ربما اختلف مع الكثير من الباحثين والكتاب والمؤرخين في تحديد الفترة الزمنية لاكتشاف الصحافة الصفراء واساليب الدعاية والحرب النفسية لان تلك النماذج لم تكن وليدة العصور المتأخرة او الجيل الذي سبقها بل اؤكد ان تلك الوسائل ظهرت مع ظهور البشرية بدءا من ابونا ادم وحتى يومنا الحالي، لكنها اختلفت بمسمياتها وادواتها ووسائلها، ولعل الذي جعلني اتيقن واتمسك بهذه الحقيقة، ان كل كل نبي او رسول بعث ليبلغ رسالة السماء كان يستخدم وسائل اعلام ليخبر الناس بما جاء به، وفي نفس الوقت كانت هنالك وسائل اعلامية مضادة تستخدم الكذب والافتراء والحيلة لتزييف الحقائق.
ولعلنا نخدع يوميا باكاذيب تلك الوسائل دون ان نشعر بل الادهي من ذلك انخرطنا لنكون ادوات لترويجها خصوصا في هذا الوقت الذي اصبحنا فيه نعتمد على المعلومة الجاهزة المنمقة دون ان نتعب انفسنا بتحليلها والبحث بين سطورها والسعي لاكتشاف اهدافها.المقدمة اعلاه استوقفتني وانا اسمع مرارا وخصوصا حينما يحل شهر محرم الحرام عبارة (ان الشيعة هم من قتل الامام الحسين عليه السلام وهم من يبكون عليه) وكأننا من خلال احياء مراسيم عاشوراء نعيش في خداع من ذاتنا او نحاول ان نرمم ما قام به اجدادنا او اننا نعيش حالة من النفاق الذاتي.
الا ان تلك الكذبة التي خدعت الكثير منا اطلقت بعد ان ايقن المعادون لاهل البيت عليهم السلام بان شيعة العراق عرفوا عبر التاريخ باخلاصهم لائمتهم وان مواقفهم البطولية كتب عنها العدو قبل الصديق ولعلنا نعيش اليوم في ظل التفاف جماهيري حول مرجع ديني وقدمنا الغالي والنفيس واستجبنا دون ان نتردد لفتوى اطلقها كوننا نعتقد انه نائب لامام معصوم، ولكن كيف بنا لو كانت تلك الفتوى اطلقت من امام معصوم يعيش بيننا، ولعل الاعلام المضاد استشعر تلك الخطورة وكان ولازال متخوفا من ان تكون الكوفة عاصمة للتشيع والبصرة شاهدة على من وقف بوجه الامام علي عليه السلام فنعت اهل الكوفة بالخونة وحاشاهم من ذلك الاتهام ونعت اهل البصرة باشباه الرجال وهم اشد الرجال.
ولعلنا لو استوقفنا قليلا وامعنا النظر في جواب الامام الحسين عليه السلام الى من راسله من اهل الكوفة نجد في مقدمتها “بسم الله الرحمن الرحيم: من الحسين بن على، إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين” ونلاحظ ان الامام الحسين عليه السلام استخدم عبارة (المؤمنين والمسلمين) ولم يستخدم كلمة (شيعتي) وهذا الامر يدل على ان الامام الحسين عليه السلام كان يعلم بان بني امية جاءوا برجال من اتباعهم الى الكوفة على اساس انهم من شيعته وطلبوا منهم ارسال رسائل الى الامام الحسين لاستدراجه الى كربلاء ومن ثم قتله، وهم في الاصل ليسوا من شيعة الامام الحسين بل من شيعة بني امية على اعتبار ان كلمة الشيعة تطلق (للاتباع) ونستدل في ذلك في الكتاب الذي ارسله يزيد إلى ابن زياد حينما كان واليا على البصرة ، كما رواه الفتال النيشابوري في روضة الواعظين ص 174: ( أما بعد : فإنه كتب إليَّ من شيعتي من أهل الكوفة يخبرني أن ابن عقيل بها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة، حتى تثقبه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام).ولعلنا نتيقن اكثر في وصف الامام الحسين عليه السلام لهم حينما قال “ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم”.
ختاما فان الامام الحسين لم يقتل بسيف شيعته وانما بسيف شيعة بني سفيان ولازال شيعته يندبونه كل صباح ومساء للاخذ بثأره ويتمنون لو انهم كانوا في زمانه لما بقي لال بني امية باقية على وجه الارض.