23 ديسمبر، 2024 6:31 م

يهود العراق … من السبي الى السبي/2

يهود العراق … من السبي الى السبي/2

ابرز الشخصيات اليهودية في العراق
بعد كل ما ذكرناه عن اليهود وعن الفترات الزمنية التي مروا بها لابد لنا ان نذكر دورهم الوطني تجاه العراق ، تجاه الارض التي تربوا فيها وعملوا وزرعوا وتاجروا ودرسوا فيها واكلوا ونالوا من خيراتها تماما كما ينال غيرهم من ابناء الديانات او القوميات الاخرى دون اي تميي بين احد . واذكر هنا موقف الاستاذ النقاش عن العراق وحسه الوطني حيث رفض ان يستبدل اللغة العربية باللغة العبرية وقال لماذا ( إني اعشق هذه اللغة التي نطقت بها اول ما نطقت واستطيع بواسطتها ان اعبر عن دواخلي بشكل افضل فلماذا استبدلها بلغة اعرف عنها القليل وهي العبرية ؟؟ ثم انها تؤكد انتمائي العضوي الى اصلي العراقي) علمآ ان النقاش غادر العراق وهو ابن ١٣ عاما. ونشر مقالا في جريدة الحياة ١٩٩٥ تحت عنوان (( لا ، ليس يهود العراق صهاينة ولاهم بالجواسيس )) وكان مستاءا جدا من عبارة (خيانة يهود العراق ) التي اطلقها احد الكتاب العرب . وقال النقاش في مقاله (يقتل عشرة يهود عراقيين ليأتي عوضهم مائة الف يهودي ) ويفسر بأن تهجير اليهود كان من بين اماني بن غورين ومساعدة نورالسعيد.وهكذا تم ارغامهم علي ترك ومغادرة العراق إلا ان ذكرياتهم ظلت مشبوبة بالحنين للعراق وفي عام ١٩٧٧ كان عدد اليهود ٣٨١ شخصا فقط نتيجة لما تعرضوا له في الفترات التي تلت كارثة الفرهود وصولا الى هذا التاريخ.

اما الآن فلابد من ذكر ابرز اعلام اليهود واكثر الأسماء ذات الحس الوطني والتي نالت القدح المعلى في سلم الشهرة بكافة المجالات سواء كانت سياسية او ثقافية او فنية او اقتصادية واولهم :

 

١ـ ساسون حسقيل :

 اول وزير مالية في العهد الملكي ولد في بغداد سنة١٨٦٠ واتم التعليم الابتدائي فيها ، والثانوي في لندن ووحصل على الدراسات العليا من فيينا في مجال الحقوق، وكان اول عراقي ينال شهادة المحاماة من الدرجة الأولى من وزارة العدل في الأستانة ويعد ساسون حسقيل من المع عباقرة الاقتصاد الذين انجبتهم الساحة العراقية وتولى المناصب العليا منذ كان في ريعان شبابه حيث مثل العراق في مجلس المبعوثان التركي لأكثر من دورة كما انه مثل العراق كأحد اثنين في مؤتمر القاهرة عام ١٩٢١ للتمهيد لأنتخاب الامير فيصل بن الحسين ملكا للعراق مع زميله جعفر العسكري .

وعندما تم انتخاب فيصل الاول ملكا على العراق وتأسست المملكة العراقية تولى ساسون منصب وزير المالية لخمس مرات ساهم فيها ببناء الاقتصاد العراقي وجعل منه اقتصاد قوي جدا عمل جاهدا لايجاد سبل النهوض لاقتصاد البلد ولعل ابرز موقف له هو ما شهدته المفاوضات مع الجانب البريطاني بخصوص نفط العراق إذ اشار ساسون الي المفاوض العراقي بضرورة استبدال كلمة (اربع شلنات) بكلمة (ذهب)عند احتساب عاذد النفط الزمر الذي لم يخطر علي بال المفاوض البريطاني ولا البنك المركزي البريطاني ما تعرض له الجنيه الاسترليني او الباون من انهيار في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي . وهكذا تمكن الجانب العراقي من كسب المفاوضات بفضل عبقرية وزير ماليته وكان هذا سنة ١٩٢٥.

ونال ساسون منزلة لم يحظى بها اي يهودي في قلوب العراقيين . ولابد ان نذكر بأن الحكومة البريطانية كرمته ومنحته في عام ١٩٢٣ وسام السير (  K B E ) فاصبح بعد تقلده لهذا الوسام ( السير ساسون حسقيل ) كما تم انتخابه عضوا في مجلس النواب لثلاث دورات . وكان ساسون يجيد ثمان لغات فبجانب العربية كان يجيد العبرية والفرنسية والانكليزية والألمانية واليونانية والاسبانية  وكذلك التركية .

 

٢ـ الدكتور داوود روبين كباي :

تخرج الدكتور داوود من الكلية الطبية العراقية في دورتها الخامسة عام ١٩٣٨ وكان طبيبا عامآ وتمكن من رسم اروع صور الأنسانية من خلال عمله اولا ومن خلال موهبته الاجتماعية مع مرضاه . عمل الدكتور داوود في جنوب العراق وبقى يتنقل بين مدن الجنوب الي ان استقر في مدينة العمارة العزيزة على قلبه وقد توطدت علاقات متينة بينه وبين ابناء المدينة بسبب حسن خلقه وشديد اهتمامه بهم واستمر هذا الحال الى ان نقل عيادته عام ١٩٦٤ الى بغداد واتخذ من احدي الدور في منطقة البتاوين عيادة له وبقي اهالي مدينة العمارة يجلبون مرضاهم اليه حيث تقف سياررة في مركز المدينة وينادي سائقها ( كباي ..كباي .. كباي ) ويصعد المرضي الى السيارة ويقوم السائق بنقلهم الى بغداد حيث مكان عيادة الدكتور داوود كباي ، ويتم تقديم المرضى علي شكل وجبات للدكتور لغرض فحصهم والكشف عنهم وكانت كل وجبة من عشرة مرضى ، وكانت الأجور غير محددة إذ ان المريض من اهالي العمارة يدفع ما يستطيع دفعه دون ان يتقيد بمبلغ محدد.

من ابرز الاحداث في حياة الدكتور داوود هو الموقف الذي تعرض له والذي رواه الى زميلي دراسته الثانوية وهم كل من الزعيم عبد الكريم قاسم والدكتور كمال السامرائي ، ففي عام ١٩٦١ تعرض داره للمداهمه والتفتيش بحجة انه يعمل كجاسوس ضد الدولة وتمت اثناء المداهمه والتفتيش مصادرة مبلغ ٢١ الف دينار كان قد ادخرها في داره وقد اقتيد الي التوقيف بهذه التهمه ولكنه خرج بكفالة احد الاشخاص ، وما ان خرج من التوقيف ذهب الى صديقه في الثانوية الزعيم قاسم ليخبره بما تعرض له فيقول (كما يرويها زميله الآخر الدكتور كمال السامرائي) : دخلت عليه في مبني وزارة الدفاع ورحب بي وطلب لي القهوة وسألني عن سبب زيارتي له فقدمت له ورقة كنت قد كتبتها وشرحت فيها ما تعرضت له وذكرت المبلغ ) فما كان من الزعيم الا ان يكتب على الورقة ( يعاد المبلغ الى الدكتورداوود فأنا اعرفه شخصيا ولايمكن ان يتجسس على الدولة ) وأمر مرافقه وصفي طاهر ان يتابع الموضوع .

يروي احد الاشخاص انه قد التقى بالدكتور داوود في لندن عام ١٩٧٤ وبعد ان تأكد من شخصيته القي عليه التحية وقال له يا دكتور انا احد مرضاك فسلم عليه الدكتور الذي كان يحمل بيده حزمة من الصحف الانكليزية ورحب به وبعد تبادل التحية التقليدية قص عليه ببالغ الحزن كيف ان الاموال التي تركها امانة عند احد معارفه قد تم نكرانها ولم يبقى له سوى ان يترك العراق سيرا على الاقدام وبلا اي معونة مالية وبواسطة عربات النقل والصعوبه البالغة تمكن من الوصول الي لندن .

 

٣ـ الدكتور كرجي عزرا ربيع :

وهو من اشهر الاطباء العراقيين والذي ذاع صيته في كل العراق وليس حصرا في بغداد وهو خريج الكلية الطبية العراقية بدورتها الأولى وكان هو احد التسعة الخريجين من هذه الدورة عام ١٩٣٢ وعند تخرجه تقرر ارساله من بين احد ثلاثة اطباء عراقيين لمواصلة تحصيلهم العلمي العالي وكان الاثنان الاخرين هما الدكتور بيثون رسام وجاك عبودي شابي . وكانت عيادة الدكتور كرجي في شارع الرشيد مقابل البنك المركزي حاليا وكانت عوائل المسؤولين والوزراء وعلي رأسهم رئيس الوزراء صالح جبر .

استمر الدكتور كرجي في عمله حتى اواسط الستينات الى ان تم اجباره لمغادرة العراق وذهب الى اسرائيل وشغل منصب رئيس صحة بلدية القدس ، وللقارئ الكريم الان ان يعرف حجم ما خسره البلد من كفاءة وموهبة امتاز بها احد ابنائه بسبب طيش الحكومات البوليسية المتعاقبة على العراق .

 

 

 

٤ـ الدكتور جاك عبودي شابي :

وهو خريج الدورة الأولي للكلية الطبية العراقية سنة ١٩٣٢ ، ومنذ تخرجه بدأت علامات النبوغ العلمي تظهر عليه وقضى باع طويل في الدراسة بالمجالين العلمي والسريري . في ذلك الوقت لم يكن هناك في كلية الطب ولا في المستشفى الملكي شعبة للتخصص في الأمراض العقلية والعصبية اخذ الدكتور على عاتقه مهمة تأسيس مركز لعلاج الأمراض العقلية فقام بأنشاء (دار الشفاء) الذي تخصص بهذه الامراض . وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية هرب الكتور الالماني (هانز هوف) من المجازر النازية وجحيم هتلر فاشتغل الدكتور جاك بمعيته كمساعد له مما زاد من خبرته ومن نشاطه العلمي فتم بعد ذلك تعيينه استاذا مساعدا للامراض العقلية والعصبية في كلية الطب وتخرج على يديه خيرة اطباء العراق ، اضافة الى ذلك فهو من اوائل الأطباء الذين انشأوا مستشفيات خاصة بهم تحمل اسمائهم فقام بتأسيس مستشفى خاص به اطلق عليها اسم ( مستشفى الدكتور جاك عبودي للأمراض العقلية والعصبية) وكان موقعها في الطريق المؤدي الى معسكر الرشيد ،كانت عيادته مكتضة بالمرضى والمراجعين وكانت في شارع الرشيد قرب منطقة رأس القرية (تمثال عبد الكريم قاسم حاليا/او تمثال الغريري سابقا) وكان المرضى يقصدون عيادته حتي من ابناد البدان المجاورة وليس فقط من ابناء العراق بكافة مدنه واستمر الدكتور جاك بعلاج مرضاه دون اي تمييز بينهم حتى العام ١٩٦٧ حيث غادر العراق مضطرا الى السويد وعمل مديرا لأحدى اكبر المستشفيات فيها .

 

٥ـ موشي منشي شعشوع :

يعتبر هذا الشخص احد اشهر الشخصيات اليهودية في العراق ان لم يكن اشهرهم على الاطلاق ويعود سبب شهرته لأنه مالك القصر ( قصر شعشوع) حيث لم يعرف احد من هو مالك هذا القصر حتى من بين اقارب موشي ، واغلب الناس تعرف هذا القصر بهذا الآسموان الكثير من ابناء العراق لايعرفون مكان القصر ولكنهم يعرفون بأن هناك قصر يسمى قصر شعشوع .حتي وان الشهرة فاقت كونها مجرد اسم بل صار مثلا يضرب بين الناس  ، فعندما يهم احد ببناء بيتا له ويسأله احدا ما عن البناء ويقول له هل اكملت بناء بيتك ؟ فإذا اجاب بالنفي يسرع السائل بالقول وباللهجة البغدادية ( يمعود قابل دتبني قصر شعشوع ) وقصة هذا القصر هي : في مطلع القرن العشرين وفي سنة ١٩١٠ قرر الثري موشي منشي شعشوع ببناء قصر فخم لأقامته واشترى ارضا وخصص منها مساحة كبيرة خمسة آلاف متر مربع في منطقة الكسرة وخلف البلاط الملكي ومطلة على نهر دجلة وتم البناء وفقا لأحدث التصاميم في ذلك الوقت وعندما انتهى بناء القصر صار هذا المبنى معلم رئيسي من معالم بغداد ومضيء ليلا وعند وصول الملك فيصل الى العراق اخلي هذا القصر ليكون مكان إقامة فيصل الأول ومقرا له لحين تهيئة القصر الملكي له ، وكان فيصل الأول يستقبل في هذا القصر الوزراء والوجهاء ورجالات الدولة و رؤساء الوفود وكانت ايضا جلسات مجلس الوزراء تنعقد فيه برئاسة الملك فيصل ، وبعد ذلك بفترة من الزمن وبوفاة شعشوع تقرر بيع هذا القصر فأشتراه جعفر ابو التمن .

 

٦ـ داود سمرة :

يعتبر هذا الشخص هو شيخ القانونيين وامام المشرعين والحقوقيين ، إذ ان له باع وخبرة طويلة في المجال والأمور القانونية وهو ايضا ضليع باللغات التركية والأنكليزية والفرنسية والعبرية ، شغل عدة مناصب وتدرج فيها وفي سلمها الوظيفي ،نال عضوية استئناف الموصل وكذلك بغداد وتم تعيينه عام ١٩١٨ حاكما في محكمة البداية ثم حاكم في محكمة استذناف العراق عام ١٩١٩ واخيرا نائبا لرئيسها منذ العام ١٩٢٣ حتى منتصف الثلاثينيات ، بعد ذلك اختير عضوا في محكمة تمييز العراق واستمر في العضوية اكثر من ١٥ عام واخيرا شغل منصب نائبا لرئيس محكمة تمييز العراق حتى اندلاع ثورة ١٤ تمرز ١٩٥٨ ، وهو ايضا استاذ في كلية الحقوق منذ بداية تأسيسها حيث كان يدرس شرح قانون اصول المحاكمات الحقوقية وقانون الأجراء وشرح قانون احكام الصلح وله مؤلفات وابحاث في اختصاصه ، كان داوود سمرة احد اعمدة القانون العراقية والواحة القانونية والمرجع لكثير من طلبة الحقوق  واستاذهم الأول وتخرج علي يده عدد غفير من طلبة الحقوق والذين صاروا اساتذة الحقوق واعلام القانون في ما بعد .وجدير بالذكر ان الاستاذ داوود سمرة كان في صبيحة يوم ١٤ تموز ١٩٥٨ يسبح في نهر دجلة وشاهد بعينه نوري السعيد وهو ينزل سلم المسناية الخاص به ويطلب من صيادي السمك نقله الي الضفة الأخرى للنهر بواسطة بلمه ، توفي الاستاذ داوود سمرة عام ١٩٦٠.

 

٧ـ مير بصري :

ولد في بغداد عام ١٩١٢ وهو خبير اقتصادي وكاتب قدير واديب من الطراز الأول ،درس الاقتصاد واصبح من اعمدته وكان ملما باللغات فكان يجيد وبطلاقة الانكليزية والفرنسية والعبرية وادابها ، مارس الأدب العربي وكتب فيه في صحف ( البلاد والزمان والحاصد والاخبار وغيرها) وهو أول يهودي يعمل في وزارة الخارجية حيث انيطت به مهمة الترجمة لما له من قدرات في اللغات المذكورة وآدابها ، وبعد ذلك عمل في غرفة تجارة بغداد كونه اقتصادي في الاساس وصار مديرا عاما لها ، كذلك قام بأصدار مجلته الشهرية للسنوات ١٩٣٨ـ١٩٤٥ وأشرف على اصدار القسم الأنكليزي للدليل العراقي الرسمي لسنة ١٩٣٦. وفي العام ١٩٤٤ اوفدته غرفة تجارة بغداد لحضور مؤتمر التجارة العالمي المنعقد في نيويورك وانتخب بعد ذلك عضوا في المجلس العام للواء بغداد وعضوا في مجلس ادارته ، كتب عدة مؤلفات اهمها رجال وضلال ، نفوس ظامئة ، اعلام العراق وغيرها .. واسندت اليه في اواخر الستينيات مهمة رئاسة الطائفة الموسوية في العراق واستمر حتى مغادرته للعراق اواسط السبعينيات . ويعتبر كتابه رجال وضلال عام ١٩٥٥ والذي هو عبارة عن مجموعة قصصية لامس من خلالها خواطر المجتمع وتحسس في الكثير من جوانبه وكان هذا الكتاب متميزا عن غيره من حيث قوة المعنى وعمق المبنى وجزالة في اللفظ فنال اعجاب كبار اساتذة الادب العربي وعلماء اللغة والكتاب والصحفيين من امثال رافائيل بطي وعباس العزاوي والعلامة مصطفى جواد .

 

٨ ـ انورهارون شاؤول :

اديب عملاق وشاعر فذ وصحفي قدير ومحامي بارع جدا ، كل هذه الصفات اجتمعت في شخص هذا الرجل ، واكثر ما مارسه من بين المجالات هو الأدب العربي وكانت له فيه مسارات مضيئة ونتاج عظيم قدم من خلالها كل ما هو جميل ورائع وهو ايضا شاعر وقاص له قصائد كثيرة وله في الصحافة كتابات كلها تدعم الأدب العربي وتقوي مركزه تبشر بمستقبل زاهر له . واول كتبه صدر في العام ١٩٥٦ بعنوان (في زحام المدينة) وهوعبارة عن مجموعة قصصية فلسفية تعالج المجتعين العراقي بشكل خاص والعربي بشكل عام ومن ابرز القصص التي احتواها هذا الكتاب هي ( الوجه المهمشة) و (معلم اللغة)و(الدكتور يسري)، اما في مجال الشعر فكان ديوانه (همسات الزمن) فكانت قصاذده خير برهان على ضلوعه وتمكنه من اللغة العربية تعبيرا وانشائا .. وكان انور شاؤول من مريدي ومحبي الشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي واحد اركان مجالسه الفلسفية . كما وان قصيدته (بائعة الشوك) هي قمة الانتاج الشعري وتعاطفه الوطني  حيث خاطبت افقر شريحة في المجتمع العراقي في تلك الفترة .اضافة الى باقي قصائده (دمعة الفقيد) و (الفلاح المنكوب)والتي اعتبرت من امهات القصائد.

وايضا فأن الاستاذ انور محامي بارع اذ مارس هذه المهنة لفترة طويلة وكان مكتبه الخاص بالمحاماة في شارع السمؤال وكان يجيد اللغات الآنكليزية والفرنسية والفارسية والتركية ومن كتبه المترجمة (الحصاد الأول) و (قصص من الغرب) و(وليم تل) و (اربع قصص محلية) ويذكر الأستاذ المؤرخ عباس العزاوي في كتابه العراق بين احتلالين بأن انور شاؤول هو حفيد صراف باشي ولاية بغداد ساسون ابا روبين في العهد العثماني . اضافة الى ذلك فهو شارك بالصحافة بشكل فعال واصدر (مجلة الحاصد) عام ١٩٢٨ .وآخر مؤلفاته هو كتاب ( قصة حياتي في بلاد الرافدين).

يذكر ان السيد مير بصري قد تعرض للأعتقال عام ١٩٦٩ ايام ناظم كزار بتهمة التجسس لصالح اسرائيل ، فما كان من انور شاؤل إلا لينقذ زميله وصديقه ورفيق دربه ورئيس طائفته ويخلصه من هذه التهمة ، فذهب الى العلامة الدكتور مصطفى جواد ليتوسط له عند صالح مهدي عماش وزير الداخلية آنذاك إلا ان الأخير تعذر من هذه المهمة وبرر ذلك أن حكومة حزب البعث سوف تتهمه بالرشوة مقابل توسطه ليهودي وخاصة وان التهمة الموجهة له هي التجسس ، الأمر الذي سبب حزنا عميقا في صدر انور شاؤول الذي يعد صديق حميم للعلامة مصطفى جواد (( كان عملاقا في التحقيق اللغوي والبحث التاريخي،ولكنه لم يكن كذلك في السماجة والنجدة والوفاء)) ، فأضطره الأمر بأن يكتب بنفسه رسالة ويرسلها الى الفريق عماش وقد كتب الرسالة والتي كانت  عبارة عن اربع ابيات شعرية كتب عليها (رباعية شعر تجند في عملية انقاذ) وارسلها بواسطة احد اصدقائه وكانت أبيات الرباعية كالتالي:

 

أن كنت من موسى قبست عقيدتي …. فأنا المقيم في ظل دين محمدِ

و سماحة الإسلام كانت موئلي    …. وبلاغة القرآن كانت موردي

ما  نال  من  حبي  لأمد  احمد   …. كوني على دين الكليم تعبدي

سأظل ذياك السمؤال في الوفا   …. أسعدتُ في بغداد أم لم أسعدِ

 

وعندما تسلم الفريق عماش هذه الأبيات اعجب بها وأمر بنشرها بجريدة الجمهورية في شباط ١٩٦٩ وقد كتب الأستاذ نور عن هذه الحادثة في كتابه (قصة حياتي في وادي الرافدين) وقال ان هذه الأبيات نشرت في الجريدة بعنوان يهودي في ظل الأسلام ، وكانت هذه الرباعية هي السبب في خروج الاستاذ مير بصري من السجن وبعد ذلك غادر الاستاذ انور والاستاذ بصري العراق مجبرين وذهبوا الى اسرائيل .

 

٩ـ الدكتور احمد نسيم  سوسة :

احد علماء وعباقرة هندسة الري ، ولد في مدينة الحلة عام ١٩٠٠ واكمل دراسته الأبتدائية فيها وبعد ذلك سافر الى بيروت لأكمال الدراسة الثانوية هناك ثم التحق بالجامعة الأمريكية ونال شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية عام ١٩٢٨ ونال شهادة الدكتوراه عام ١٩٣٠ من جامعة جون هوبكنس ونالها بدرجة شرف .وقد منحته جامعة واشنطن جائزة تقديرية تمنح كل سنة لكاتب افضل مقال يمكن ان يساهم في دعم حركة السلام العالمي وعاد الي العراق ليعمل مهندسا في دائرة الري سنة ١٩٣٠ ايضا. استمر في عمله لمدة عقدين من الزمان قدم من خلالها ما لم يقدمه غيره من مشاريع ادت الى تطوير مشاريع الري في كل انحاء البلاد . وبعد ذلك تم تعيينه مديرا عاما لدائرة المساحة ثم مديرا عاما لديوان وزارة الزراعة ثم اعيد مديرا عام للمساحه ختى العام ١٩٥٧.وعند تأسيس مجلس الأعمار الشهير في العهد الملكي كان الدكتور احمد سوسة قد عين نائبا لرئيس المجلس وكان من اوائل اعضاء المجمع العلمي الثقافي.

الدكتورسوسة اعتنق الديانة الاسلامية وتعود هذه القصة كما يدونها هو في مذكراته اثناء تواجده في الجامعة اللأمريكية ببيروت وانه كان يعشق لغة القرآن وكان يطرب الى سماع تلاوة الآيات القرآنية حيث يقول كنت اذهب الى جبل لبنان وتحت ظل شجرة كنت اترنم بالآيات القرآنية ولم يكن هذا كافيا اذ يقول انه وفي امريكا تحديدا انكب لسنوات عديدة يقرأ فيها فلسفة الأديان وكشف في تلك الفترة حقيقة الأسلام وحقيقة التاريخ الذي زييفه اليهود تحقيقا لرغباتهم الشخصية.وكتب قصة اعتناقه الأسلام بكتاب اسمه ( طريقي الى الأسلام)

مثل العراق في اكثر من مؤتمر هندسي في الدول العربية والأجنبية كرئيس للوفد او عضوا فيه وهو احد مؤسسي جمعية المهندسين العراقيين .

نال جوائزتقديرية عديدة منها المحلية ومنها الدولية . فقد نال جائزة وسام الرافدين الصنف المدني ومنحته السعودية وسام الملك عبد العزيز .

 للدكتور سوسة مؤلفات عديدة تقارب الخمسين مولفا في اللغتين العربية والانكليزية ، لعل اشهرها هو كتاب ( حضارة وادي الرافدين).. تزوج من امرأة امريكية انجبت له طفلا وتوفيت ومن بعدها تزوج من امرأة عراقية مسلمة بعد ان اعتنق الأسلام وانجبت له الدكتور علي سوسة والدكتورة عالية سوسة .

 

١٠ـ ساسون خضوري حسقيل :

يعتبر آخر حاخام روحاني لليهود في العراق منذ سنة ١٩٢٨ بعد ان شغلها الحاخام دنكور وكالة والذي تمت ازاحته من قبل فذة مناوئة له وبذلك تولى ساسون خضوري هذه المهمة والذي كان يشغل منصب كبير الحاخامات واخذ على عاتقه هذه المهمة لرئاسة الطائفة اليهودية وسمي (حاخام باشي) اي رئيس الطائفة الاسرائيلية في العراق، عند تولي منصبه ظهرت وبشكل سريع جماعات يهودية ذات ميول صهيونية ناوئت مسيرة الحاخام ساسون المعتدل ، اذ عرف بعدم انحيازه لفكر صهيون ،عملت الحكومة العراقية بالمساعدة على ازاحته من منصبه واعلنت بل ودعمت ترشيحها لغريمه (ابراهيم يهوذا اصلان) ففي يوم ١٨/٤/١٩٢٩  صدر قرار من المجلس الروحاني للطائفة بتجريد ساسون من منصبه بعد ان كان قد شغله لمدة عام تقريبا وقام ٢٥ عضوا من حاخاميي بغداد بتوقيع القرار واكد بعد ذلك المجلس الروحاني العام (الاسرائيلي) قرار التجديد وذكر انه لايجوز التراجع عنه لأن الزحكام القانونية لاتجيز بقاء ساسون خضوري بمنصبه ، وجاء في بيان المجلس الروحاني (( نظرا لما تحقق شرعا من سود احواله المغايرة للدين بين افراد الطائفة فضلا عن سوء سمعته والحركات التي مازال يقوم بها والتي من شأنها الاخلال بالشرع الشريف )) و وجهة له رسالة انذار تلزمه بالتنحي عن منصبه خلال ٢٤ ساعة بآجماع علماء الدين فقدم استاقلته في ١٤ آب وقبلت بعد ٣ ايام في سنة ١٩٣٠ وحل محله عدوه اللدود اصلان ولم يبقى اصلان فترة طويلة إذ سرعان ما عاد ساسون لرئاسة الطائفة ولاقى في هذه المرة الدعم من الحكومة العراقية ، واستمر بهذا المنصب طوال الفترة الملكية وحتى بعد الثورة ، كان ساسون يتصف بحسن الخلق والمعاملة الجيدة والحكمة والمقدرة العالية علي حل الأزمات داخل ابناء الطائفة بارضاء كافة الجوانب كانت ادارة شؤون الطائفة تقع في منطقة تحت التكية ثم انتقلت بعد ذلك الى شارع النهر قرب غرفة تجارة بغداد حاليا وبقي الحاخام ساسون امينا ومواظبا على شؤون طائفته حتي توفي في سبعينيات القرن الماضي ، وبعد وفاته اختير الاستاذ مير بصري لتولي هذا المنصب .

 

هؤلاء كانوا عشرة من المع الأسماء اليهودية في العراق على الصعيد الديني والعلمي والأدبي والسياسي  ولكن لايعني هذا ان لايوجد غيرهم من البارزين فهناك (ابراهيم و شفيق) عدس وهما من اكثر التجار العراقيين شهرة ومالا وثراءا  واسسوا شركة تجارية تمكنوا من خلالها الحصول على وكالة شركة فورد للسيارات بمتخلف انواعها،وكان للأخوين عدس طريقة ذكية جدا في ترويج مبيعاته للمسؤلين والوزراء فكانوا عندما يبيعون سيارة لوزير يسترجعها منه بعد عام ويبيعه سيارة جديدة ويأخذ المستخدمة ليبيعها علي اصحاب سيارات الأجرة بعد ان يتأكد من تحقيق الربح في ذلك .

وهناك ايضا خضوري وعزرا ميرلاوي .. وهما شقيقان ايضا واذا كان الاخوة عدس اختصا بسيارات فورد فأن الاخوة لاوي او (بيت لاوي ) كما يسموهم العراقيين قد اشتهروا بتجارة السيارات الامريكية ذائعة الصيت مثل شيفروليت وبويك .كذلك وكالات للزجهزة الكهربائية . وقد اشتد التنافس بين هاتين العائلتين في الترويج للسيارات وخاصة تجهيز الجيش العراقي بسيارات الحمل ذات الطنين والخمسة اطنان. وايضا هناك اسم لامع وهو اول طيار عراقي (سليم دانيال ) الذي درس الطيران في انكلترا  واتقن الطيران واشترى لنفسه طاذرة خاصة وسافر بها من لندن الى بغداد واستقبله اهله واصدقائه باستقبال فخم وكانت دراسته لفن الطيران من ماله الخاص . وشقيقه مناحيم صالح دانيال الذي عرف بالخلق الحسن والذي لم يبخل على ابناء جلدته بالمساعدة والمعونة وانتشال المسحوقين منهم من فاقة الفقر ونتيجة لذلك انتخب نائبا عن بغداد ممثلا لطائفته . وايضا حسقيل قوجمان الشيوعي البارز والذي ناله نصيب من العذاب عندما ضاق الامر بيهود العراق مما دفع بالحكومة العراقية ان تطلب من السجناء اليهود اعتناق الاسلام او تلقي الحكم او السفر الى سرائيل ويقول قوجمان في كتابه حياتي في السجون العراقية عن هذا الموضوع، بينما انا في السجن دخل علي ابراهيم هاشم الاعظمي وهو شيوعي سابق وانهار لحظة اعتقاله علي يد الحرس القومي وهو من دلهم على مكان اختباء سلام عادل سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي سنة ١٩٦٣ آنذاك وطلب ابراهيم مني ان القي الشهادتين مقابل اطلاق سراحي فقلت له ( ابراهيم ، انا من درسك وعلمك النظرية الديالكتيكية الماركسية افلا تبصق بوجهي ان رددت امامك الشهادتين ، ويقول فاحنى رأسه وخرج ) كذلك هناك الشخصية الشيوعية الابرز بين اليهود والذي يعد من اعلام الشيوعية الماركسية وهو وهو يهودا صديقا رابع الاربعه الذين اعدمتهم وزارة نورالسعيد اذاصدرت قرارا بأعدام يوسف سلمان يوسف (فهد ـ مسيحي) سكرتير عام اللجنة المركزية للحزب وزكي بسيم (حازم ـ سني) وحسين محمد الشبيبي (صارم ـ شيعي ) ويهودا صديقا (يهودي) .

اضافة الى ان لليهود اسماء ونجوم في الفن العراقي واول ما تألفت فرقة الجالغي البغدادي عندهم ، ومن ابرز مغنييهم قارئ المقام الشهير يوسف حوريشو وكذلك روبيل رجوان اضافة الى اسماء عديدة ذات شهرة واسعة كانوا اعضاء في فرقة الجالغي  وهناك ايضا مغنية مشهورة جدا وهي مسعودة البمبلية صاحبة اغنية (عافاكي) الشهيرة ، وايضا بنات مراد وهن اربعة ( ريجينة ـ  مسعودة ـ روزة ـ سليمة) واشهرهم المطربة سليمة التي كان يسميها الناس سليمة مراد باشا والتي تزوجت من قارئ المقام العراقي ناظم الغزالي .