17 نوفمبر، 2024 7:49 م
Search
Close this search box.

يضرب بالثريد ويريد تغيير!

يضرب بالثريد ويريد تغيير!

الثورات والإصلاحات، لا يصنعها الاّ الجياع والمحرومين والمظلومين، وأما من يعيش بالترف والبذخ لا يرجوا منه ذلك، بل غالباً ما يكونون هم حجر عثرة في طريق الثورة الإصلاحية، خوفاً على مصالحهم ومكانتهم الاجتماعية.

الثريد هو الخبز المفتّت مع المرق، طعام يعود تاريخه للعصر الجاهلي، ولذلك سميّ جد النبي”ص” بهاشم، لهشمه الطعام للفقراء، وكان هذا الطعام شائع في ذلك العصر، ومن هذا الشياع نفهم أنها كانت أكلة الفقراء، بإعتبار غالبية المجتمع أنذاك هم فقراء، ولذا كان رسول الله”ص” يحبه، مواساة للضعفاء والفقراء ومشاركة لهم في جشوبة العيش.

الشيء الغريب، ان بعض علماء المسلمين، حاولوا جهد الإمكان ان يثبتوا علمياً ان الثريد هو أفضل أنواع الأطعمة،فقالوا انه يحتوي على مواد غنية،نسبة الماء به كذا،ونسبة البروتين كذا.. الخ، هؤلاء العلماء يريدون ان يأكدوا صحة الحديث النبوي من جهة علمية،الحديث يقول:( وان فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)،وهو من الأحاديث البكرية الموضوعة،التي استخدمها معاوية في سياسته،قبال الأحاديث الصحيحة المروية عن النبي”ص” في فضائل أهل البيت عليهم السلام، ولا زال أهل السنّة يعتقدون بصحة هذا الحديث.

انا لا أعلم هل عجز نبيّنا”ص” عن الوصف، حتى يصف أمّنا عائشة بالثريد؟! وهو من جاء بالفصاحة والبلاغة، ثمّ ان الدراسات العلمية الحديثة في التغذية، تقول: ان اللحوم أفضل الأغذية لإحتوائها على نسبة عالية من الحديد، التي تساعد في تكوين خلايا الدم، ثم تأتي البقوليات في المرتبة الثانية، وبعدها الحبوب في المرتبة الثالثة، ولا شك ان الثريد ليس من اللحوم!!

العقول العربية،لم تتفنن في علم التكنولوجيا، ولا في التطور العلمي والصناعي والزراعي،لكنها تفننت في الثريد،أو التشريب،أو الفتّة،أو الخشخوشة،حسب مسميات الثريد عند الدول العربية،فقاموا بتطوير الثريد مع تطور الزمن، فأخذوا يضيفون عليه السلطة، وبعض الخضار المقطعة، والبيض، والباقلاء، اضافة الى اللحم، ولعل علماء التغذية، كانوا يقصدون ثريد هذا العصر، وليس ثريد الجاهلية، لانه يحتوي وجبة غذائية كاملة! ولا يستطيع الفقير أن يأكله، الاّ ان  يعود الى العصر الجاهلي.

الأكراد كان لهم النصيب الأوفر في الثريد، ولكن في النكات فقط، كهذه النكتة:( كردي عنده قرد يوميه ينطيه ثريد .. ضاج القرد جان يشمر الماعون مال الثريد بالكاع جان يكوله الكردي ولك ليش مو هسه الله يكلبهه بينه كال القرد بعد شيكلبهه بينه اني قرد وانت كردي).

أصبح الثريد عند العراقيين، له دلالة معنوية غير الدلالة المادية، فالعراقيون يطلقون على الإنسان الذي له علاقة قوية ومتينة مع بعض الأشخاص ب( ثارد وياهم للعچس )، ويسمّون أيضاً الإنسان المُنهَم والشغوف بالطعام( ابو الثريد)، الذي همه علف بطنه، بمعنى آخر انسان مادي.

من طريف ما يذكر:جاء شخص لأحد علماء الدين، فقال له:  سيدنا أريد أن اكون روحانياً، وكان هذا الشخص له كرش كبير! فلما نظر إليه عالم الدين، قال: كيف تريد ان تكون روحانياً وانت تأكل الثريد؟!

السياسيون في العراق، يدعون الى التغيير، ويطالبون بالإصلاح، وهم يعيشون حالة الترف والبذخ، ولهم كروش ضخمة من أكل الثريد، وبطبيعة الحال هذا الشيء لا ينسجم مع دعواتهم المطالبة في الإصلاح، فمتى ما تركو العيش الرغيد، وخفضوا من مرتباتهم الهائلة، وتنازلوا عن المستحقات والامتيازات الزائدة، تلك الساعة صدقوهم بأنهم سيقومون بالإصلاح وتغيير الأوضاع.

قال أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام:(أأقنع من نفسي أن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش، فما خُلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة).

أحدث المقالات