قرأت خبرا مؤخرا تداول فيه المهتمون رفض الجهات القضائية الدستورية في العراق والجهة البرلمانية فكرة إقامة إقليم “جديد او آخر” في العراق للغربية او غيرها من المناطق إثر تقدم محافظ معين بطلب ذلك ،
يظن الذين يرفضون والمواطنون الذين يؤيدونهم -دون تحقيق ودراسة- ان المناداة بإقامة إقليم يقدح في الوطنية وذلك لجهة تفتيت الوحدة -كما يتصورون- ، والحقيقة ان فكرة “رفض الإقليم” هي الفكرة المرفوضة منطقيا وعدليا وواقعيا وذلك لأسباب كثيرة اولها هو التعليل نفسه الذي ساقته الجهات الرافضة ،
قالوا نرفض “اقامة إقليم آخر” ، اي بعد إقليم الشمال ، وهذا هو الغريب ، هم يعترفون بوحود اقليم اساسا فكيف ترفض إقليم للغربية او الجنوب او الوسط بينما قد سمحت للشمال بإقليم وهو قائم يشارك بخيرات العراق ويمنع أبناءه من ممارسة حرية الانتقال والسكن وحقوق دستورية اخرى يفقدها المواطن الذي يدخل المحافظات الشمالية اذا كان ليس من قوميتهم اي عملية عنصرية بحتة ،
بل ان المسافر إلى خارج البلد بجوازه الموحد عن طريق منافذ الشمال يلاقي عقبات ويعاني الأمرين وانا احد الذين تعرضوا لمضايقات خروج من دهوك إلى خارج العراق دون سبب أمني او سياسي او جنائي بفضل الله سوى انه قال : خذ زوجتك و عد واخرج من مطار بغداد ! وكان ذلك الساعة الثانية بعد منتصف الليل في عز البرد والمعاناة وانزلت من الباص المنطلق وتركونا في المنطقة المنقطعة مع حقائبنا في العراء ، فالمثال حقيقي وغير منقول افتراء، بينما يمارس أبناء الشمال حقوقهم الدستورية كافة عند قدومهم الى بغداد او الغرب او الجنوب كمواطنين عراقيين معززين مكرمين ، دون حاجة إلى اوراق إقامة او شروط كما يحدث في الجهة المعاكسة،
إذن في الاقل اذا اكتملت الأقاليم سيفرض اهلها قوانين معاملة بالمثل تجعل الطرف الآخر يحد من عنصريته واستهتاره بالدستور عندما يجد ان مصالحه ستتعرض للضرر كما يعرض هو مصالح العراقيين الآخرين للضرر فيرعوي ويتراجع عن الأفعال الانفصالية والعنصرية، أو عليكم بالغاء إقليم الشمال لنتساوى،
اما الأسباب الأخرى فكثيرة و اولاها التطوير الذاتي للمدن فالحكم المحلي شبه المستقل او الفدرالي يترك زمام الأمور وتصريفها بيد اهلها وأهل مكة ادرى بشعابها ، هذا فضلا عن حفظ الكرامة فكثير من المناطق تعاني عند حاجتها للمركز او المناطق الأخرى من التهميش او الاستهداف او الشيء القليل المتبقي من النفس الطائفي وأحيانا الاستبعاد المحاصصي ،
وهذا يؤثر على تطور وعلى نجاح الاجيال في مناطق متفرقة من العراق، ولا ننسى التنافس الشريف نحو التقدم على الآخرين اذا اتيحت للاقاليم ميزانيات وصلاحيات واستقلال اهلها اختيار قاداتهم بعيدا عن سيطرة إيران او تأثير الخليج او تلميحات تركيا ، اما أمريكا فهي قدر محتوم على كل العالم الماهول اليوم .
ولا حاجة للاحتجاج بدول فدرالية بل وكونفدرالية قوية وناجحة ولا يربطها الا الجواز والعملة والجيش وقبل كل ذلك الولاء للوطن الشامل ،
لا خوف من التفتت او الانضمام إلى دول مجاورة فهذا لا يكون ، بل العكس فالاخوة في بيت واحد عندما يؤسسون عوائلهم الخاصة يتخاصمون ويتصارعون وعند استقلالهم ببيوتهم يجتمعون ويتحابون ويبقى ولاؤهم دائم ينصر بعضهم بعضا في الملمات ، إن فكرة الدولة المركزية قد تنجح في عهد رجل قوي او نظام مستقل او ديمقراطية حقيقية ، اما حكم متخلخل يدين للخارج اكثر من الداخل وتحكمه الولاءات والاصطفافات اكثر من المؤسسات فإن الدولة اللامركزية-لاشك- افضل منه بكثير.