22 ديسمبر، 2024 11:33 م

في زمن وباء كورونا تغيرت كل قوانين الطبيعة وأبجديات الحياة، ولم تعد نظرية للفعل رد فعل تعاكسه في الإتجاه قائمة أو فاعلة، فقد أصبح للفعل إتجاه واحد.
استطاع هذا الفايروس تحقيق إنتصارات عجزت عن تحقيقه أعتى نظم الطغاة والديكتاتورية من تكميم أفواه الناس بأنفسهم وإلزامهم البقاء في منازلهم وإخلائهم ساحات التظاهر عنوةً وبرغباتهم وقناعاتهم المحفوفة من مخاطر هذا الوباء، وإستطاع هذا الكورونا من إقناع النخبة بضرورة الإنعزال فُرادى لتصبح فيما بعد نظرية التظاهر والعمل عن بُعد أمراً واقعاً. وتكون شعاراتهم وعناوينهم أصداء تذوب تدريجياً إلى أن تختفي بين ذرات الكون وبهذا أصبح المواطن كما خُطط له أن يكون سلعة قليلة العلف وسريعة التلف وقابلة للإستبدال وذات صلاحية محدودة جعلت الشعب ينقاد بصورة غير إرادية ومُسلّم بها لسلطة الحاكم الذي إنتصر بفعل كورونا وغواية التسلط التي نشطت في زمن هذا البلاء، ولاننسى ذلك الإعلام المتلون الذي أيقظ في النفس البشرية ذلك الإحساس المتناقض والشعور المضاد بين أخذ اللقاح ضد الفايروس وبين الرفض، حقاً لقد إستطاع هذا الإعلام أن يمازج بين (نعم-لا)، وشكراً للحكومات التي رفعت شعار لاتتظاهر بالشارع (وخليك في البيت) فأصبحت لافتات المتظاهرين هي شاشات الكمبيوتر والكيبورد، وأصبحت الكمامة هي التي تكمم الأفواه بعد أن كان القمع والإستبداد هما من يغلقان أفواه المتظاهرين.
لاننسى في زمن كورونا محاولات الدجل والآعيب السحرة وقصص الشعوذة التي عادت بنا قروناً إلى الوراء متخلفين جهلة بالنتيجة إستطاعت كورونا أن تحول الوطن إلى منفى، وجعلت البيت ذلك الملاذ الآمن الذي نلوذ به من هذا الوباء والجميع أصبح ينادي بالتباعد الإجتماعي، والمفارقة أن كورونا إستطاعت أن تُسقط ورقة التوت الأخيرة التي كانت تحمي المنظومة السياسية وعوقها ورفعت عنها كل عيون الإحتقار والإستهزاء من المواطنين بعد أن إمتصت تلك الحكومات أو المنظومات الصدمة من الشعب وبدأت تستعيد نشاطها وتسلطها على رقاب البؤساء إلى جعلهم يرضخون للأمر الواقع، لتتكون في المستقبل نظرية الإعتراف بالأمر الواقع أو إنك أيُها المواطن حتى إن طالبت بالغزال فبالنهاية ستحصل على الأرنب.
لقد اختلف الفعل عن رد الفعل فلم يعدّ هناك رد فعل الأمر الذي يتطلب من السُراق واللصوص والعاهرون أن ينحنوا خشوعاً أمام إغراءات الفايروس وسلطته وأن يقدموا له الشكر والإمتنان وليرفعوا له قبعاتهم تبجيلاً لذلك الكورونا الذي أنقذ كراسيهم.