17 نوفمبر، 2024 4:44 م
Search
Close this search box.

يوميات .. الباب الشرقي/3

يوميات .. الباب الشرقي/3

: تعال أعرفك على أصدقائي
: ياريت .. ها هو عبد الحسن يخاطب روحه، ويخطو بتوفيق إلهي نحو العالم الذي كان يحلم به، ثقافة ومثقفون، معرفة وتداول أفكار، كتبٌ وإصدارات، شعراء ومؤلفون، يرفع عينيه للسماء شاكراً رب العباد

أدخلته سَموأل في مكان مزدحمٍ آخر الشارع على اليسار، ويبدو أنه مقهىً مفتوحٌ، ضجيج وحوارات، شخصياتٌ رآها في التلفاز وأخرى على صفحات الجرائد

أشارت بكفّها نحو مجموعة شباب جالسين حول طاولة صغيرة، واخترقا سويّةً الجموع حتى وصلا

: أعرّفكم على صديقي سوني

: سلامٌ عليكم شباب .. قالها عبد الحسن بارتباكٍ وليس يدري، هل هكذا سلامُ المثقفين أم لا ؟

أتته الأجوبة .. هلو .. أهلاً .. مرحباً بك ..

سَموأل تعرّفهم إليه

: أنمار المنتفض، سلام الميكافيلي، نهاد التراجيدي، وهذا .. سعيد جُلْجُثّـة

جلس بينهم وكلّه حيوية وانفعال، صامتٌ يريد أن يرتشف من وحي حواراتهم، جلست سَموأل جنبه، وارتاح كثيراً من هذا الجلوس، أخرجت علبة دخان وبدأت تدخن سيجارةً رفيعة بمؤخرةٍ حمراء

قال في نفسه .. لا بأس، ربما هذا السلوك من متطلبات الثقافة ..

سأله نهاد : ما هي اهتمامتك صديقي الرائع ؟ وما هذا الكتاب الذي اقتنيت ؟

ناوله كتاب الديدان المنتفضة وابتسم، متفادياً جوابه

قلّب نهادٌ صفحات الكتاب وهو يصدر من فمه أصوات تَعجبٍ وانبهار

: هل تعلم صديقي، إن هذه السرديات، هي أقسى سرديات كُتبت في عالم الأدب، المؤلف عاش فترة كتابته لهذه النصوص بين الديدان الشريطية يستلهم منها تفاصيل البَوح !

أجابه عبد الحسن وهو يملك هذه المعلومة : لكن الديدان الشريطية تعيش في أمعاء الحيوان والإنسان

انفعل نهاد وضرب جبينه بباطن كفّه : نعم صديقي، إنها الرمزية الروحية التي عاشها المؤلف وهو يتحسس هموم الديدان في مراحل نموها .. قام من مقامه وجلس قرب عبد الحسن وأخذ يخاطبه

: صديقي الرائع، قُبلة لروحك الجميلة، جدلية التعايش البوهيمي تنطلق من فكرة انسلاخ الروح عن البدن وتواجدها في زَمكان الألم

كان يتكلم ووجهه قريب جداً من وجه عبد الحسن، حتى أن أنفاسه الرطبة والمواد المتطايرة من فمه كان تستقر على خدّ عبد الحسن، فسحب وجهه قليلاً عن وجه نهاد وسأله

: انته وين بيتكم ؟

أدخل نهادٌ أصابعه في شعره وقلبه إلى وراءه وأجابه بحسرةٍ غريبة

: بيتي قلوب أصدقائي، بيتي عند حافة النهر الذي يسير بحزن .. وهنا صعدت نبرة صوته وسكت الحاضرين لعلّةٍ يعرفونها

قام نهاد وتوسط المكان واسترسل

: يسألني، .. وأشار إلى عبد الحسن .. وبيتي ممزقٌ من الحروب والمآسي التي عشعشت في وطني، يسألني، وأنا الذي مسحتُ عنواني من خرائط الوجود .. كان يتكلم وإيحاءات جسده تُترجم كلماته، رافعاً كفّيه إلى السماء .. أيتها الشمس، صديقي يسألني عن بيتي ..

في ذلك الأثناء والجو المتعاطف مع نهاد، قال عبد الحسن في نفسه : هذا مخبّل ؟ اشبيه ؟

يُنهي نهادٌ كلماته ويتكور على نفسه جلوساً وينكس رأسه على حجره ويصمت، ليصفق أصدقاءه ومن تَوقف بالأثناء له

.. رائع .. مبدع .. أنت إنسانٌ لا يتكرر .. سَلِمت روحك ..

فكّر عبد الحسن أن يتقمص دور أبو العتاهية ويتوسط الجمع، لكنه لا يملك سوى محفوظات الصف الأول ابتدائي ونشيد حَيُّ وناصب چادر لصلاح البحر، ترك الفكرة بعد لحظات من نزولها خوفاً أن يقع في المحضور

: شنو اسمك عالفيس ؟ أكيد مختار اسم فتنازي، أليس كذلك صديقي ؟ تسأله سَموأل

تذكر صفحته والتي فتحها له سجّاد قبل عامين، وقد ملأها بصور المراجع والرواديد وصور رونالدو والدفّان علي العمية، واسمه عبد الحسن عبد الحسن، حتى لا يشتبه به أحد، كما أخبره سجاد وقتها .. بيش أدعي عليك سجاد ؟ .. تدارك الأمر وأبلغها أن صفحته قد تهكّرت قبل فترة بسبب البلاغات عليه

وحين سمع سعيد جُلْجُثّـة بالتهكير انتفض من مكانه وصرخ : لن نسكت، لن نسكتَ أبداً، أنا أيضاً هكّروا صفحتي قبل فترة، أغاضتهم اللايكات التي حصلت عليها في منشوري ( إذا انتهى الحَجَر .. فارمه بنظرة )

وهنا تعالت أصوات الباقين .. ألله ! .. ألله ! ..

قال أنمار : كم كان رائعاً ذلك المنشور صديقي، لقد ارتشفتُ قَدَحي قهوة متأملاً حروفك بعدما أعطيتك اللايك، وأتذكر أن صديقتنا الرائعة ( سوسو بلدية ) علّقت لك ( هذا المنشور هو نهاية التاريخ )، كم كانت رائعة، وأنت شكرتَ مرورها العطر

وعدها عبد الحسن بأنه سيعيد تنشيط صفحته ويطلب صداقتها ( متمردة خلف أسوار الحياة الحزينة )

سألها : ليش انتي هلگد ضعيفه، ورجاءاً فد جواب هادئ !

: وما أفعل باللحم الزائد صديقي، السعرات الحرارية التي أحصل عليها تكفي لكمية العضلات التي تغطّي عظامي وتجعلني أكمل نهاري بأتمّ وجه

أراد أن يحكّ رأسه لكنه تجنب ذلك، وعاد لسؤالها

: حضرتك شمخلصه دراسه ؟

: أكملتُ الإعدادية وأنا متخصصة الآن بعلم الانثروبولوجي، أحاول جمع أكبر كمية من الإنفورميشن وبجهودي الذاتية

أجابها عبد الحسن مقتفياً أثر الشباب : كم أنتِ رائعة سيدتي، وهل يمكنني أن أسأل إن كنتِ مرتبطة أم لا ؟

أجابته بثقة : أكيد مرتبطة

هنا، نزلت كميات إحباطٍ على عبد الحسن كالتي تأتيه كلما تابع الفضائيات العراقية

: مرتبطة بتوأم روحي، العظيم هاروكي موراكامي، معي ليل نهار

قام من مقامه مهمومٌ يتنهّد : لعد آني استرخص، ومبروك عليچ توأم الروح، وشوكت العرس ان شا الله ويّه مَرهم الظَهَر هذا ؟

ضحكت سَموأل حتى بانت أسنانها : يا زواج يمعود، هذا روائي ياباني عالمي

انفتحت خياشمه وابتسم كما الأغبياء : عليچ العباس ؟ أخاف ادّاهريني ؟

: أداهرك ؟ شنو يعني ؟

: يعني انتي لا مخطوبه ولا حاچين عليچ ؟

مَسكت أطراف أصابعه، تجّره ليعود إلى مقعده، سرت شرارة عشق لذيذة منها إليه، فكاد أن يُغمى عليه، فانفعل وجلس بقوةٍ على الكرسي ليسمع صوتاً غير عاديٍّ في مؤخرته، لقد انفتق بنطاله الضيّق قبالة مضيق باب المندب، أحسّ بذلك من استرخاء إليَتَيه في الجلوس

.. اشتعلوا أهلك سجاد ..

فكّر سريعاً بلون لباسه الداخلي وهل كان البنّي المخطط أم الأحمر الفضفاض، ثم انرعب للحظة وسأل نفسه .. هل لبس لباساً داخلياً بالأساس أم لا ؟ .. مدّ يده ليتحسس وتذكر أن الموت أولى من ركوب العار، وهنا سأله جُلْجُثّـة

: صديقي الرائع، أنتَ مدعوّ لجلسة حوار في الحديقة حول صراع الحضارات وأنَسنة القيم، فما قولك

عبد الحسن مشغولٌ بإيصال أصابعه إلى منطقة الحرام ليتحقق من أنها مستورةٌ أم مباحة : والله يعتمد أخ چكمچّة، لأن احتمال ابقه اهنا لحد ما يصل صديقي الرائع سجاد ويجلب لي خوذة الحرب

..

يتبع

خاص بكتابات

[email protected]

أحدث المقالات