كيف يتعامل الأدب العبري الحديث مع فكرة “نهاية دولة إسرائيل”؟ هذا السؤالٌ بالغ الاهمية، وهو يلامس جوهرَ المخيلة السياسية والثقافية في الأدب العبري الحديث. إنه ليس مجرد تنبؤٍ كارثي، بل هو وسيلةٌ لمعالجة القلق والنقد، وأحيانًا الأمل المتجدد.
لا يُقدّم الأدب العبري الحديث نهاية الدولة بشكلٍ قاطع، بل من خلال منظوراتٍ مُتنوّعة:
1 – الديستوبيا السياسية
• يتناول كُتّاب مثل يزهار، ومجد، وتموز التشرذم الأيديولوجي للصهيونية، مقدمين حالات تفقد فيها الدولة قيمها أو تتفكك أخلاقيًا.
• في أعمال لاحقة، تظهر شخصيات تُمثل مجتمعًا منقسمًا، عنيفًا، أو غير مبالٍ – في لمحة من التفكك الداخلي.
٢. السرد ما بعد الصهيوني
• تنتقد بعض الأدبيات فكرة القومية اليهودية باعتبارها غير مستدامة، وتقترح هويات بديلة – إسرائيلية، أو شرق أوسطية، أو عالمية.
• تُصوّر بعض الأعمال الدولة كمشروع مؤقت، محكوم عليه بالزوال أو الاندماج في فضاء آخر.
٣. العبثية والسخرية
• متأثرةً بكافكا وكامو، تظهر أعمالٌ تعمل فيها الدولة كآلية بيروقراطية بلا هدف، أو كساحة للعبثية الوجودية.
• الشخصيات أحيانًا لا تعرف ما هي إسرائيل او ما سبب قيامها – وهنا يظهر سؤال الهوية والمعنى.
٤. الشوق للعودة أو التجديد
إلى جانب التوقعات القاتمة، هناك أيضًا أعمال تُتيح إمكانية الشفاء – العودة إلى القيم الأساسية، والمصالحة مع الآخر، أو بناء مجتمع جديد من بين الأنقاض. وهنا لا بد من الإشارة الى بعض الاعمال الأدبية التي توضح كيف تعكس الشخصية العربية في الأدب العبري نهاية الدولة – ليس بالضرورة كنهاية مادية، ولكن كتقويض لأسسها الثقافية والأخلاقية والهوية.
رواية ” امراة تهرب من البشارة ” لللاديب دافد غروسمان
على الرغم من أن الشخصية العربية ليست محور الحبكة، إلا أن وجودها في الخلفية – من خلال الفضاء الجغرافي واللغة والتهديد الأمني - يخلق شعورًا بالوجود المزدوج: إسرائيل اليهودية مقابل إسرائيل العربية، الحاضرة والمستبعدة.
تدور الرواية حول أورا، وهي أمٌّ يُجنَّد ابنها في الجيش، فتنطلق في رحلةٍ سيرًا على الأقدام عبر الجليل هربًا من خبر وفاته المُحتملة. المكان الذي تتنقل فيه – الجليل – هو مكانٌ ثنائي القومية، لكن الشخصيات العربية تكاد تكون غائبة عنه. هذا الغياب يُبرز كبت الواقع المُتعدِّد الثقافات. هروب أورا لا يقتصر على الأخبار الشخصية، بل يشمل أيضًا الفشل السياسي للدولة في احتواء تعقيدها. تبدو الدولة كمكانٍ للخسارة والقلق والانفصال عن الآخر.
• الهروب من الخبر (وفاة ابنها الجندي) هو أيضًا هروب من مواجهة الواقع السياسي – كما لو أن الدولة نفسها عاجزة عن احتواء تعقيد الوجود.
مثال آخر: رواية “دونا غراسيا” لعلاء حليخيل
هذا عملٌ لكاتب عربي إسرائيلي، ولكنه مكتوبٌ بالعبرية، ويستخدم أدوات الأدب العبري لتحدي الرواية الصهيونية:
• تُمثّل شخصية دونا غراسيا، المنفية اليهودية، مرآةً للشخصية العربية المعاصرة – فكلاهما مهمّش، وكلاهما يحمل ذاكرة تاريخية.تظهر الدولة ككيانٍ يجد صعوبةً في احتواء التعقيدات الثقافية والتاريخية – مما يوحي بإمكانية وجود غاية، ليست بالضرورة مادية، بل أخلاقية وهوية.
ومثال اخر . رواية “ غاي بن هينوم “-ليزهار سميلانسكي
تُقدّم الرواية الشخصية العربية كشاهدة صامتة على العنف اليهودي. هي لا تُعارض، لكنها لا تُشارك أيضًا – إنها حاضرة كضمير صامت. الدولة، كما تنعكس في الرواية، هي فضاءٌ للخطيئة الأخلاقية، وفقدان القيم، والتفكك الداخلي. الشخصية العربية لا تُشكّل تهديدًا من الخارج، بل تكشف عن الشرخ من الداخل.
الشخصيات العربية في هذه الأعمال ليست مجرد تمثيلات عرقية، بل تعكس حدود الدولة، ومخاوفها، وانقسام المجتمع الاسرائيلي الداخلي. إنها تشير إلى أن الدولة عاجزة عن احتواء الآخر، وبالتالي عاجزة عن احتواء نفسها. إن نهاية الدولة، كما تتجلى في الأدب، ليست بالضرورة دمارًا ماديًا، بل انهيارًا أخلاقيًا وهوياتيًا وثقافيًا.