22 ديسمبر، 2024 5:33 م

يقولون ما حدث ليس تطبيعا بل تعديل الأوضاع و إسرائيل ذراع أمريكا والغرب وصنيعتهم للسيطرة على المنطقة

يقولون ما حدث ليس تطبيعا بل تعديل الأوضاع و إسرائيل ذراع أمريكا والغرب وصنيعتهم للسيطرة على المنطقة

مَن المستفيد مِن التحالف العربي الإسرائيلي؟ لم تتعلم العرب درساً من خذلان الولايات المتحدة لها، وارتمت في أحضان حليف آخر قد لا يقوى على مواجة إيران ومحور المقاومة، وقد تخسر إسرائيل أيضاً في حالة توصل دول الخليج وإيران إلى اتفاق حقيقي بينهم. أبريل 1, 2022, 13:00 الآراء التحليلية صورة.الخليج أونلاين القاهرة – (رياليست عربي): منذ عهد قريب نادت الشعوب العربية ولاة أمورها بالوحدة العربية والاتحاد ضد إسرائيل وأمريكا على اعتبار أنهما كيانان يهددان أمنها وسلمها وخاصة بعد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة بحق الفلسطينيين العزل، واحتلال أمريكا للعراق وقتل زعيمها في عيد الأضحى، وتوالت الأغاني الوطنية وشحذ الهمم ولكن لا حياة لمن تنادي. واشتهرت حينها بين عوام الناس مقولة: “اتفق العرب على ألا يتفقوا”. وما هي إلا سنوات قليلة حتى خاب ظنهم وشهدوا اتفاقاً ولكنه هذه المرة مع إسرائيل ضد عدو آخر في المنطقة وهو “إيران”، ولا يمكن لعاقل بالطبع أن يشكك في قدراتها المتنامية، ورغبتها في الهيمنة من خلال دعم وكلاءها أو كما تطلق عليهم “محور المقاومة” بالأسلحة، والصواريخ، والطائرات المسيرة. وعند هذه النقطة يمكن القول إن معايير الصداقة والعداء تغيرت تقريباً منذ عام 2015 بعد إنشاء التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً في اليمن، وإخراج الحوثيين من صنعاء، وإعادة الحكومة التي اتخذت الرياض مقراً لها لقيادة مهام البلاد. جدير بالذكر أن العداء الإيراني الخليج ليس بجديد، ولكنه تجلى بقوة مع تداول تقارير تؤكد دعمهم الحوثيين بالأسلحة، والتدريب، والتمويل وهو الأمر الذي تنكره إيران دائماً. غيرت هذه الحرب مفاهيم عديدة لدى دول الخليج، ومصر، وباقي الدول العربية، وحتى إسرائيل ذاتها تعلمت درساً مهماً وهو “لن يحك ظهرك إلا ظفرك”. لقد تخلت الولايات المتحدة عن حلفاءها في المنطقة رغم مباركتها الحرب على اليمن، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب؛ بل شجعت التقارير التي تفيد بأن التحالف مسؤول عن حرب إبادة، وقتل للمدنيين، وتجويع الشعب اليمني، ومن هنا بدأت كثير من الدول التي تحالفت مع الرياض في القفز من المركب، وتركتها وحيدة تواجه مصيرها. كما عارضت إسرائيل في الهجوم على إيران، واتبعت سياسة الاسترضاء بدلاً من اتخاذ خطوات جادة ضد تهديداتها، ومن هنا تلاقت المصلحة بين دول الخليج وإسرائيل، وساروا على نهج المثل القائل “عدو عدوي صديقي”، وهو الأمر الذي أغضب إيران للغاية حيث إنها تدرك أن هذا التحالف يعني أن أمنها القومي في خطر، لأن إسرائيل سوف تستخدم هذه الأراضي المتاخمة لها منصة لاستهدافها استخباراتياً وأمنياً. ومن خلال ما سبق يمكننا أن نقول إن دول الخليج مستفيدة من هذا التحالف لأنه بمثابة ردع لإيران، كما يمكنهم التنسيق مع بعضهم البعض في حالة الاعتداء، والاستفادة من التكنولوجيا والمعرفة الإسرائيلية، بالإضافة إلى العامل الاقتصادي وضخ الاستثمارات بين دول الخليج وإسرائيل. أما إسرائيل فهي أكبر مستفيد من هذا التحالف، لأنها لم تتخيل يوماً أو تحلم بهذا اليوم الذي يضمن لها شرعنة وجودها في المنطقة، وتلميع اسمها، وتحسين صورتها أمام العرب أنفسهم والعالم أجمع لدرجة أننا بدأنا نسمع عن خسارة هذه السنوات التي ضاعت بدون التعرف على إسرائيل عن قرب. كما بدأت الأصوات في إسرائيل تتعالى بعد عملية التطبيع بأن الصراع العربي – الإسرائيلي انتهى بالفعل، وأن القضية الآن أصبحت قضية حدود لا وجود، وهو ما يعد مكسباً كبيراً لإسرائيل لم تحلم به يوماًـ ويعد نجاحاً مهماً للدبلوماسية الإسرائيلية ذات النفس الطويل. لم تتعلم العرب درساً من خذلان الولايات المتحدة لها، وارتمت في أحضان حليف آخر قد لا يقوى على مواجة إيران ومحور المقاومة، وقد تخسر إسرائيل أيضاً في حالة توصل دول الخليج وإيران إلى اتفاق حقيقي بينهم.

 

لم تكن خطوات الدول العربية المتسارعة في الفترة الأخيرة نحو التطبيع مع إسرائيل سوى تأكيد عملي للاستسلام لهيمنة الاحتلال الإسرائيلي والإقرار بقيادته للمنطقة، بتوجيهات ورعاية أمريكية، وتحقيقا للمصالح والأهداف الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية.

ما حدث ليس تطبيعا، وإن اصطُلح على تسميته بالتطبيع -والذي يعني في أبسط تعريفاته جعل غير الطبيعي طبيعيا، أو إعادة الأمور إلى طبيعتها- ولكنه تحالف بين نظم حكم عربية وتل أبيب لأجل التسليم لإسرائيل والإذعان لها بقيادة المنطقة، كوكيل عن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.

لم يكن مستغربا ما تداولته المواقع عبر الإنترنت، في 9 أغسطس/ آب 2021، لمقطع مصور تحت عنوان (تطبيع تحت الماء)، يوثق رحلة غطس بالبحر المتوسط في أحد شواطئ فلسطين المحتلة، جمع بين نائب وزير الخارجية البحريني (عبد الله بن أحمد آل خليفة)، برفقة مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية (آلون أوشبيز)، الذي نشر المقطع على حسابه، وعلق بقوله: (من دواعي سروري أن أذهب للغوص مع صديق. لقد انتهزنا الفرصة النادرة لاتباع قواعد دبلوماسية تحت الماء)؟!

إن أمثال هذه المواقف التي نقلها المقطع المصور تمثل غنيمة من الغنائم المعنوية، التي يحرص دوما المسؤولون الإسرائيليون على استثمارها لكسر الحواجز النفسية لدى الجماهير العربية، التي لا تلتقي مع حكوماتها ومسؤوليها في خطواتهم نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وترفض هذا النهج، ويُعد دعم القضية الفلسطينية والعداء لإسرائيل من الثوابت المتأصلة في الثقافة السياسية والوعي الوطني لدى هذه الجماهير.

وبغض النظر عن (دبلوماسية التطبيع الإسرائيلية البحرينية تحت الماء)، والتي احتفى بها الإسرائيليون، فمملكة البحرين ليست دولة ذات تأثير في محيطها الخليجي والعربي، وبالتالي على المستوى الدولي وهي في توجهها نحو إسرائيل إنما تمثل امتدادا لتوجهات الداعمين لها.

وفي ظل هذا التسابق في مضمار التطبيع، والعلانية في العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي بعد أن كانت في الخفاء، وما تعيشه المنطقة من تعديلات في الأوضاع، فإنه من الأهمية بمكان في إطار معركة الوعي، والتأكيد على الثوابت أن نلقي الضوء على بعض زوايا حقيقة التطبيع، والذي كان أبرز تجلياته الأخيرة (اتفاقيات إبراهام) بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، والتي تقف من ورائها الولايات المتحدة الامريكية داعما ومستفيدا.

حقيقة التطبيع -منذ نشأة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وعبر المراحل المختلفة للصراع بين العرب وإسرائيل، ومنذ اعتلت الولايات المتحدة الأمريكية عرش القوة الأكبر عالميا، لم يسع العرب للتطبيع مع إسرائيل، بل إن إسرائيل هي التي كانت تسعى لهذا التطبيع، ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية، المستفيد الأكبر من وجود إسرائيل في المنطقة، والتي جعلت من العلاقات مع إسرائيل والحفاظ على أمنها بوابة المرور للحصول على دعم واشنطن، وإقامة علاقات استراتيجية معها ليصبح الوصول إلى قلب أمريكا لا سبيل له إلا عبر الشرايين الإسرائيلية.

وفقا للرؤية الأمريكية والإسرائيلية فإن التطبيع ليس مجرد إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية وغيرها، كشأن العلاقات الندية بين سائر الدول ولكنه يعني دون مبالغة الاستسلام للإرادة الإسرائيلية، بما يشمل مراجعة جذرية للثوابت العربية والإسلامية والتاريخية كافة.

تعديل الأوضاع في المنطقة العربية -في حديثه لمجلة (الإيكونوميست) اللندنية، في نوفمبر/تشرين الثاني 1982، أعلن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر أن “الاعتراف بالدولة الإسرائيلية من جانب منظمة التحرير والدول العربية لن يكون إلا بدايةً عمليةً تعديلا وتنظيما للأوضاع الإقليمية تبعا للإرادة الإسرائيلية”.

بل يضيف بلا مواربة قائلا “إن الخطر الحقيقي في هذه المنطقة سوف يتمركز حول عدم القبول بالإرادة الإسرائيلية”.

ويأتي حرص الولايات المتحدة الأمريكية على تطبيع الدول العربية مع إسرائيل للأسباب التالية:

أولا: إسرائيل تمثل أداة وظيفية، عبر التعاون الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب، والممتد منذ نشأة إسرائيل، وارتبط بما يُسمى قوة الانتشار السريع، فإسرائيل هي رأس حربة الوجود الأمريكي في المنطقة، والممتد في المحيط الهندي، والخليج العربي، والبحر الأحمر.

ثانيا: إسرائيل ذراع أمريكا والغرب وصنيعتهم للسيطرة على المنطقة، وأحد عناصر الأمن القومي الأمريكي هو أن تصير إسرائيل الدولة المسيطرة في المنطقة، بل ويتسع مفهوم الأمن القومي الأمريكي إلى ربط أمنها القومي بوجود إسرائيل، ولذلك أخذت على عاتقها تحقيق التفوق العسكري لإسرائيل على جميع جيوش المنطقة، وأي تهديد لأمن إسرائيل هو تهديد للأمن القومي الأمريكي، ويستلزم التدخل لاستئصال أي قوى أو قيادات رافضة لإسرائيل والوجود الأمريكي الاستعماري بالمنطقة

ثالثا: الأهداف الإسرائيلية بعيدة المدى تتفق مع الأهداف الأمريكية، فالمطلوب هو تقزيم المنطقة وتحويلها إلى كيانات صغيرة تدور في فلك الأهداف الأمريكية.

وهنا ننقل مع بعض التصرف طرفا مما ذكره أستاذنا الدكتور حامد ربيع -عليه رحمة الله- عام 1983 حيث قال “إن السياسة الأمريكية تعيش أسيرة الأهداف الإسرائيلية التي تبغي تجزئة المنطقة العربية إلى دويلات طائفية، بحيث يسهل التحكم فيها، وتمكين النفوذ الإسرائيلي الاقتصادي، والذي يتستر خلف الشركات المتعددة الجنسية من التوسع، واستيعاب المنطقة”.

ويضيف الدكتور حامد ربيع موضحا أنه من جانب آخر فإن تجزئة وتفتيت هذه الكيانات يسمح بتحقيق هدفين أساسيين:

1- الوجود العسكري باسم حفظ الأمن، وخلق نوع معين من الاستقرار يسمح لقواتها عند اللزوم بالانتشار السريع.

2- السيطرة على المرافق الإقليمية، وبصفة خاصة تلك المتعلقة بالمواصلات والاتصالات والتخزين وهي مسألة حياة أو موت بالنسبة لقواتها في المنطقة، لو قدر لها أن تشتبك في معركة على قسط معين من الأهمية.

لقد استثمرت الولايات المتحدة الأمريكية الصراعات الإقليمية لدفع الدول العربية نحو التطبيع، وذلك انطلاقا من مبدأ توظيف العداوات الإقليمية، فالتصور الأمريكي يرى أن الصراعات بين دول المنطقة يمكن إعادة توظيفها لصالح السياسية الأمريكية، ويخلق تحالفا محليا لصالح التحركات الأمريكية.

فعلى المستوى الخليجي استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تستثمر التخوفات الخليجية من النظام الإيراني، وتوظفها لتحقيق استراتيجيتها ولذلك تحرص على بقاء إيران ممثلة للمذهب الشيعي انطلاقا من التوافق مع الرؤية التي ترى أن الخطر الإسلامي على الحضارة الغربية يمكن مواجهته باستمرار الانقسام في العالم الإسلامي بين شيعة وسنة، واستخدام الدول السنية لتحقيق أهداف السيطرة الأمريكية.

ولذلك بحسب اعتقادنا كان الهدف من الوساطة الأمريكية بين قطر والسعودية في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب -الذي تفجرت الأزمة في عهدة وظلت مستعرة طوال فترة حكمه- هو تهيئة الأجواء وتوفير الأرضية المناسبة ضمن ترتيبات إقليمية في المنطقة تسمح بتوسيع نطاق الحركة الإسرائيلية في الخليج، عبر شراكة استراتيجية تندمج خلالها إسرائيل في تحالف إقليمي يجعل الخطر الإيراني هدفا رئيسيا، ويوفر لها فرصة القيام بدور الضامن الإقليمي لأمن دول الخليج، تحت المظلة الأمريكية.

وهذا يحقق النظرية الأمريكية لتحويل الشرق الأوسط إلى قاعدة عسكرية متقدمة، مع ربط المنطقة بوسط أوربا وبوسط المحيط الهندي من ناحية أخرى.

في 15يناير/كانون الثاني 2021 أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن تغيير في “خطة القيادة الموحدة”، حيث تم نقل إسرائيل من منطقة عمليات القيادة الأمريكية الأوربية (يوكوم) إلى منطقة عمليات القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم).

وقد أشار البنتاغون في إعلانه عن مجالات المسؤولية الجديدة إلى “اتفاقيات إبراهام” الأخيرة بين إسرائيل ودول عربية، باعتبارها فرصة استراتيجية لتوحيد الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة في مواجهة التهديدات المشتركة في الشرق الأوسط.

يمثل الوجود الإسرائيلي في المنطقة أحد أدوات السيطرة السياسية الأمريكية، وقد عمدت أمريكا والغرب إلى تدعيم وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتوسيع نفوذها في المنطقة وذلك لاستخدامها كأداة تهديد لأي قوة عربية، وعلى رأسها مصر، فإسرائيل منذ نشأتها استُخدمت لتحزيم مصر وتفريغ المنطقة العربية من قيادتها التاريخية، بما يتفق مع الأهداف الأمريكية والغربية، والتي ليس من مصلحتها أن توجد مصر القوية القادرة على أن تكتل وراءها دول المنطقة، وهذا ما أشار إليه وحذر منه أستاذنا الدكتور حامد ربيع -رحمه الله- منذ 1983 في إطار استقرائه لأهداف السياسية الأمريكية في المنطقة

إن التسابق العربي في مضمار التطبيع، يعمق ارتباط الدول العربية بإسرائيل وأمريكا والغرب، ويزيد من ارتباط النظام السياسي العربي بهم، ويعزل نظم الحكم عن شعوبها، ويصب في تحقيق السيطرة الأمريكية والإسرائيلية، وما يتطلبه ذلك من فرض الهيمنة المعنوية على شعوب المنطقة.

إن توجه الدول العربية نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي هو أحد أهداف السياسة الأمريكية، والتي تلتقي مع الأهداف الإسرائيلية، بغية الهيمنة على المنطقة

إن اتفاقيات التطبيع الأخيرة، وخاصة اتفاق (أبراهام) مع كل من الإمارات والبحرين، والذي يُعد ثالث اتفاق مع دول عربية منذ نشأة إسرائيل، يتجاوز حدود التطبيع عند قياسه مع التطبيع المصري والأردني، فهو تحالف بكل ما تعنيه الكلمة، ويصب في تحقيق الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة، كما أنه يمثل انقلابا تاما على فلسطين والقضية الفلسطينية.

إن نظم الحكم العربية كلما ازدادت اقترابا من إسرائيل كلما ابتعدت عن القضية الفلسطينية، ولا يصب هذا الاقتراب حتى في تخفيف وطأة الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، ولكنه أسهم في تمكين إسرائيل عبر تحييد الدول المطبعة، وزاد من هيمنتها وتصعيدها في تهديد العالم العربي، ومبادرتها لاستئصال أي مصدر من مصادر التهديد لهيمنتها على المنطقة برعاية أمريكية غربية.

لقد وفر التطبيع شرعنة كان يحلم بها قادة إسرائيل، ووجه الاستراتيجيات العربية نحو الخضوع للإرادة الأمريكية والصهيونية وتطبيق سياسة الاستعمار الجديد، وتسليم إسرائيل مفاتيح الهيمنة وقيادة المنطقة، نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن يبقى حائط الصد الأخير القائم هو وعي الجماهير العربية، التي ما زالت تنظر إلى إسرائيل على أنها عدو وتهديد للأمن القومي العربي، وترفض أي شكل من أشكال التطبيع وتراه طريقا لتأكيد الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة.

 

لأول مرة منذ تطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية، هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، زار الرئيس الإسرائيلي، إسحق هيرتسوغ، ووزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، كلاً من أبو ظبي والمنامة، حيث التقيا برؤوس السلطة في البلدين، وأبرما مذكرات تفاهم وتعاون أمني قد يبدو أنه جاء في وقته.

وأفاد بيان عن وزارة الدفاع الإسرائيلية وصول بيني غانتس إلى المنامة، الأربعاء 2 شباط/فبراير، على متن طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، وهي المرة الأولى التي يزور فيها وزير دفاع إسرائيلي المملكة الخليجية وأول مرة تهبط بها طائرة عسكرية في المنامة.

وبحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، فإن جدول أعمال غانتس ضم لقاءات مع الملك حمد بن عيسى آل خليفة وولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، سلمان بن حمد آل خليفة، ووزير شؤون الدفاع عبد الله بن حسن النعيمي الذي أمضى بدوره عدداً من الاتفاقيات الأمنية مع نظيره الإسرائيلي.

وكان الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ قد زار الإمارات قبل ذلك بأيام قليلة حيث التقى بولي العهد محمد بن زايد آل نهيان ووزير الخارجية عبد الله بن زايد آل نهيان، بعد أقل من شهرين من زيارة رئيس الوزراء، نيفتالي بينيت إلى الإمارات. وقال هيرتسوغ على تويتر إنه تأثر “بحفاوة الاستقبال” التي حظي به وزوجته في أبو ظبي في مستهل “الزيارة التاريخية” التي “تحمل بشرى السلام بين الشعوب ولعموم الشرق الأوسط” حسب وصف هيرتسوج.

وعبر السفير الإماراتي بإسرائيل، محمد آل خاجة، في تغريدة، عن أهمية الزيارة التي “ستعزز من العلاقات الثنائية بين البلدين حيث نسعى لتوقيع اتفاقيات اقتصادية وتجارية مهمة بين البلدين في المستقبل القريب”.

 

باسم السلام، وقّعت كل من إسرائيل والإمارات والبحرين اتفاق التطبيع الشهير في منتصف أيلول /سبتمبر من العام الماضي، وهو أدخل إسرائيل إلى المنطقة العربية من بابٍ يختلف عن الباب الذي لم تتمكن من فتحه بتوقيعها اتفاقي السلام مع كل من مصر 1979 والأردن 1994 أواخر القرن الماضي.

هذا الاتفاق جعل إسرائيل، بحسب رأي مراقبين، الرابح الأكبر من بين البلدان الثلاثة. فما استطاعت فعله إسرائيل في سنة واحدة مع كل من أبو ظبي والمنامة لم تتمكن من فعله مع القاهرة وعمان، ولا سيما على صعيد التطبيع الشعبي، إذ بقيت الحساسيات بين الشعبين المصري والأردني من جهة والإسرائيلي من جهة ثانية. وهو مشهد يختلف على صعيد الإمارات والبحرين إذ ترجم ذلك في تبادل سياحي وثقافي وأكاديمي وتجاري ودبلوماسي.

ومن جانب آخر تقود الولايات المتحدة تدريبات بحرية ضخمة في الشرق الأوسط بمشاركة السعودية وعمان، إلى جانب إسرائيل التي تنضم لهذه المناورات لأول مرة.

ويشارك في التدريبات التي تحمل اسم (آي.إم.إكس 22) حوالي 60 دولة لكنها المرة الأولى، التي تشارك فيها إسرائيل في تدريبات آي.إم.إكس، إلى جانب السعودية التي لا تربطها بها علاقات دبلوماسي.

وأثارت مشاركة سلطنة عمان في هذه التدريبات البحرية جدلا واسعا على موقع تويتر بين من يرفضون مشاركة القوات العمانية في هذه التدريبات، ومن يؤيدونها.

ما المكاسب المنتظرة؟-يذكر أنه عندما احتضنت حديقة البيت الأبيض في أيلول/سبتمتبر 2020 مراسم التوقيع على تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين، قال الرئيس الأمريكي وقتها، دونالد ترمب، إن “شرقا أوسط جديد” سيبزغ، متوقعاً مبادرة دول عربية أخرى للتطبيع مع إسرائيل “بما فيها الدول الكبيرة”. وقال يومها وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إن الغاية من معاهدات السلام هو العمل من أجل استقرار المنطقة، مضيفاً أن أي خيار غير السلام سيعني الدمار والفقر والمعاناة الإنسانية، فيما نوّه وزير الخارجية البحريني، عبد اللطيف الزياني، إلى أن الاتفاق المبرم خطوة تاريخية في الطريق إلى سلام دائم، وأن التعاون الفعلي هو أفضل طريقة لتحقيق السلام والحفاظ على الحقوق.

وانضم المغرب والسودان إلى قائمة الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في كانون الأول/ديسمبر 2020 وكانون الثاني/يناير 2021، وسط انقسام شديد في الرأي العام، بين مؤيد لطي صفحة الماضي المشوبة بانعدام الثقة الذي “أخّر السلام” حسب قول وزير الخارجية البحريني، وبين منتقد للتطبيع كتحالف قوى الإجماع الوطني في السودان، على سبيل المثال لا الحصر، الذي أكد رفضه أي اتفاق مع إسرائيل إلى حين حصول الفلسطينيين على حل عادل لقضيتهم، حسب بيان صادر عن التحالف في تشرين الأول/أكتوبر 2020.

ورغم استبشار السودانيين خيراً بالمردود الاقتصادي من إزالة اسم بلدهم من قائمة الإرهاب، والذي تحقق بعد التطبيع، لم تتحسن أوضاع السودان بالمرة، بل ازدادت الصورة اضطراباً مع انقلاب المجلس العسكري على المكون المدني في السلطة الانتقالية.

وبالنسبة للمغرب فقد تزامن التطبيع مع إقرار الإدارة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء المتنازع عليها مع البوليساريو منذ عقود، لكن حركة حماس عبرت حينها عن “متابعتها بكل استهجان وأسف الإعلان المشترك لتطبيع العلاقات بين المغرب والعدو الصهيوني”.

واليوم، وبعد زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى الإمارات ووزير الدفاع إلى البحرين، لم يغب على المحللين ربط الزخم الدبلوماسي والاستخباري بالتصعيد العسكري الخطير المتمثل بإطلاق الحوثيين صواريخ بالستية وطائرات مسيرة استهدفت منشآت حساسة على أراضي الإمارات.

وفي هذا السياق، نقلت صحيفة أديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن مصادر حكومية “تطلع” الإمارات لتوسيع ترسانتها من أنظمة الدفاع الإسرائيلية، وإن هذا القرار جاء بعد الهجوم على أبو ظبي. وفي سياق مشابه، نقل موقع أكسيوس الأمريكي عن السفير الإسرائيلي السابق في البحرين، إيتاي تغنر، قوله إن البحرين تنظر إلى العلاقة مع إسرائيل كجزء من استراتيجتها ضد التهديدات الإيرانية.

كيف يرى المواطن العربي خطوات التطبيع مع إسرائيل؟

هل يحقق التطبيع تطلعات المواطن العربي بإرساء السلام وازدهار الاقتصاد؟

هل تقدم إسرائيل الدعم اللازم لحماية دول خليجية من هجمات الحوثيين؟

كيف ترون تجارب الدول المطبعة حتى الآن؟

هل تتوقعون انضمام دول أخرى لقافلة التطبيع؟

 

اسرائيل أكبر المستفيدين من داعش واخواتها

إعداد: إحسان مرتضى

باحث في الشؤون الإسرائيلية

 

يقرّ المحلّل العسكري الاسرائيلي رون بن بشاي في موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن تنظيمات ما يسمى الجهاد العالمي لا تستهدف حاليًا إسرائيل، وأن حربها الآن هي مع الأنظمة العربية. وقد اتضح أن الهدف الرئيس من ظهور هذه الجماعات التكفيرية المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط، مع اندلاع الأزمة السورية وبعدها العراقية، هو السعي لتفتيت الدول العربية وإضعاف جيوشها، الأمر الذي يعتبر من أبرز الأهداف التي تسعى الدوائر العسكرية الصهيونية الى تحقيقه منذ نشوئها.

 

 

 

 

 

أوجه التشابه بين داعش وإسرائيل -في واقع الحال، نحن اليوم أمام عراق ممزق، وسوريا مستنزفة ولبنان قلق ومضطرب، والقضية الفلسطينية منسية ومهمشة، وكذلك هي حال اليمن وليبيا والسودان.

وثمة خريطة جديدة للعالم العربي ضاعت فيها الأوطان واجتاحتها وحوش القبائل والطوائف والمذاهب، والواقع الميداني على الأرض، حيث القتل والذبح وأكل القلوب، هو من يرسم المستقبل البائس لشعوب هذه المنطقة. وما من شك في أن الدوائر السياسية الصهيونية، بحسها الانتهازي المعروف، هي المستفيد الاكبر.

وعلى هذا الصعيد نشر موقع «فيترانس توداي» البحثي تقريرًا له حول أوجه التشابه بين داعش وإسرائيل، وقال إن إسرائيل تدعي أنها الدولة اليهودية كما أن داعش تصف نفسها بأنها الدولة الإسلامية، ولكن تلك الكيانات الإرهابية تعرف نفسها من حيث الايديولوجيات الطائفية العنصرية الصارمة. ويضيف الموقع أن كلًا من داعش وإسرائيل يعيشان على أرض مسروقة ويدوسان بوحشية الشعوب التي يرونها أقل منهم قوة، كما أنهما يفخران بارتكاب الفظائع الرهيبة. فداعش وإسرائيل كيانان إرهابيان يمكنهما العمل معًا، ولهذا السبب هناك مئات الإرهابيين من تنظيمي داعش والنصرة تتم معالجتهم والعناية بهم إلى اقصى حد في المستشفيات الإسرائيلية.

ويختتم موقع «فيترانس توداي» بقوله: يوجد بين إسرائيل وداعش الكثير من القواسم المشتركة، بما في ذلك الطائفية وجرائم الحرب وزعزعة استقرار الدول المجاورة، والعيش على أرض مسروقة، وعليهما الاندماج في كيان واحد، فذلك الكيان سيكون مناسبًا للأشخاص الذين نشأوا وتربوا على الكراهية، وبالتالي فهم يستمتعون بإطلاق النار على الأطفال والنساء وكبار السن والأسرى.

كيف تستفيد اسرائيل من داعش؟ -تستفيد اسرائيل من تصرفات داعش بحيث أنها تقوم بتعزيز علاقاتها ببعض دول الجوار ومدّ جسور اتصال مع الأنظمة العربية المتهالكة، وقد ورد ذلك على لسان وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان، عبر الدعوة لتشكيل تحالف عربي -إسرائيلي، لمواجهة الجماعات المتطرفة، على حد قوله!!. وأكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» كذلك أن وصول داعش للعراق والأعمال التي تنفّذها هناك ضدّ الأقليات الدينية من قتل وتهجير، قد ساهم في تعزيز العلاقات الأمنية مع الأردن بشكل خاص. واستفادت إسرائيل ايضًا من الحرب على سوريا، لأنها تدمر هذا البلد وتستنزف جيشه وتشرّد أهله. وبينما سلّم النظام هناك أسلحته الاستراتيجية للغرب، تقيم إسرائيل الآن «حزامها الأمني» و«منطقتها العازلة» في الجولان على طريقة الجدار الطيب في جنوب لبنان (العام 1978)، كما أنها تمارس ضغطها على إيران وتبتزها في برنامجها النووي، إن لناحية اغتيال علمائها أو لناحية تحريض الشرق والغرب ضدّ ما تحرزه من نجاحات واضحة في هذا المجال. وهي تضغط على أميركا لمنع الاتفاق مع إيران حول المشروع النووي لأنها تريد تفكيك هذا المشروع كليًا.

تستفيد اسرائيل من الحرب على الإرهاب دعائيًا واعلاميًا لتنفي التهمة عن نفسها وتقول إن «الارهاب» موجود على ابوابها ويتمثل في منظمات المقاومة الفلسطينية المسلّحة على انواعها، ولذلك لا بد من نزع سلاحها قبل إعمار غزة، ولا بد من تدمير الأنفاق، ولا بد من اتخاذ كل الاحتياطات الأمنية وإطلاق يد إسرائيل في الدفاع عن أمنها ومصالحها الاستراتيجية من دون أي لوم أو عتاب. وفي الخارج، تقول اسرائيل إن الإرهاب على بابها في الجولان، وعلى الحدود الأردنية، وفي ما يواجهه النظام هناك من تحديات ومخاطر وعلى الحدود المصرية في سيناء، وبالتالي لا بد من توفير كل الحمايات لها وفي كل الاتجاهات.

والأخطر اليوم هو ما تقوم به اسرائيل من مناورات سياسية للتخلص والتحلل من موجبات ما تفرضه انتهاكاتها القانونية الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس وذلك بناء على ما جاء على لسان نتنياهو: «إن المبادرة العربية الصادرة عن الجامعة العربية في العام 2002، لم تعد ذات صلة بالشرق الأوسط بعد أن شهدت المنطقة تغييرات كثيرة، تبدأ من قطاع غزة، وتمر بسوريا والعراق وتصل إلى إيران. والمبادرة أعدت بالأساس لمرحلة سابقة ومختلفة وذلك قبل سيطرة حماس على غزة، واستيلاء داعش على أجزاء من سوريا والعراق والتفكك الفعلي للبلدين، وأيضًا قبل أن تسرع إيران وتيرة برنامجها النووي، ويسيطر تنظيم القاعدة على الجولان، وهذا هو جوابي على المبادرة وما تنص عليه من انسحاب إسرائيلي من الجولان. توجد حقيقة هنا وهي اعتراف أكثرية دول الشرق الأوسط بأن إسرائيل لم تعد عدوها الأبدي، وعلى أقل تقدير هي حليف محتمل في التصدي للتحديات المشتركة»!

يستغل الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، عوزي ديان، الأحداث القائمة ليبرر احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية وممارسة المزيد من البطش والإرهاب ضد الفلسطينيين بقوله إنه «في حالة انعدام يقين كهذه، ينبغي العمل وفق قاعدتين: جهّز نفسك وفق قدرات العدو، وليس وفق نواياه، وحافظ بحرص شديد على كنوزك الاستراتيجية، وبخاصة الحدود الآمنة. وينبغي أن توفر الحدود الآمنة لإسرائيل عمقًا استراتيجيًا في مواجهتها لتهديدات تقليدية أو هجمات إرهابية». واعتبر ديان أن حدودًا آمنة كهذه موجودة في الجبهة الإسرائيلية الجنوبية بفضل جعل سيناء منزوعة السلاح، بموجب اتفاقيات كامب ديفيد، وفي جبهتنا الشمالية بفضل امتناع إسرائيل عن تسليم مرتفعات الجولان إلى سوريا. وأوضح ديان أنه في الجبهة الشرقية مع الأردن توجد حدود أمنية تستجيب للاحتياجات الأمنية الإسرائيلية وهي غور الأردن حيث أن معدل المسافة بين نهر الأردن والبحر المتوسط هو 64 كيلومترًا، وهي تشكل حدًا أدنى من العمق الاستراتيجي، وأن غور الأردن من النهر إلى الجبال المطلة عليه، هو حيز دفاعي لا بديل عنه، ويشكل غلافًا دفاعيًا ضد نشوء كيان معاد في الضفة الغربية، وضد أي هجمات خارجية محتملة. وخلص ديان إلى أن الرسالة قد وصلت من العراق وسوريا، ومفادها أن السيطرة الإسرائيلية الكاملة على غور الأردن كله، كمنطقة أمنية تستند إلى نهر الأردن كخط حدود… هي فقط التي ستوفر الأمن للدولة العبرية، على حد زعمه.

كتب المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل أن ثمة أفكارًا تراود الإسرائيليين على أثر «فورة داعش» في العراق، أهمها تلك التي تتعلق بالترتيبات الأمنية التي يبقيها الأميركيون وراءهم. وقال المحلل: علينا أن لا نسلّم ذقوننا للولايات المتحدة، ونعتمد عليها في تغطية الشق الأمني والعسكري في ما يتعلق بأي اتفاق سلام محتمل مع الفلسطينيين، خصوصًا وأن انهيار الجيش العراقي هو الثاني من نوعه لقوة عسكرية أقيمت على أيدي الأميركيين في السنوات الأخيرة. وكان قد سبقه في الشهر نفسه من العام 2007، إنهيار قوات السلطة الفلسطينية في غزة في أيام معدودة، تحت هجوم كاسح نفذته حماس. وتابع المحلل قائلًا إنه منذ ذلك الحين، حسّن الأميركيون مستوى قوات الأمن في الضفة الغربية، وعلى الرغم من ذلك، من حقنا أن نطرح السؤال: ماذا سيحدث في الضفة عندما تنسحب إسرائيل منها وتبقى السلطة الفلسطينية وحدها لإدارة شؤونها! وهو يشير هنا إلى قاسم مشترك بين الجيش العراقي وأجهزة السلطة الأمنية، فالجنرال الأميركي المتقاعد جيمس جونز هو نفسه الذي شارك في وضع الخطة العسكرية التي أعدتها الولايات المتحدة لكليهما. من هنا نستطيع أن ندرك كيف تعمل اسرائيل للاستفادة من ظاهرة داعش واخواتها من قوى التكفير والتدمير لأقصى درجة في تمرير مشاريعها وتبريرها، وهذه المرّة بذريعة الخطر الأمني وليس بالهاجس الأمني كما كان سابقًا. أما أميركا والغرب فيستفيدون في مجال استثمار خيرات المنطقة من بترودولار ونفط وغاز ومواد خام بأسعار متدنية وزهيدة جدًا، ومن تصدير الأسلحة والمنتجات الاستهلاكية بأسعار خيالية…

من الأقوال المأثورة للزعيم البريطاني الراحل، ونستون تشرتشل: «إن الأميركيين لن يستخدموا الطرق الصحيحة لحل المشاكل إلا بعد أن يستنفدوا جميع الطرق الخاطئة». وهو قول تثبت التطورات صحته اليوم. فإقدام بوش الإبن على سحق العراق وتفكيك مؤسساته جاء في إطار تجريب الطرق الخاطئة. والآن يعود الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المربع الأول، أي إلى الطرق الخاطئة في التعامل مع منظمة داعش الإرهابية واخواتها في العراق وسوريا، والمقصود هو التجربة التي مارستها أميركا في أفغانستان في دعمها للقاعدة وطالبان وغيرهما من أتباع الجهادية السلفية والتي انتهت بكارثة 11 ايلول 2001 على قاعدة أن طابخ السم آكله. وما يجري الآن هو «طلبنة» العراق وسوريا، وربما محاولة جر ذلك إلى لبنان، إذ نسمع هذه الأيام عن تقديم أوباما طلبًا إلى الكونغرس الأميركي بتخصيص نصف مليار دولار لدعم «الجيش السوري الحر» تدريبًا وتسليحًا، بينما في الحقيقة ستسلّم هذه الأسلحة إلى داعش، لأن لا وجود للجيش السوري الحر على أرض الواقع العملي في سوريا، وإنما الموجود هو المجموعات الإسلامية الإرهابية، داعش وجبهة النصرة وغيرهما من قوى التخريب والتخلّف والإجرام.