23 ديسمبر، 2024 11:08 ص

يوسف العاني توأم المسرح العراقي

يوسف العاني توأم المسرح العراقي

ضمن سيروته التاريخية أصبح دليلاً للمسرح العراقي ، وكيف لا ؟ إذا كان يوم 24 / 2 / 1944 يوم ميلاده الفني في مسرحيته ( القمرجية ) وهو في السابعة عشرة من عمره ، إذ كان لامعاً منذ ميلاده الفني تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً ، حيث لا مسرح في العراق آنئذ سوى المسرح المدرسي !! ولعل العاني حينها ، قد أفاد من السينما من ناحية السيناريو وحركات الممثلين فيها في بداياته ؛ لأنه لم يكن قد درس الفن المسرحي بعد ، ومن هذا اليوم بدأت مثاقفته مع المصادر التي تتحدث عن هذا الفن الرفيع ؛ فضلاً عن التقاطاته العميقة واستيعاب ما هو محلي ؛ مما أضفت ـ المثاقفة ـ على المسرح العراقي طور التفاعل مع المجتمع ، ولاسيما أن العاني غالباً ما يمم وجهه نحو الهم الاجتماعي العراقي فجعله ذلك يوظف الأغنية الفلكلورية والشعبية والجملة المتداولة في نصه المسرحي ( مسرحية راس الشليلة ) مثالاً إذ تبرز علاقته المتوازية بين التأليف والتمثيل والإخراج حتى أصبح مبدعا فيها . في أعمال العاني ينصهر الفكري والشعبي في آن واحد ؛ بغية علاج أوضاع اجتماعية تسود المجتمع ، ومن خلال تجربته المسرحية الرائدة نطلع على ذاته الإبداعية الثرة التي تركت أثراً داخل دائرة المقاربة بين صناعة النص ، وتجسيده على المسرح ضمن إمبراطوريته الفنية التي تمتد نحو سبعين عاماً من العطاء … أقول إمبراطورية ولا تأخذني الغلواء هنا ؛ لأن العاني لم يمتد إبداعه إلى المسرح فحسب ، وإنما قد امتد إلى التلفاز والسينما وأبدع فيهما أيضاً أيما إبداع , لكن الترابط بينه وبين المسرح ظل متواشجاً ، فللمسرح مقام أول عنده لا ينازعه مقام ، وفي مقام المسرح الطويل تمتد قامة العاني متوازية معه ، فهو صنوه حتى  أصبح العاني ثبتاً مرجعياً صار بمقتضاه أحد أساطين المسرح العراقي ، فلا نكاد اليوم نقلب مصدراً يتحدث عن المسرح العراقي ، حتى يبرز اسم العاني فيه ، فقد زود المسرح العراقي من جواهر تأليفه وألق تمثيله ووهج إخراجه حتى صار نسيج وحده ، يسعى المسرح بين يديه . يرتبط النص المسرحي عند العاني بالرؤية والمنهج من خلال الاجتذاب المحلي لنصوصه ، ولاسيما أن المسارات اليسارية كانت مؤثرة على إبداعه ؛ إذ إنه قد زار الاتحاد السوفيتي وألمانيا بعد خروجه من معتقل ( معسكر سعدية الشط ) مما جعله يطلع على مسرح ( بريخت ) فضلاً عن تأثره بالرحابنة عند زيارته لبنان بعد اعتقاله الثاني مطلع الستينيات ، فيما يخص توظيفهم للأغاني الفلوكلورية الشعبية فأفاد من الشعبي في سياق نصوصه على صعيد معالجة سلبيات المجتمع كما في مسرحيته ( المفتاح ). كما كانت قضية فقدانه الأم مبكراً أثراً فيما بعد على أعماله فقد قال ذات لقاء ما نصه : ( إنني لم أظهر يوماً في مسرحية من مسرحياتي أماً سيئة أبداً … وإذا حدث وإن جاءت الأم سيئة ، لا أظهرها على خشبة المسرح ، إنما يأتي ذكرها عرضاً ) . العاني صاحب أسلوب وطريقة في جلب المتلقي لاعماله حتى لو كان العمل أجنبياً ، فهو يستطيع أن يطوعه بما يناسب المتلقي العراقي أو العربي . كما أن المصادر تشير أن الفنان يوسف العاني هو أول من كتب المونودراما ( مسرحية ذات ممثل واحد ) ذلك في عام 1949 في مسرحيته ( مجنون يتحدى القدر ) ولم يعلم وقتها أن ثمة فناً مسرحياً بهذا الشكل وله تسمية خاصة به!! وهي علامة فارقة من علامات موهبته المبدعة. وضمن عملية استغوار الهم العراقي من سياق النص والشخصيات كتب مسرحية ( الجومة ) التي منعت من العرض بعدما وصلت إلي مرحلتها النهائية ؛ لأن الرقابة قد تأولت بين شخصيتها ( الوالي الإمبراطوري الملكي ) وبين شخصية الحاكم وقتذاك إبان تولي ( طارق عزيز ) وزارة الثقافة ، لأن العاني لم يكن يكتب للنخبة السياسية ، بل كان مسرحه للجماهير كما نلحظ أن الشخصيات في مسرحياته تنهض بالاتجاه إلى الداخل فتنبش أعماقها لتجعل المتلقي يرى أزماتها ويتفاعل معها ؛ لأنه قد يرى ذاته في إحداها ، وهنا مكمن الإبداع الذي يستحق إن ينهض نحو العالمية فطوبى للفنان يوسف العاني .