23 ديسمبر، 2024 12:28 ص

يوميات .. الباب الشرقي/7

يوميات .. الباب الشرقي/7

سرحَ عبد الحسن ليلتها، يقلّب أفكاره ويتأمل بمستجداته.

” ما هذا الحبّ الذي أتى بأسرع مما توقعت ؟ “

حمل هاتفه وأراد الاتصال بها ليتأكد من حقيقة ادّعاءها، لكنه رأى أن الوقت قد تجاوز منتصف الليل، قال في نفسه ” بس حسب علمي أنّو المثقفين ما ينامون من وكت “.

ضغط زرّ الاتصال ولم يكد يرن الهاتف رنّةً واحدة من الجانب الآخر حتى فُتح الخط !

: هلو عبودي، اشلونك ؟

: هههلو، أخاف نايمه وأزعجتچ سَموأل ؟

: أبداً حبي، أنا لا أنام في الليل إلّا ساعات قليلة، وبيدي رواية أكثر من رائعة أتذوق سطورها وأعيش تفاصيلها.

: تره آني أصلّي وملتزم ! قالها عبد الحسن ورفع الهاتف عن أذنه تحسباً من ردة الفعل.

: ولم لا عزيزي، أنا أحترم اهتماماتك الإنسانية وتوجهاتك الفكرية، وكما يقول رينيه ديكارت ( ليس كافياً أن تمتلك عقلاً جيداً، فالمهم أن تستخدمه جيداً ).

: إي، وكل سبت أروح للكاظم من الغبشه.

: لا تهمني معرفة الكثير من تفاصيلك عزيزي، فطالما اختارك عقلي فأنا مرتاحة.

: عقلك ؟ وقلبچ شنو وضعه ؟

: دوماً القلوب تذهب بنا إلى مساحات متعبة، هكذا تقول تجاربي السابقة.

: تجاربك ! ليش انتي مجربه قبل ؟

: لاعليك عزيزي عبدو، نلتقي غداً ونكمل حوارنا، نم بهناء وعافية.

أيّ نومٍ سيأتي على عيني عبد الحسن بعد سماعه هذه الأخبار ؟ تمر على خواطره كلمات سَموأل ..

” عقل، تجارب، ديكورت، ما أدري كنتور “

ذهب إلى ورشته في شارع الكفاح بعد اتمامه مراسيم زيارة الإمام الكاظم، أوصى العمال بالشروع في غرفة نومٍ خاصةٍ له، استقبلوا الخبر بالفرح والعزم على عمل أجمل غرفة نومٍ للأسطّه عبد الحسن.

اتصلت سَموأل وقررت أن تأتيته إلى الورشة، ورغم اعتراضه الخفيف إلّا أنه وافق بالأخير. بعد ساعةٍ وصلت إلى اللورشة، تبدي تعجبها من كثرة المحملقين بها في الشارع، فأدخلها عبد الحسن بسرعةٍ إلى مكتبه الصغير وعاتبها على لبسها هكذا وسيرها في شارع يحوي معامل ومحال شعبية.

: ليش لابسه برمودا وقميص مدّلع ؟ العالم هم حقها.

: عادي عزيزي يقول .. قاطعها عبد الحسن على الفور ووضع كفّه على فمها، فارتعش وأحسّ برقة وجهها ونعومة بشرتها، فسكت عمّا أراد قوله وسحب كفّه بهدوءٍ وأغمض عينيه.

قالت له سَموأل : هذه أعراض الحب المتقدمة، تدفق الأدرنيالين يسبب تسارع دقّات القلب وإفراز هرمون التوستيرون المنعش.

انزعج عبد الحسن من تحليلها وقال في خاطره : اشتعلوا أهلچ، على أهل التوسيرام اللي ما أدري شنو.

: هل قلتَ شيئاً في خاطرك ؟ أكاد أجزم أنك قلتَ شيئاً فيه حرارة ولهيب.

: هو حرارة أكيد، بس منو اللي احترگ ؟ صعبه تعرفين. تعاي اتفرجي عالورشه.

قامت معه وما أن تحرك خطوة حتى مسكت ذراعه تسير جنبه، فارتبك وسحب نفسه منها.

: وين يمعوده هذول العمال سرسريه، يسوّولي طلابه.

” اضرب استادي ! هذا الكيك التمام ” .. ” استفاااد ” .. ” شايف خير ومستاهلها “

: اسكتو بلا تعليقات وكلمن يلتهي بشغله.

قال أحدهم بصوتٍ خبيث : استادي غرفة النوم اللي وصّيت عليها الصبح تريد كنتورها خمسه لو ست بيبان ؟

: غرفة نوم ؟ ياي، أريد دزاين ايتالي.

أجابها عبد الحسن : إيتالي ؟ والله بس موديلات قمبّر علي وسوگ حنون عدنه.

: أريد مكتبه للكتب اللي عندي، حوالي 2 في 2 متر مربع.

: صار.

طلبت من عبد الحسن أن تزور أهله وتتعرف عليهم، فارتبك من هذا الطلب، وسرح قليلاً، وسألها إن كانت جادة فيما تطلب.

: حبيبي عبودي، ما كو داعي لتأخير التفاصيل طالما انتَ تفكر بالارتباط بيّه.

: عجيبه انتي، معقوله تقرين أفكاري وآني ما أدري ؟

: خليها عليّ ومعليك، بس خل أتعرف على أهلك وشوف وراها.

ودّعها عبد الحسن وأبلغها بأنه سيمر عليها بعد انتهاء عمله ويأخذها إلى بيت أهله.

: ألو، اشلونچ يُوم ؟ اليوم راح تجي صديقتي وياي للبيت لأن تحب تتعرف عليكم، فاتحضروا.

: صديقتك ؟ يلّه ميخالف، هلا بيك وألف بالوياك حبيبي.

أكمل ساعات عمله وأنزل بوابة المحل وتوجه نحو سيارته المركونة في الساحة، ركب سيارته ولم يزل سارحاً في خياله عن تفاصيل اللقاء المرتقب بين سَموأل وأخواته وأمّه.

ركبت معه وهي بكامل أناقتها، وبدأ عبد الحسن يعطي لها بعض النصائح عن كيفية التعامل مع أهله وخصوصاً أخواته المتربصات به. وضعت كفها على ظاهر كفّه تطمأنه وتخبره بأن كل شي سيمضي على مايرام، ولكم يرتاح عبد الحسن من هذا التماسس.

ركن السيارة على الرصيف وترجل منها، ليرى وجوه أخواته من فتحات الباب تراقب حركته وكيفية ذهابه لينزل سَموأل من مقعدها، فأشار لهنّ بعصبية بأن يدخلن إلى الدار بسرعة.

دخل معها الدار وتوجها نحو باب الصالة لتفتح أمّه الباب وتتفاجئ بهذه السَموأل وجرأتها !

: هله بيچ يُمّه هله اتفضلي.

دخلت الصالة لتشهد الأخوات الثلاثة واقفاً في صفٍ واحد مع تقاطيع استغراب واستنكار واستهجان.

سلمت عليهن سَموأل : هلووو !

لم يجبنها، بل نظرت كل واحدة لأختها، مع عبارة ” هَيْ هَيْ، لا قيّمنه “

قال لها عبد الحسن : اتفضلي استريحي عزيزتي.

قالت الأخت الكبرى للوسطى : صارلي أخته 24 سنه وما گلي عزيزتي، وهاي اللي چنها ماصوله صارت عزيزته ؟ بخت !

أجابتها الوسطى : شايفه اشگد ضعيفه، ما بيها شيشين تكّه والله !

شزرتهم الأم بنظراتها وطلبت من الكبرى جلب الشاي والحلويات.

: صار يوم .. وتقول همساً ” سمّ وزهر ان شاء الله “

ابتسمت سَموأل بوجه أم عبد الحسن وأعادت السلام عليها : هلو عمّه آني تره معجبه هوايه بعبودي .. ومسحت بكفّها على كتف عبد الحسن.

دهشت البنت الوسطى : يا !!! صخام ان شاء الله !!! هاي غير ماخذه راحتها.

تبعتها الصغرى : مثل بختنا، حدايق !

..

يتبع

خاص بكتابات

 [email protected]