23 ديسمبر، 2024 11:45 ص

يوميات مهجّر في عيادة طبيب يوميات مهجّر في عيادة طبيب

يوميات مهجّر في عيادة طبيب يوميات مهجّر في عيادة طبيب

لم تنفع كل محاولاته واساليبه الفنية والنفسية ، واظهار كل صور التزامه بالنظام وعدم هضم حقوق الاخرين في التأثير علينا واقناعنا من عدم جدوى انتظارنا  لمراجعة الطبيب في هذا اليوم ، هذا كان تصرف موظف الاستعلامات في العيادة أو ما نسميه بالسكرتير . شاب في الثلاثينيات من العمر يتخذ من احدى زوايا عيادة طبيب مشهور مكانا له لتكون غرفة يدير منها عمله في ترتيب وتنظيم قائمة المراجعين وتقاضي اجور الكشفية ايضا . حالة مستعجلة جعلت المريض ان يراجع الطبيب دون حجز مسبق ، وهو العذر الذي تحجج به السكرتير في عدم قبول مراجعتنا للطبيب الذي لا يستقبل مرضاه الا بعد حجز قد يصل الى ما قبل اسبوع من الزمان بحسب قول السكرتير الوفي والنزيه . لم تنفع معه كل توسلاتنا وعرض حالة المريض عليه قبل عرضها على الطبيب ، كما لم يتفطر قلبه حزنا واسفا علينا لاننا مهجرين ، وكان كلما نأتيه بقصة من قصصنا المحزنة كان هو يزيد اصرارا على ان موعدنا لن يكون قبل اسبوع من الزمان . نصف ساعة من الوقت لم تكن سهلة في اقناع السيد السكرتير ليسجل اسم المريض ضمن القائمة على ان يأتي دوره بعد الانتهاء من كل المراجعين هذا ان سمح وقت الطبيب بذلك بحسب قوله . قبلنا الامر ولكن على مضض ليس في اليد حيلة مع هذا السكرتير الذي يبدو انه لو سلمت له ادارة البلد لجعله اكثر الدول نظاما . لذا يتوجب علينا الانتظار لما يقارب الثلاث ساعات علما ان الطبيب لم يكن قد حظر بعد الى العيادة اي اننا من اوائل المراجعين ، ومسألة الانتظار مثل هذا الوقت في عيادة طبيب في بلدنا أمر طبيعي سيما ونحن قد ألفناه في امور كثيرة فكل فقرات حياتنا تتطلب الانتظار ، وها نحن مهجرون لما يقارب السنة من الزمان ولا زلنا ننتظر العودة .

نظرة سريعة في صالة الانتظار تؤكد لنا بان ما يدعيه السكرتير يناقض ما موجود في الصالة فالمراجعون لا يتجاوز عددهم العشرين هذا اذا ما علمنا ان كل مريض يرافقه شخصا وربما اثنان ، اذن فنصف العدد هم المرضى وليأتي مثلهم حتى يحين موعد حضور الطبيب . وبعد حسابات بسيطة توصلنا الى ان ما تحدث به السكرتير بعيد عن الحقيقة . فالانتظار اذن افضل من موعد بعد اسبوع وربما الدخول في نفس الجدال والانتظار لنفس الوقت .

الصالة نظامية يتوزع على محيطها وفي وسطها مقاعد استراحة مريحة هذا بالاضافة الى انها مكيفة ايضا ، فجهازي التكييف الموجودين في الصالة ومن الحجم الكبير قد جعلت من بعض الجالسين يغطون في نوم عميق وهم على مقاعدهم . اذن فانتظارنا هنا وفي هذا الجو المريح افضل من قضاء ظهيرة حارة في كرفان للنازحين .

بعد ساعة من الزمان بدأت الحركة تدب في صالة الانتظار ، دخول وخروج للمراجعين مما يدل على ان الطبيب قد حضر وباشر باستقبال المرضى . هذا بالاضافة الى حضور وجوه جديدة بدأوا يتخذون لهم مقاعدا في الصالة بعد مرورهم على السيد السكرتير ، بالتاكيد هم مرضى ايضا ، حتى كادت مقاعد الصالة تُشغل جميعها . مراجعون من بيئات ومكونات ومحافظات مختلفة وتستطيع ان تتاكد من ذلك من أزيائهم ولغتهم عند سماع حديثهم . استمر الامر كذلك حتى نودي على اسم مريضنا والصالة لا زالت محتشدة بالمراجعين . عندها تيقنا ان كل ما جاء به السيد السكرتير وامتناعه عن ادراج اسم مريضنا في قائمة اليوم وادعائه الالتزام بالنظام والمواعيد لم يكن الا تمثيلا اراد به ان نرضخ لاهوائه ومراده وهي الفوز بنصيب له ، وهو اسلوب يتخذه مع كثيرين ربما يصيب او يخيب .