مازن لطيف- عدنان رحمن
على الاغلب وعلى مر العصور عاشت الشعوب ، بكافة تلاوينها الدينية والعرقية والمذهبية بوئام ومحبة وانسجام ، لكن هنالك في بعض المراحل التاريخية حصلت بعض المشاكل والارهاصات ، التي تسبب بظهور العداوة والبغضاء ، مما ينتج عنها حروباً وقتال ، واسبابها شتى .
نعرض هنا نزراً يسيراً عن احوال اليهود الذين عاشوا في مندلي بين الاهالي ، الذين هم اصلاً من كل القوميات وأديان مختلفة ومذاهب شتى . ومن خلال رويها يتضح انهم عاشوا بينهم بسلام ومودة . فضلاً عن انهم سكنوها منذ مئات السنين .
فقد أشار خورشيد باشا ( ) مبعوث السلطان العثماني قبل حوالي مائتي عام ، الى وجودهم في مركز المدينة ، بالشكل الآتي :
” ان في مركز مندلي أربعة منازل لليهود عددهم يربو على عشرون يهودياً . وجامع كبير و ثلاث مساجد و أربع حمامات و أربع نــُزل وعدد من الأسواق والمقاهي ” .
فيما ذكر المرحوم عمران موسى البياتي المندلاوي ( عن سمات المجتمع المندلاوي الطيبة ووقوفهم مع ساكني مندلي من اليهود ، ما يأتي :
” في صباح يوم 15- 8- 1920 ، طالبت جماهير مندلي وفي مقدمتهم رؤسائهم المحيطون بالسراي من ( علي شاه حاكم مندلي ) الاعتزال وتسليم الأمر اليهم ، لتشكيل حكومة محلية مؤقتة ، فتمَّ لهم ذلك . كان في هذا الوقت يعيش في مندلي 150 يهودياً ، وفي أوائل ايلول عام 1920 وصل الى مندلي رجل بدوي يــدعى أبو طبر يحمل رسائل الى الحكومة المؤقتة من بعض رؤساء الثورة في ديالى طالبوا فيها الأهالي الى نهب أموال اليهود وإنتهاك حرماتهم . ولكنه لم ينجح في دعوته ، حيث خرج منادياً من قبل الحكومة المحلية المؤقتة في الطرقات ، يطلب من الأهالي ان يحافظوا على اليهود بأعتبارهم داخلين في ذمة المسلمين ” .
وأوردت المرحومة زهرة نياز ( ) عن موقع سكن اليهود في مندلي ، والتعاون بين الاهالي في صناعة الصابون ، ما يأتي :
” منذ الثلاثينيات والاربعينيات من القرن العشرين ، وبسبب ملوحة مياه الآبار في الدور ، فقد كانت مياهها غير صالحة للشرب . كان الاهالي يجلبون الماء من منطقة تسمى (سكن يهودي) أو (سه ر آسياو) ، التي تقع في مركز مندلي . وان السيدة المرحومة زينب محمد وإحدى اليهوديات كانتا تصنعان الصابون في دار والدي المرحوم كلاي نياز في عشرينيات القرن العشرين ، حيث كانت اليهودية خبيرة في صنعه . كانوا يـصنـعونه من أوراق البرتقال والنارنج والليمون الحامض واللالنگي ، وذلك بعد خلطه في قدر معدني مع كمية من شحم الماعز ، ثم يـمزج ويســخــن ، وبعد دقائق معدودة يـسكـب المزيج في حوض من الخشب المـتـوفر آنذاك ، ويترك من دون غطاء لمـدة يومين أو أكثر ليجف ويكتســب الصلابة ” .
فيما أشارت السيدة أم سالم ( ) إحدى معمرات مدينة مندلي ، التي عاصرت الكثير من الاحداث في مندلي ، بعض المعلومات عن اليهود في مندلي قبل تهجيرهم ، بموجب قانوني إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود رقم 1 لسنة 1950 ، والقانون رقم 12 لسنة 1951 ، وكما يأتي :
” لقد كان اليهود من المكونات الرئيسة لمجتمع مندلي الحافل بتنوع القوميات والاديان ، حيث كانت المدينة عبارة عن عراق مصغر ، كان هؤلاء اليهود يمتهنون التجارة ولديهم محلات كبيرة في السوق الرئيس للمدينة ، كانوا يمتلكون محلات للعطارة وبيع الاقمشة والخياطة ، وضعهم الاقتصادي كان مرموقاً ، ولديهم حظوة وعلاقات مع الطوائف والقوميات الأخرى في مركز المدينة والقرى المحيطة ، كانوا يمارسون شعائرهم الدينية بكل حرية وشفافية .
كان ضمن أعيادهم عيد يسمى بعيد (عزرايل) ، الذي كان يمارسون فيه شعائرهم بالشكل الآتي :
{ كان وقت العيد نهاية فصل الشتاء ، ومطلع الربيع } .
كانوا يخرجون الى البساتين والاماكن الخضراء ، ينصبون شاخصاً اسمه عندهم (عزرايل) ، وهو رمز ديني عبارة عن خيمة خشبية يضعون فيها على الارض المفروشة بسفرة طعام ما لـّذ وطاب من المأكولات ( الدجاج والبط المشوي ) مع الفواكه والبيض المسلوق المصبوغ بمختلف الالوان .
كانوا ينتظرون فيها ، ان تجود السماء بالمطر . وبالفعل غالباً ما كانت تمطر السماء على عزرايلهم على إعتبار ان طقسهم يمارس في موسم الامطار ، لكنهم يعدونها إشارة قبول من السماء لممارستهم هذا الطقس الديني ، ثم يقومون بتوزيع الطعام ، الذي جلبوه معهم فيما بينهم ، ويعطون منها للمسلمين ، الذين غالباً ما يأخذونه مجاملة .
بعدها يقومون بهدم الشاخص ، بذلك تنتهي مراسيم هذه الشعيرة ويعودون الى شؤونهم ” .
أورد السيد ستار عبدي ( ) ان موقع سكن ( مير يهودي ) الشخص الوحيد الذي بقي في مندلي حتى عام 1950 بعد هجرة اليهود) ، بأنها تقع في محلة ” قلعة بالي ” على التلة . ومسكن ( لولو اليهودي ) تقع في محلة ” بوياقي ” في منطقة ( چال قرمزي ) { الحفرة الحمراء } .
وعن أخبار اليهود في مندلي ذكر المرحوم عبد الله سلمان فرحان الچرموندي ( ) ، ما يأتي :
” في نهاية الاربعينيات من القرن العشرين كان ( داود حلو اليهودي ) ، يركـِّب أسنان الذهب لبعض النسوة في مندلي , التي كان يصنعها بنفسه ، وكان المسمى ( أمانه ) من اليهود ، يعمل كبزاز متجول في أزقة مندلي . وكان ( تونة ) العطار صاحب محل في السوق الكبير ، محله يقع مقابل محل أبي (المرحوم مشهدي سلمان) . وان قسماً من الحرفيين اليهود كانوا يبيعون الاصباغ ، التي تستعمل لصبغ الخيوط المستعملة في صناعة السجاد وما شابه ، وكان منهم ايضاً الخياطون والنجارون ” .
واخيراً فقد ذكر السيد علي بازگ عن اليهود في مندلي ، ما يأتي :
” ان مواقع سكنى اليهود فيها ، يقع في أطراف السوق الكبير ” .
هذا ما تيسر لنا من معلومات حول اليهود في مندلي ، ولعله مـَنْ لديه معلومات أكثر ان يدلي بها لتـُغني هذا الموضوع عنهم .