وَصَلتُ…وَالساعة تقترب من السابعة صباحاً , بالرَغم من ان الدوام يبدأ الساعة 8:00 للخلاص من خِناقات الزِحام , وتعكير المزاج من مطبات الشوارع والتسابق لاجتياز السيطرات .
دخلتً غًرفتي , وبعد أعداد وأحتساء قدح شاي أخضر والذي اعتدتً عليه في صباحي اليومي , مررتً سريعا على الصحيفة التي أصطحبتًها معي . بدأتً التأمل والتفكير : ماذا سيكون يومي الحافل بمعتركات العمل وتنظيم سياقات العمل لهذا اليوم .
بدأ العاملين والموظفين بالتهافت لدخول موقع العمل على شكل مجاميع, غالباً ما تكونت هذه المجاميع وفق مبادئ الانسجام, وتقارب الاختصاص داخل المعمل, ونوع العمل. يمرون من أمام غُرفتي لِيُلقوا التحية الصباحية بأنواعها المتعدده ، والتي تًطلق حسبَ مزاج الموظف أن كان متعكراً فتحيته باردة وبوجه كئيب ، وأن كان مُنشرح فألابتسامة مرسومة على وجهِهِ وبنبرةٍ صوتيةٍ بهيجه ، يتبادلون الحديث – وهم سائرون – عن مناغصات الطريق ، ومشاكل البيت ، التي خلفوها وَرائَهُم .
يبدأ يوم العمل ، ساعتين من بداية الدوام، توجيه العمل، وأزاحة البريد الروتيني، من اجازات ،وعيادات ، وتأخير ،والاستماع بقناعة أو بدون قناعة للمتأخرين عن الدوام ، أكون مُجبراً على تصديق كل ما يقولة الموظف المتأخر وأن أتقبل عذره (ازدحام الطرق ، حصل انفجار واغلقت الطرق ، ازدحام السيطرات ، الخ من الاعذار التي تواجهُنا يومياً في حياتنا) .
من خلال المُعايشة والتجربة ، المخلص الصادق في عمله عذره وارد، لكن المشكلة في المُراوغ الذي يتهرب من الدوام والعمل ، يخلق مختلف الاعذار, نظطُرُ الى تصديقه: لان كل مايصدر عنهُ ، يمكن ان يكون جائز ، في هذا الزمن الذي لا استغراب فيه ،الذي اصبح فيه… اللامألوف…مألوف.
تُطرَق الباب ، وتدخل عاملةِ الخدمه ، وَبيدِها صينية الشاي أمرأه طاعنةٌٌ في السن ، انهكتها الحياة – زوجها المتوفي ، وابنها العاطل عن العمل- سمعت قرقعة قدح الشاي في الصينية ، يكاد أن ينقلب . نظرت اليها
كانت يدُها ترتعش ، وَيبدو على وَجهِها الشِحوب ، وعيناها الجاحظتين تكادان ان تَدمعا…سألتُها باستغراب…مابك؟!!..اجابت : يقولون انه انفجار حدث وقد استشهد فيه (ابو علي).
* أبوعلي ، ذلك العامل المثابر ، الذي يُصَبِح عليَ يومياً بأبتسامتهِ وَطََلعتهِ البهية- فقلت لها: ماذا؟إإ .
بداخلي لم يكن هذا الأمر غريباً علي ، لأن في ايامنا هذه كل شيء جائز ، الارهاب ينخربلدنا وابداننا ، فقلت لها والحزن يسري بداخلي:أرسلي لي فوراً الذي بَلغَكِ الخبر؟ – بدأت صورة ابو علي تَجوبُ أمامي ، كون هذا الشخص مُخلص في عملهِ ، ودائم النشاط والحركه ، اضافة الى انه صاحب طُُرفة ، ومحبوب من ِقبَل ألجميع وَمَزاحَهُ المُتواصِل اثناء العمل وخارِجَهُ ومعَ الجميع .
أنسَل الى غرفتي ، الذي استدعيته ، واستغربت منه وهو مبتسم ، وزاداستغربي لوضعه ، وكأن الامر لايعني له شيئاً، فقلت له بصوت وبنبره حزينه: حدثني هل خَبَرُكَ صحيح ؟! ففتح فمه فاغِراً ؟ أستاذي العزيز ، اِنها كذبت نيسان ، واليوم نحن في الاول من نسيان إإ …تَبَسمتُ ، وهدأ بالي ، وأستقر جسدي ، وتنفسُتُ الصَعداء، فقلت له :
* لاتستخدم الكذبة المؤلمه في التلاعب بمشاعر الاخرين ؟إإ ، استخدم الكذبة المفرحة لتزرعها على الوجوه . فاجابني بأبتسامه مفعمه بالحيوية :
* استاذي الفاضل : عندما تُكتشَف الكذبة المفرحة ، سيسود الحزن بعدها … ولكن عند استِخدام الكذبة الحزينه ، ستعُم الفرحه بعد أكتشافها . وأنا أردتُ إن أنشُر الأبتسامه على وجوه العاملين
اصبحتُ في حيرةٍ من أمرِهِ… تَنهدتُ قليلا …وقُلت له : أذهب الى عملك, وَتوَكَل, وكُن متقائلاً.
تَحَسَستُ قدَحَ الشاي الذي على الطاوله, فوجدته قد بَرِد، وانا أُردِد مع نفسي: اللهم أحفظ العراق وَشعبه….وَكفانا حُزنا…