كنت في دمشق عام 2007 , وكان وقتي محدودا جدا , وزرت مقرٌ الجمعية السورية لخريجي الجامعات الروسية في المركز الثقافي الروسي آنذاك, وطلبت منهم ان يتصلوا هاتفيا ببعض الزملاء السوريين الذين درست معهم بجامعة موسكو في ستينيات القرن الماضي لاحييهم وادردش معهم قليلا ليس الا , وتحدثت فعلا بشكل ودٌي جدا مع الاستاذ عدنان جاموس ( انظر مقالتي بعنوان عدنان جاموس والادب الروسي ) , وتحدثت ايضا بعواطف جيٌاشة مع الدكتور عماد حاتم , وعندما تحدثت مع يوسف حلاق , أجابني انه لا يتذكرني , وحاولت ان أذكٌره بدراستنا معا قبل اكثر من أربعين سنة في كلية الآداب بجامعة موسكو وتفصيلات صداقتنا واساتذتنا وذكرياتنا المشتركة في القسم الداخلي …الخ , ولكنه لم يتذكر اي شئ , وقد اضطررت ان اقطع المكالمة الهاتفية معه تلك والاعتذار منه طبعا , وسألت المشرفين على تلك المحادثات الهاتفية بعد ذلك, هل انهم اتصلوا فعلا بيوسف حلاق ؟ فقالوا نعم , فاندهشت ولم استطع ان اصدق ما سمعته منه بتاتا . الآن فهمت فقط ( عندما بدأت بكتابة هذه المقالة ) , ان يوسف حلاق قد رحل من الحياة قبل هذه المحادثة ( لم يكن الشخص الذي قام بالاتصالات الهاتفية يعرف ذلك ) , وان الذي تحدثت معه كان اسمه يوسف ايضا , وهو ايضا خريج الجامعات الروسية , وقد كان اسمه موجودا في قائمة اسماء الخريجيين طبعا. وكم صعقتني هذه الحادثة عندما توضح لي الامر فيما بعد , ولازلت لحد الان متعجبا ومستغربا من تلك المصادفة العجيبة والغريبة فعلا , والتي ارتبطت باسم المرحوم يوسف حلاق !!!
عندما كنت في داغستان للمشاركة بالاحتفالات في الذكرى التسعين لميلاد الشاعر الداغستاني الكبير رسول حمزاتوف ( 2013) ( انظر مقالتي بعنوان – ( احتفالات داغستان بتسعينية حمزاتوف), قال لي اليغ بافيكين ( مسؤول العلاقات الخارجية في اتحاد ادباء روسيا ) ان يوسف حلاق هو
الذي ترجم كتاب حمزاتوف الشهير – ( داغستان بلدي ) الى العربية , ولكني لم اكن متأكدا من ذلك , وقلت له اني اتذكر اسم مترجم عربي آخر لهذا الكتاب ( لم استطع آنذاك ان أتذكر اسمه ), ولكني – بعد التدقيق – عرفت , ان هذا الكتاب المهم قد صدر فعلا في بيروت بالعربية بترجمة يوسف حلاق وعبد المعين الملوحي سوية عام 1979 , وصدرت طبعته الثانية في بيروت ايضا عام 1982, ولم انتبه في حينها الى ذلك .
يوسف حلاق – اسم كبير في دنيا الترجمة من اللغة الروسية الى العربية و وقد ترجم حوالي عشرين كتابا في هذا المجال وهي كما يأتي – ( الجمال في تفسيره الماركسي ) 1968 // ( قصص عن لينين بقلم لوناتشارسكي ) 1970// (الكحول والاولاد ) 1972 // ( عن الادب والفن ) ج.1 و ج.2 بقلم لينين // ( دراسا ت ادبية وفكرية ) – الكساندر بلوك . 1977 // ( اسس علم الجمال الماركسي اللينيني ) 1978 // ( بلدي ) بقلم رسول حمزاتوف ( مع عبد المعين الملوحي ) . طبعة اولى 1979 , طبعة ثانية 1982 ( لست متفقا مع عنوان هذه الترجمة التي تحذف اسم داغستان من هذا الكتاب , ولا يمكن مناقشة ذلك في اطار هذه المقالة ) // نصوص مختارة . بيلينسكي . 1982 // ( المبارزة ) رواية . كوبرين . 1982 // ( مولك ) . كوبرين . 1982 // ( علاقات الفن الجمالية بالواقع ) تشرنيشيفسكي . 1982 // ( في الثقافة ) . دراسات بقلم غوربونوف . 1982 // ( نقود لماريا ) . راسبوتين . 1984 . // (الادب والعلوم الاجتماعية)1986 // ( المعلٌم ومرغريتا ) . بولغاكوف . 1986 // ( الكلمة في الرواية ). باختين 1988// ( اشكال الزمان والمكان في الرواية . باختين 1990 // …. وهناك مجموعة اخرى من الكتب التي صدرت له , منها – ماشينكا ( نابوكوف ) // نحن. رواية ( زامياتين ) // أيام عمرنا . مسرحية ( أندرييف )…
ومن الطبيعي ان أعمال هذا المترجم الكبير لم تتوقف لحد الآن , اذ انها لازالت تصدر هنا وهناك بطبعات ثانية وثالثة في دمشق وموسكو( قامت دور النشر السوفيتية بذلك في حينها ) وبغداد ( قامت دار المدى باصدار بعضها ) وربما صدرت هذه الكتب في اماكن اخرى من العالم العربي , ومن الضروري جدا ان يقوم المتخصصون العرب بدراسة هذه الاعمال الترجمية العديدة و تحليلها , اذ انها تعد مادة غنيٌة جدا للبحث العلمي في مجالات الترجمة الادبية عن اللغة الروسيٌة واسلوبها ومقارنتها مع النصوص الروسية الاصلية واستنباط النتائج المحددة …الخ , وقد اقترحت مرة على أ.م. الدكتورة منى عارف جاسم في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد ( وهي واحدة من طالباتي سابقا ) مثل هذا الموضوع فعلا ( انظر مقالتي بعنوان – بولغاكوف في جامعة بغداد ) وقد تم ذلك وبنجاح , وقرأت مرة خبرا عن مؤتمر علمي انعقد في بغداد , ويتحدٌث الخبر عن دراسة مقارنة بين ترجمة رواية ( المعلم ومرغريتا) ليوسف حلاق مع ترجمة ابراهيم شكر من مصر لنفس تلك الرواية , وقدٌم هذه الدراسة أ.م. الدكتور سامر اكرم من قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد( وهو أحد طلابي السابقين ايضا ) , ولكني لم اطٌلع على تلك الدراسة مع الاسف , ولهذا لا استطيع تقييمها . اطلعت كذلك على دراسة في غاية العمق و الشمولية والموضوعية كتبها زميلي بالدراسة في كلية الاداب بجامعة موسكو عدنان جاموس ونشرها عام 2008 بعنوان – ترجمة الرواية الروسية الى العربية – الماضي والحاضر . لقد تناول عدنان جاموس في دراسته تلك جوانب مهمة جدا ومعلومات واسعة في تاريخ ترجمة الروايات الروسية الى العربية منذ بداياتها في نهاية القرن التاسع عشر في العالم العربي, وتوقف في ختام تلك الدراسة بشكل خاص وتفصيلي جدا عند ترجمة يوسف حلاق لرواية بولغاكوف – المعلم ومرغريتا , وحدد كثيرا من الملاحظات الدقيقة بشأن الترجمة تلك مقارنة بالنص الاصلي الروسي للرواية . ان دراسة عدنان جاموس كانت وافية جدا وجاءت على خلفية كاتبها الثقافية المعمقة وتجربته الغنية في مجال الترجمة الادبية عن اللغة
الروسية , واستنادا الى العديد من المصادر والقواميس الروسية المعتمدة , رغم تشدده بعض الاحيان في تلك الدراسة, وقسوته الشديدة غير المبررة في احيان اخرى .
يوسف حلاق مترجما عن اللغة الروسيٌة الى العربية – هو موضوع كبير ومهم جدا بالنسبة لثقافتنا العربية وتاريخها و مستقبل مسيرتها لاحقا وعلاقتها بالثقافة الروسيٌة بشكل خاص وبالثقافة العالمية والادب العالمي بشكل عام , واتمنى ( بل ومن الضروري ) ان نعود اليه مستقبلا بشكل أوسع وأعمق واكثر تفصيلا, اذ ان هذه المقالة ليست سوى ملاحظات اولية حول هذا الموضوع .