23 ديسمبر، 2024 2:12 م

يهودي يخترق العراق بطائرتهِ..!!

يهودي يخترق العراق بطائرتهِ..!!

ليس في الجو ما يعكّر صفوه, وفي غمرة الهدو الأزلي الذي غطّت به الرافدين منذ سومر وبناتها (بابل, وأكد…)؛ ترعد في شباط قصفة في سماء الوطن..لا أحد يعهدها, لكنه شيء قادم من الغرب, ومن يقوى عليها إلا من نذر عقله لرفعة هذا الوطن البائس والقابع بين الإحتلالين؟!
في بداية “الكساد الأكبر”, وتحديداً عام 1930 تخرّج الشاب العراقي (حسقيل دانيال) من أحدى الجامعات البريطانية في تخصص منعدم في الشرق ونادر في الغرب, فبعد دراسة دامت خمس سنوات يحمل هذا العراقي الباسل شهادة الطيران المدني.
لم يرق له السفر بحراً؛ إنما أراد أن يكون مصداقاً حياً لطالب العلم المتطلّع لخدمة بلده, وليس لمثله إلا أن يكون كفاتحاً جاء بغنائم الدنيا لأهله أبناء مملكة أور العظيمة, أشترى طائرة صغيرة من ماله الخاص وعاد بها إلى بغداد. ماذا يريد هذا اليهودي الذي يرى الحركة الصهيونية تنشط ولا يعبأ بها أو يتفاعل معها؟! أليس من الواجب -إن كان يهوى غير العراق- إن يدّخر أمواله لدعم تلك الحركة النشطة آنذاك والمدعيّة تمثيل اليهود؟ وهل سيستفاد من تجربته وخبرته غير أبناء الإسلام؟!
إن تلك الحادثة تمثل أحدى النقاط المضيئة في تاريخ يهود العراق الذين ساهموا بشكل رئيسي في صناعة التاريخ الحديث للدولة العراقية –فضلاً عن دورهم المشرق في العراق القديم-, ولعل (دانيال) لم يأتي بجديد في حركة التغيير والرقي؛ فقد سبقه أبناء جلدته الذين وضعوا العراق فوق كل إعتباراتهم. ليس في رحلة (الطيار حسقيل) الجوية, أختزال لمجدٍ منشود أو رفعة منتظرة؛ بل هي الغريزة الأصيلة المترعرعة في حب الوطن والغيرة عليه..تحولت إرادة بعد أن أبصرت بريق المستقبل بعيون مجد الغابرين, فأستبقت الأمم لتلحق بمن رقى منها.
كافأهم أبناء (ساطع الحصري) ب”فرهود” بغداد الذي أبيحت به ممتلكاتهم,  وصمة العار التي لم يزل يئن منها العراق, بعدها لم يسلم أحد..ذهب (ملح الأرض) ولم تنقطع آمالهم المفعمة بحب هذا الوطن, ولا يزال شاعرهم “أنور شاؤل”, يتغنى ببغداد وإسلامها:
إن كنت من موسى قبست عقيدتي … فأنا المقيم بظلِ دين محمدِ
وسماحة الإسلام كانت موئلي …. وبلاغة القرآن كانت موردي
ما نال في حبي لأمة أحمد  ……  كوني على دين الكليم تعبدي
سأظل ذياك السمؤال في الوفا …..  أسعدت في بغداد أم لم أسعد
 العراق ما برح يفرط بحبات عقده النادر, فأمراء السياسية الطائشة يضرمون أفكار الحقد الأجتماعي للفوز بولاية أو وصاية تؤهلهم لموقعٍ ما..جدلية عقيمة تلك التي تسلب حق المواطنة والإنتماء بداعي الأختلاف, ولا ثمرة سوى أستمرار ذبح الشعب بسكاكين كلاب البادية النتنة من أوساخ ماضيها الفارغ…أغنية الخلود لنا وحدنا, فمتى ننطق نشيدنا الأبدي الذي يصيّرنا شعباً مكتمل الهوية الوطنية؟!