23 ديسمبر، 2024 8:51 ص

ينبطحون تباعاً وعلناً!

ينبطحون تباعاً وعلناً!

أول الكلام:
بعد زيارة السادات لإسرائل في 19 ت2 نوفمبر 1979 قرر الزعماء العرب عقد قمتهم ببغداد وأن يشكلوا وفدا لزيارة القاهرة لثني السادات من مشروعه الاستسلامي ويتكفلوا بدعمها مالياً، وإلا سيكون مصيرها العزل عربيا ومقاطعتها.. لم يستقبل الوفد بمستو عال ورجع خائبا!! وكان السؤال الذي يدور بذهن كل عاقل : هل العرب جادون في مقاطعتهم لمصر؟ أم أن هناك من يقاطع جهراً ويطبّع سرّا!! ستجيب الأيام القريبة عن ذلك، فقد كانت المعلومات تُسرّبت عن زيارات الملك حسين العاهل الأردني الذي كان يركب طائرته التي يقودها بنفسه ليحل ضيفاً مرحبا به في إسرائيل.. وفي كل مرة ينفي الأردن “التخرصات” والإشاعات التي تستهدف أردن العروبة والإسلام وملكها الهاشمي!!
وكذلك تظهر تسربات أن زعماء فلسطينيين على اتصال مع الزعماء الإسرائيليين بل إن مصر المقاطَعة عربياً تتوسط لتليين العلاقات بين دول عربية وإسرائيل..وإن جبهة الصمود والتصدي لايمكنها أن تعمل المعجزات لوقف الاتصالات السرية!
وهكذا عقد الأردن معاهدة السلام في وادي عربة شمال إيلات في 26 أوكتوبر/ت1 عام 1994 والتي أعلن الطرفان إنها تتويج للمباحثات السرية المستمرة بين الطرفين، وغدت الأردن مع إسرائيل على علاقات سلمية سياسية وتجارية وسياحية وأمنية لضمان أمن البلدين من الأعداء! والاتفاق على تثبيت الحدود بين البلدين..
وتتزايد أهمية هذه المعاهدة بأنها البوابة التي فتحت الاتصالات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل وبتشجيع من البلدين العربيين مصر والأردن! وبرعاية أمريكية دائمة..
وكان مؤتمر مدريد للسلام في في 30 أكتوبر 1991هو أول لقاء علني بين القادة الإسرائليين ومنظمة التحرير الفلسطينية برعاية أمريكية سوفييتية، وهو أول ورقة توت سقطت عنها ولكنه الانبطاح الثالث بعد مصر والأردن على مرأى من جبهة الصمود والتصدي (التي تأسست عام 1977 والتي تضم منظمة التحرير الفلسطينية والعراق وسوريا والجزائر وليبيا واليمن اليمن الديمقراطية الشعبية) التي أعياها صياح الاحتججاج حتى بحَ صوتها ومن ثم فوضت أمرها لله تحت شعار: لا نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين!!
***
وخلال سنتين كثفت اللقاءات بي منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في اوسلو وبرعاية حكومتها ، التي تمخضت فولدت اتفاقية أوسلو بين اسحاق رابين وياسر عرفات في سبتمبر/ أيلول عام 1993 الذي نص على اقرار الاعتراف المتبادل بين الطرفين وانسحاب إسرائيل من الضفة والقطاع تدريجيا على مدى ثلاث سنوات..وتم انسحاب من غزو وأريحا وونكثت إسرائيل التزاماتها وماطلت ونكثت عهودها واستمرت في بناء المستوطنات، واستمر الانبطاح العربي أكثر في اتفاقية برتوكول باريس واتفاق غزة أريحا 1994 ثم اتفاقية أوسلو الثانية 1995 ويزداد الانبطاح الفلسطيني وتستمر إسرائيل بالتنصل ونكث العهود… حتى أعلنت قبل أسابيع قليلة عن ضمها للضفة الغربية لتنفض يدها عن كل الاتفاقات وما شجعها أن العرب يعيشون مرحلة التمزق والانحطاط في العراق وسوريا واليمن وليبيا..وبقية العرب في صمت مريب شجعها الى ما وصلت اليه إنبطاحات الدول العربية لا سيّما دول الخليج (عدا الكويت) التي تبادلت التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل وكان هذا من العوامل المشجعة لأسرائيل أن تتمادى في غيها وتضرب المواثيق الدولية عرض الحائط… أما السعودية فهي المتيمة الكبرى بإسرائيل فقد استمرت الوفود الرسمية في العلن بعد أن كانت سنين في السر، حتى أن وفوداً وفود عسكرية رسمية زارت إسرائيل في وضح النهار ناهيك عن صحفيين ومثقفين سعودين لم يترددوا في التصريح: إن إسرائيل ليست عدوتنا.. وسهلت السعودية لاسرائيل مرور الطائرات القادمة من آسيا وخاصة الهند المرور بالأراضي السعودية لتحط في تل أبيب تزودها بالسائحين الأسيويين والأيدي العاملة الرخيصة والتبادل التجاري الواسع مع دول شرق آسيا!
فالاتفاقية الأخيرة بين الإمارات وإسرائيل التي إعلنت يوم أمس أصبحت تاريخية شاملة لتتحول من زواج مسيار الى زواج دائم برعاية أمريكية!! وستكتمل فصولها بعد أسابيع قليلة لتوق وستتبعها الدول المشتهية/المستحية وهي مُطبِّعة سراً أو جهرا مثل السعودية ومن بعدها السودان وانتظروا دول أخرى .ولا شك في أن اتفاقية الأمارات مع إسرائيل ستكتمل فصولها وستوقع في واشنطن بحضور ترامب، ستعجل بسقوط أوراق التوت كلها عاجلا أم آجلا ولا أستثني العراق فالعراق منذ عام 1969 كان قد بدأ الأتصال بين سفير العراق ابراهيم الداود وسفير إسرائيل في مدريد (راجع مقابلة حميد عبد الله مع الدكتور أحمد الجلبي)، وطبع علنا من خلال المصافحة الحميمة بين الرئيس العراقي (خارق الدستور) جلال الطالباني مع شمعون بيرز جزار قانا، فهما أصدقاء في الأممية الثانية التي ينتمي لها حزباهما الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمل الإسرائيلي؛ ناهيك عن أحزاب عربية أخرى مثل حزب وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب عبد الإله النصراوي الحركة الاشتراكية العربية.
ولست متأكدا مما زعمت أوساط إسرائيلية أكثر من مرة من زيارة أعضاء في البرلمان العراقي ذكرتهم بأسمائهم لإسرائيل! وهل يستطيع مسعود أن ينكر الوجود الاسرائيلي والتنسيق مع الموساد الذين أصبحوا يسرحون ويمرحون بفضلة لا في الشمال الكردي وحسب بل في العراق كله من شماله حتى جنوبه!!
وأخيراً نحمد الله أن لم يقدر للدول العربية أن تحكمها إمرأة وإلا لكان إنبطاحها نكسة كبرى!!