19 ديسمبر، 2024 5:55 ص

“يوتوبيا” المحافظات و… حاججهم بالتي هي أحسن

“يوتوبيا” المحافظات و… حاججهم بالتي هي أحسن

الحكومة إلتزامها إزاء المحافظات.. لن تقول “إذهبوا وربكم فنحن في بغداد قاعدون” إنما تمكنها من خدمة نفسها.. ومتى عجزت.. لن يتبرأ المركز من أطرافه
إقدام العراق على أقلمة المحافظات، بمنحها صلاحيات وزارية، يمكن الدولة، من تلافي تبعات الفساد، التي إلتهمت إقتصاده، الى ان إصطدمنا بتداعي أسعار النفط، نزولا، كشف عورة الإقتصاد الريعي.. الأحادي، غير المنوع، والسائر، على طريق بدائي، هو “من اليد الى الفم.. نبيع نفطا ونأكل”.
بينما الدول الريعية، من حولنا، تمنهج مواردها، بحيث لم يؤثر فيها هبوط الاسعار، ولا حتى جزئيا، في حين إنهار العراق كليا؛ لأنهم تحوطوا لتذبذب الاسعار، من خلال صناديق وإستثمارات دولية، بينما نحن خارج هذا المنطق.
ولكي لا يستأثر المركز، بشكاوى سوء توزيع الثروات، تعتمد كل محافظة على وفوراتها، وفق رؤية مركزية شاملة، توازن صيرورة الإنفاق.
لطالما عطل المركز ميزانية بعض المحافظات، وبالمقابل، تحججت محافظات، بتلكؤ المركز؛ كي تغطي على فسادها.. بين هذا وذاك، لا مركزية الصلاحيات، تحمي الجميع من إدعاءات سواهم.
هذا الإجراء من شأنه تمكين ابناء المحافظة، من إستثمار ثرواتهم، بموجب قانون، يضمن لهم الإفادة من خيراتهم، ويضمن للحكومة الاتحادية حقوقها في إدارة شؤون العراق وترصين بنيته المالية.
 
راسب مركزي
الأقلمة تبويب منهجي لمجريات الإدارة، فالمحافظات، لن تنفلت من علاقتها بالمركز، إنما ترتبط بنظام فلكي يشبه دوران الكواكب حول الشمس.
المدخولات تصبح واضحة، وكل أقليم يتقاضى مستحقاته، ويشتغل لبناء محافظته، حسب حاجة أهلها، وبما يتناسب مع قناعاتهم، بناءً على توافق داخلي ينظم ديمقراطيا، والنفقات تقتطع بالقياس الى إمكانات المحافظة، والباب الثالثة، هي “الحق المركزي العام”.
وبهذا يتوقف الحوار السلبي، ويدوم الحوار الايجابي المتفاعل، تركيبيا، في سبيل تحقيق سيولة، ترتقي بواقع العراق، من خلال الاستثمار الامثل لثرواته، مبوبة حسب التقسم الاداري، المرتبط بالمركز.. ينتشلنا من أخطاء ترسبت من عهد النظام السابق، الى حكومات ما بعد 2003 المتعاقبة، تعمل في ظروف ملتبسة، من داخل تشكيلة الحكومة، وممتدة على طول إرتباطها بالشعب.
فالفساد آفة أكلت الاقتصاد، وثمة محافظات تسودها مسحة فئوية، اتخذ منها المتصيدون في المياه العكرة، كلمة حق، يبغون من ورائها باطلا.
كل هذا لا يعد له مكان، بإقرار وتنفيذ قانون لا مركزية المحافظات.. “نفتح الميدان أمامكم، ونحن عون لكم، من دون أي شرط، متى إحتجتم دعما لتقويم ميل ما تجدون دولة قوية وراءكم، تحميكم من الثغرات، إن وجدت في محافظتكم المتأقلمة مع نفسها”.
 
إلتزام مركزي
أيش ينكره من هذا الكلام المشفوع بفعل ميداني، تؤدي الحكومة إلتزامها إزاء المحافظات، وعينها تحرس ويدها تساعد، لن تقول “إذهبوا وربكم فقاتلوا إنا في بغداد قاعدون” إنما تعمل على تمكينها من خدمة نفسها، ومتى ما عجزت، لن تتبرأ الحكومة المركزية، من أطرافها؛ لأن نسغ الدم النابض يصعد من سويداء الحشى الى كل عضو في جسد الفراتين، إذا إشتكى تداعى له سائر العراق بالحمى والسهر.
خطوة عملية، أتمنى على جميع القوى دعمها، والمساعدة في تشذيب تبعاتها وتقويم مجرياتها؛ كي يترفه العراقي بثرواته، إسوة بمواطني دول أقل ثراءً، لكن شعبها أكثر منا رفاها.. والسر يكمن في حسن التخطيط ودقة التنظيم ونزاهة التنفيذ وتآزر الشعب مع حكومته.
فالتعديلات الجديدة منَحَت اربع عشرة محافظة غير منتظمة بإقليم، صلاحيات أمنية وسياسية واقتصادية واسعة، تحقق للحكومات المحلية، استقلالية في رسم سياساتها من دون تدخل الحكومة الاتحادية في بغداد، الا بالخير، وبطلب منها.
إذن من يحتج ويعتصم ويعارض ويتقاطع، فمع محافظته، ريثما يقتنع بصواب أداء حكومته، او يعدل فيه، او… يحلها مجلس المحافظة، مع أفراد المجتمع المحلي، وقطاعاته.
وهذا يفتت الاحتقان الذي أبهظ كاهل البلد، سنوات، واراق دماء، تشتتنا في فرز الصح من الخطأ على طول الصحراء الغربية، التي يعز علينا زعلها.
فإن كانت على حق، يجب ان توفى حقها، وإن كانت على خطأ (حاشى لأهلنا في الغربية الخطأ) فيجب تصويب ما إلتبس عليها كي نتعاون بغية الوصول الى جادة الصح، سبيلا للتنمية.
 
نصيحة مركزية
أنصح بإقتداء تجربة إقليم كردستان، التي نضجت، منذ مطلع التسعينيات، فالمحافظات تشكو تقييّد مشاريعها، اما الآن، فباتت حرة، في إدارة شأنها، بموجب تعديلات لتنفيذ بنود دستورية معطّلة، منذ  2005، تعطي صلاحيات إدارية ومالية واسعة للحكومات المحلية، ومن بينها تعيين الموظفين الكبار في المحافظات ومراقبتهم ومعاقبتهم، بالإضافة إلى نقل صلاحيات سبعة وزارات خدمية إليها تدريجياً خلال سنتين.
ما كان البلد ليظل “صوفة دائرة في مغزل الفساد” لو أن تلك الصلاحيات فعّلت منذ التصويت على دستور 2005، لكن تأتي متأخرة خير من الا تأتي.
توضِّح المادة 44 منه بأن الموارد المالية لكل محافظة تتكون من مخصصات الحكومة الاتحادية، وواردات الضرائب والرسوم والغرامات وبدلات بيع وإيجار أموال الدولة، إضافة إلى خمسة دولارات عن كل برميل نفط خام يُنتج في أي محافظة وخمسة دولارات عن كل برميل نفط خام مكرر في مصافي المحافظة، وخمسة دولارات عن كل 150 متر مكعب مُنتج من الغاز الطبيعي في المحافظة.
 
إعتراض مركزي
قرأت تصريحا من النائب السابق وائل عبد اللطيف، لموقع “نقاش” سيجعل من كل محافظة عراقية، متينة إقتصاديا، اكثر من دول اقليمية، تتميز بإستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، جاء في نصه: “تنفيذ القانون في البصرة مثلاً سيجعلها تحصل على أكثر من 10 ملايين دولار يومياً من استخراج النفط إضافة إلى أكثر من مليار دولار من الموازنة الاتحادية، ما يمكنها من حل جميع مشكلاتها، فموازنتها لوحدها تقارب موازنة الأردن”.
ولأن الخيرَ يخيّرُ، فأنا أفترض وأتمنى، الا تحدث مشاكل في العراق، بعد الان، وينشغل كل فرد، بتطوير وضعه الإقتصادي شخصيا وعائليا؛ ويتحول العراق الى “يتوبيا – جنة على الارض” عملا بمبدأ دعه يعمل دعه يمر الذي اقام أمريكا على ساقيها بعد إستفاقتها من موات الحرب الأهلية.
وطننا.. فعلا بقعة خير، لو أحسن القائمون عليه، إدارة شؤونه.
إعترض نواب كتلة “دولة القانون” التي يتزعمها نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، مقاطعين جلسة التصويت على مشروع القانون؛ لأنهم يرونه يسلب الحكومة المركزية صلاحياتها، لكن باقي الكتل على مختلف انتماءاتها الشيعية والسنية والكردية تؤيده.
يعيدنا الى الجملة، التي مرت منذ سطرين “العراق بقعة خير، أحسنوا إدارته تحققون حضارة فائقة”.

أحدث المقالات

أحدث المقالات