23 ديسمبر، 2024 4:20 ص

يهودي غامض- يسوع ألناصري/3

يهودي غامض- يسوع ألناصري/3

إنّ واحدا من ألمشاهد ألأكثر أستعراضية وألأكثر غموضا وألمروية في ألأناجيل توضح سوء ألتفاهم بشأن مملكة معلنة من قبل يسوع، فبعد أن وعظ يسوع شطرا من اليوم، علم أنّ أل 5000 شخص ألذين أتبعوه على شطآن بحيرة طبرية قد فقدوا الطعام، عندئذ أجلسهم وزاد بأعجوبة بعض ألأرغفة من الخبز وبعض ألسمك فاكلوا جميعهم (  يوحنا: 6: 11 )، ويتعلق هذا بطقس قديم جدا، تعيد ترجمته إلى ألاذهان تأكيد وإحياء ألتضامن الصوفي للجماعة، وفي هذه الحالة فإنّ ألوجبة ألمشتركة يمكن لها أن تدل على ألإستباق ألرمزي للأخروية، ولأنّ لوقا ( 9: 11 ) يؤكد أنّ يسوع أتى ليتكلم لهم عن مملكة ألرب.

غير أنّ ألجمهور ألمذهول بهذه المعجزة الجديدة لم يفهم دلالتها العميقة ورأى في يسوع “ألنبي ألملك” ألمنتظر بحماس ألذي سيحرر إسرائيل ” وعلم يسوع أنّهم يهمون بإختطافه ليقيموه ملكا، فانصرف وعاد وحده إلى الجبل ( يوحنا 6: 15 ) عندئذ فرّق الجماعة، وانسحب مع تلامذته في زورق وأجتاز بحيرة طبرية.

إنّ سوء ألتفاهم يمكن له أن يفسر بعصيان مجهض. وفي كل حال، فإنّ يسوع قد ترك من قبل الجمهور، وحسب يوحنا ( 6: 66 – 67 ) أنّ ألأثني عشر وحدهم بقوا مخلصين له، وإنّ يسوع قرر ألأحتفال معهم بعيد ألفصح في 30 أو (33) ميلادية في أورشليم.

لقد اثير نقاش طويل – ومازال يثار – حول الهدف لهذه ألمهمة. فمن ألمحتمل، أنّ يسوع أراد إعلان رسالته في وسط ديني لإسرائيل بهدف إقحام جواب حاسم في معنى أو آخر. وعندما كان بالقرب من أورشليم فإنّ ألناس ” تصوروا أنّ عرش ألرب سيظهر في ذات أللحظة ” (لوقا 19: 11 ) لقد دخل يسوع إلى المدينة كملك مسيحاني ( مرقص 11: 9-10 ).

طرد ألبائعين وألشارين من ألهيكل ووعظ الشعب (11: 15 ). وفي ألصباح دخل مجددا إلى ألمعبد وأخذ يروي لهم مثل ألكرامين القتلة الذين بعد أن قتلوا ألخدم ألمرسلين من قبل معلمهم قتلوا أبن صاحب الكرم، وتساءل : فماذا يفعل رب الكرم؟ وأستنتج يسوع، إنّه يأتي ويهلك ألكرامين ويعطي ألكرم لآخرين( مرقص 12: 9 ).

وبألنسبة للكهنة وألكتبة فإنّ دلالة ألمثل كانت واضحة:

ألأنبياء قد أضطهدوا وآخر مرسل ( يوحنا المعمدان ) ، أوشك أن يقتل. وحسب يسوع أنّ إسرائيل كانت تمثل دوما كرمة الرب، ولكن سلطتها الدينية كانت مدانة، وإنّ إسرائيل ألجديدة سيكون لها رؤساء آخرون، وأكثر من ذلك فإنّ يسوع كان قد جعلهم يدركون أنّه هو الوريث للكرمة، (ألأبن الحبيب) للمعلم- وهذا إعلان مسيحاني يمكن له أن يثير ألإنتقامات ألدموية للمالك، وعليه، وكما يقول الحبر الاكبر قيافا: ” أنتم لا تدركون شيئا، ولا تفطنون أنّه خير لكم أن يموت رجل واحد من ألشعب ولا تهلك ألأمة باسرها ” ( يوحنا 11: 5 ). لقد توجب التدخل بسرعة دون تنبيه أنصار يسوع والتوقف يجب أن يحصل خلال ألليل بسرية.

في فجر الفصح دشن يسوع آخر وجبة مع تلامذته، وهذه الوليمة الكاملة للأصدقاء، ستصبح ألشعيرة ألمركزية للمسيحية:

سر ألقربان المقدس.

” بعد التسبيحات ذهبوا إلى جبل الزيتون” (متي 26: 30 ) ومن هذه ألليلة المؤثرة حفظ التقليد ذكرى حدثين لازما ضمائر المسيحيين، فقد خاطب يسوع بطرس قائلا: ” الحق أقول لك: في هذه ألليلة قبل أن يصيح الديك، تنكرني ثلاث مرات” (متي 26:34 ) ومرقص (14: 26- 31 ). وعليه فإنّ يسوع كان يرى في بطرس تلميذه ألأكثر ثباتا، ذلك الذي يجب أن يدعم الجماعة من المؤمنين.

وبالتاكيد إنّ إنكار بطرس لم يفعل سوى التاكيد على سرعة عطب البشرية، ومع ذلك فإنّ مثل هذا ألتصرف لم يلغ أبدا ألجدارة وألفضائل أللدنية لبطرس وإنّ دلالة هذا ألحدث المعقد واضحة:

في بنية ألخلاص لا تحسب أبدا ألفضائل البشرية وكذلك ألآثام، وألذي يهم، هو التوبة وعدم إضاعة ألأمل.

إنّ جزءا كبيرا من تاريخ ألمسيحية سيكون من الصعب تبريره دون سابقة بطرس: فإنكاره وتوبته ( متي 26: 74 ) اصبحتا بنوع ما ألنموذج ألمثالي بالنسبة لكل حياة مسيحية.

وليس أقل مثالية هو المشهد التالي الذي يجري في ضيعة يقال لها جتشمانية:

يصحب يسوع معه بطرس وتلميذين آخرين وقال لهم: ” نفسي حزينة حتى الموت. أمكثوا هنا وأسهروا معي “. (متي 26: 38 ) ثم أبتعد قليلا وسقط على وجهه يصلي ويقول: ” ياأبت إن أمكن ألأمر، فلتبتعد عني هذه ألكأس، ولكن لا كما انا اشاء، بل كما أنت تشاء” (26: 39 ).

ولكنه عندما رجع، وجد تلامذته على وشك أن يناموا فقال لبطرس:

” اهكذا لم تقووا على السهر معي ساعة واحدة: اسهروا وصلوا لئلا تقعوا في التجربة. ألروح مندفع وأما الجسد فضعيف ” (26: 40 ) وامرهم يسوع مجددا بالسهر والصلاة، ولكن عبثا، فبعد رجوعه “وجدهم مجددا على أهبة النوم، لأنّ اعينهم كانت مثقلة” (26: 41. ومرقص 14: 32-42 ولوقا 22: 40-46 )، وعليه، فمعلوم منذ مغامرة جلجامش أنّ ألأنتصار على النعاس، وألبقاء متيقظا، يشكل ألتجربة المسارية (ألتنسيبية) ألأكثر قسوة، لأنها ترمي لتحويل الشرط ألمادي، وترمي لإنتصار “الخلود”.*

وفي جتشمانية، بدت “اليقظة المسارية”- مع أنّها كانت محددة ببضع ساعات- إنّها فوق الطاقات البشرية. وهذه ألخيبة ستصبح ايضا، نموذجا مثاليا بالنسبة لأكثر ألمسيحيين.

 

·        حسب ألأسطورة الرافدينية، فإنّ أوتنابشتيم يساأل جلجامش: ” بالنسبة لك، من هو من ألآلهة سيضمك لجماعته لكي تحصل على الحياة التي تبحث عنها”؟

إن تتمة خطاب أوتنابشتم كانت غير متوقعة:

“أذهب، وحاول أن لا تنام خلال ستة ايام وسبع ليال”

بالتأكيد إنّ ذلك يتعلق بأكبر تجربة مسارة ( لتلقين السر)، فألأنتصار على النوم والبقاء في حالة يقظة يعادل تحولا عن الشرط البشري.

إنّ أوتنابشتيم كان عارفا أنّ الآلهة لن تمنحه ألخلود فأقترح على جلجامش ألأنتصار على ألآلهة بواسطة مسارة (مقاومة ألنوم وألبقاء متيقظا ).

مصادر البحث:

تاريخ ألمعتقدات والأفكار ألدينية…… ميرسيا إلياد