونحن في عراقنا الذي يشغل حيزا مساحته (437,072) كيلومترا مربعا من أصل(510,066,000 كم مربع) برًا وبحرًا نعوم في الكون اللامتناهي، غارقين جميعنا بجملة مشاعر وأحاسيس، مخيرين بين الحب والكره،علي علي والود والبغض، والطمأنينة والظغينة، والسلام والحرب، والانسجام والتنافر، والوئام والعداء، فأيها نختار؟.
قطعا كل من آمن بالحب أمامه مساحة واسعة يترجم بكل شبر فيها ماآمن به، وأول شبر هو ماتحت قدميه، وما تطأه أقدامنا نحن العراقيين أرض تستحق منا كل الحب والولاء، وكيف لا! وهي أم الارض، هي مهد الحضارات، هي مهبط الأنبياء، هي مرقد الأولياء والأوصياء، هي منبع العلوم والفنون والآداب، هي أرض الرافدين والبيت الكبير الذي يضمنا جميعا، أوليس حريا بنا ان نوليه اهتمامنا! وهو الذي يجود لنا بخيراته. كم يكون الجواب محزنا لو استطلعنا عن عدد العراقيين الذين يعرفون في أي يوم يصادف عيد الحب ؟ ولِمَ لم يعرفه الباقون؟ ومن المسبب في ذلك؟ وكيف حصل ذلك؟… الى ان نغرق في دوامة التساؤلات، والاجابة ليست صعبة، لكنها مُرة. فأنّى للعراقي ان يعرف عيد الحب او يوم الارض او يوم الشجرة او يوم المرأة او يوم شم النسيم، وهو لاهث بين الخوف والخبز والموت والهجرة، وما ذلك إلا نتاج مايفعله الساسة والسادة المسؤولون الذين تعاقبوا وتناوبوا -على مر العقود- في مسك السياط وجلده لأنه… عراقي فحسب. عاش حياته مذ وعى لايعرف غير (جاك الذيب جاك الواوي) معذور انت ياعراقي، كيف يتسنى لك تمييز الأعياد والأيام وانت كما يقول المتنبي:
لا يُعجبنَّ مضيمًا حسنُ بِزَّته
وهل يروق دفينا جودةُ الكفن؟
أذكر ان زميلا إعلاميا قام باستطلاع آراء في أحد أعياد الحب، ومن ضمن الأماكن التي زارها في بغداد، سوق شعبي في حي من أحياء العاصمة بغداد، فرأى امرأة كبيرة السن متوشحة سوادا من هامتها الى أخمص قدميها، كباقي العراقيات اللائي دأبن على ارتداء هذا اللون في كل المناسبات، كانت هذا المرأة تحتضن صفيحة صدئة مثقبة بعشوائية، فيها بقايا جمر ورماد يقيها قرَّ الشتاء، ويدفئ أوصالها التي ترتعد بردا وهي تفترش أمامها (بسطيـّة) فيها أشياء عديدة الأشكال ومتنوعة الاستخدامات، إلا أنها تشترك في شيء واحد هو ثمنها..! إذ كان صوت المرأة المبحوح ينادي بانكسار مايبوح بالتسعيرة الثابتة وهي: (حاجة بربع… حاجة بربع… حاجة بربع…) سألها زميلي: حجيّة ما رأيك بعيد الحب؟ أجابته بسليقة أمهاتنا العراقيات الـ (شبعانات ضيم) جوابا لاأظنه يحتاج تعليقا او توضيحا، بل أتركه لقارئ سطوري هذه، لقد قالت له: (خايب آنه عيد الله واكبر ما عرفه شنهو).