للإصلاح أبواب كثيرة وأهمّها النقد البنّاء ,وهذا ما يُفترض كطريق حسيني صرف ..هنا نتناول موضوع ترهّل القدرة على “الاكتفاء المعنوي الّلازم بالمسمّى لذاته”, كأن نقول كربلاء “المقدّسة”.. فاسم المدينة وحده دلالة كافية من دون إخضاعها لتلوين ,وتوسيع المسمّى ناتج من “عدم قناعة”.. لم نسمع في الماضي القريب “المقدّسة” على كربلاء ولم تسمع المصادر ولا المدوّنات بالنجف ولا الأزهر “الشريف” ولا حتّى مكّة “ببلاد الحرمين”.. تصنيفات تتوالد, أمام مستقبل مفتوح لم يعد فيه يوم القيامة: “ألّف أو تؤلّفان..الخ” كما شاع في السابق ,فكيف سيبدو خلاله حال المسمّيات؟.. إذ لو ترك الحال هكذا فريسة ل”السجيّة الدينيّة” دون تروٍّ أو الدعوة لتأسيس “لجان متابعة مصلحة اللغة” مثلًا, ستتحوّل المسمّيات إلى أعباء وأضرار غير منظورة منها حتّى أضرار اقتصاديّة ,طبعًا وفق حسابات ماليّة لدول متطوّرة فلطالما “تشتعل النار من مستصغر الشررِ”.. لم تكن تسبغ الألقاب لولا التردّي الاقتصادي وفقدان العدالة الّذين عصفا بمجتمعاتنا منذ ثمانية قرون أو أكثر, فوجدت هذه المجتمعات الملتاعة في رموز بعينها أرض خصبة لما اشتهر عنها القوّة والتواضع في آن ولأقصى الحدود, ارتفع بها أصحابها فلم يقلّل من شأنهم القناعة بشظف العيش بل ازداد.. مثل هذا التبنّي المجهول المصدر في رسم إضافات التبجيل لهذه المدينة أو لذلك الرمز غايات مادّيّة بالطبع, ويخطئ من يظنّ أنّ ما يحصل في هذا الأمر ليس له تأثيرات جانبيّة على مجمل الناتج والإفراز الوطنيّين سواء في التداخل أو الترابط الاجتماعيّين ينسحب على مجمل النواحي ,اقتصاديّة أو سياسيّة أو حتّى علميّة, ولذلك نجد تلك الرموز في حياتها كانت حريصة على أن تتجرّد من أيّ بهرجة لفظيّة تلحق بمناداها لإدراك أصحابها عواقبها الاجتماعيّة والنفسيّة المضرّة, والقرآن مليء بمثل هذه “العواقب”, وهي هذه الرموز الّتي ضحّت لأجل نزع البهرجة اللفظيّة في المناداة عن من سبقها قبل الاسلام !.. ما يدفع الناس منذ قرون لولوج أبواب “البدائل” حتّى وصل الأمر بها أخيرًا إلى إدخال الرقص والمزامير على الشعائر “الحسينيّة” كالّتي يعرضها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ,وباسم الحسين ,وربّما نسوا أنّ الإسلام دين الحسين هو دين رحمة ويُسر لذاته لا دين مناكفة وعسر, ولذلك بدأت الدعوات “الشيعيّة” ترتفع مؤخّرًا تطالب بوقف مثل هذا الزحف الجديد بعد أن كانت تطالب بوقف التطبير واللطم فلا من مجيب! ..بحسب رأي الكثيرون نهج ترقية المزار إلى “خلوة” لتحقيق الأماني:<حالة تعويض عن العلاقة الّلا تصالحيّة مع “الله”> لشعور عميق لمرتاديها تجاه الخالق “بالتقصير” يرافقه وساوس و”مُشكّكات” بدل الثقة برحمته ( ومن دون وسيط ) ,حتّى تراكم “المقدّس” بعد أن أوجدوه ما دام ,بحسب مدركاتهم, قد تحصّن أصحابها على “العصمة” من الله بحسب نصوص لم يحقّق جيّدًا من صحّتها ..كما وأيضًا تلك الاستخدامات لدى ممارسوها تثخن لغة العرب ما ليس بحاجة إليه, ستنكمش زيادة ما تعاني من صعوبة في مسايرة نواتج العصر, يزيدها بلّة بين لقب وبين مقدّس وبين ارتقاء تلكّأ نموّ في عمليّة الابداع لدى المثيرون له وقيود للكلمة عند الحوار أو النقاش ..ففلان “قدّس الله سرّه” وذاك “آية الله” وبين باشا و”بيگ” و”سعادة” يصبح البناء التعبيري اللغوي اليومي يمرّ بنفس ما مرّت به المجتمعات الغربيّة الكنسيّة في القرون الوسطى من عسر.. الرسول نفسه وهو آخر عنقود النبيين وصاحب التزكية الإلهيّة لم يسبغ عليه القرآن لقب من خصوصيّة لذاتها بل اهتمّ بسلوكه وهي رسائل مباشرة لأتباعه تذكّرهم دومًا أنّ “محمّد” بشر وعظمته من عظمة أخلاقه وتواضعه, وعلى الأصحاب, وعلى “الآل” ,يكونوا مثله ..بعيدًا عن التزيّن بألقاب هي من الأسباب الّتي استدعت لظهور الإسلام للقضاء على ظاهرتها ..والحرص على الاعتناء بتزويق المسمّيات يُبعد من يلجأ إليها الالتزام بجمال مضمونها المبسّط ..ولذا نرى “المتوجّس” يظنّ بالحسين أو بآل البيت” بحاجة لتقديم أفضل!.. هنا كأنّه يطعن بمصداقيّة ما اشتهر عنهم بما تعبوا من صراع مع ذات كلّ منهم لتحقيقه!.. تذكّرني هذه العلاقة “ذات المردود العكسيّ” بزمن أصبح عندنا امتلاك السيّارة فيه أمر ميسور بعد الطفرة الاقتصاديّة “التأميم” أحسنت الدولة في هذا الجانب استغلاله آنذاك ,والسيّارة نضربه مثالًا كونه من مقتنيات الأغنياء فقط ,قبل التأميم ,وإذا بالسيّارة بعده وقد أصبحت فجأةً بمتناول الجميع! ,لذا تهافت جانوها الجدد التسابق في تزيينها من داخلها وبحماس اعتمادًا على معايير ذائقة متوارثة حدّدت على ضوئها ذائقتهم الفنّيّة يزيّنون على خلفيّتها “الدشبول” ويُذهّبون علبة “الكلينكس” ويهتمّون بنمنمتها وبتعليق التمائم وآية الكرسي والمعوّذتين الخ ,فيضيّع على صاحبها من حيث لا يعلم تصميم داخل السيّارة الأنيق في أصله.. الألقاب لا تزيد من الشخص قيمة عند الله ,بل عند الناس الخائفون المُهجّسون, فالناس جميعًا يأتون الله “يوم القيامة” بلا ألقاب وبلا ملبس, “ربّ كما خلقتني” كما يُفترض ,فقط يأتون حاملين أعمالهم..”
على ما أظنّ ,إن بقي الحال على ما هو عليه من استدراج لمزيد من الألقاب “الدينيّة ” ,إنّما مزيد استدرار للأرباح” بعلاقة طرديّة, وعلى حساب يسر الدين أيضًا ,ليس بمستبعد فيه أن تتطرّف مجتمعاتنا “المتديّنة” في الجنوح بمزيد من الألقاب, رغم انّها خارج أوامر الدين أو نواهيه, من مثل “عليه السلام صلّى الله عليه وسلّم رضي الله عنه الخ” تداولها الناس وتعودوا عليها حتّى اعتبرت في عصور متأخّرة من الملزمات بدل ان يقال كما تعوّد الناس في بداية الإسلام أن ينادونه في حياته: “يا أبا الحسن”, وناس اليوم ليسوا بأقلّ شأن من الناس أولئك.. ولأنّ بمثل هذا التراكم الكمّي المفرّغ من النوعي ,من الألقاب قبل الإسلام ,بهذه الطرق والأساليب ؛بسببها تراكمت أعداد الآلهة! وعندما يقال لهم آنذاك ,أي قبل الإسلام: لماذا لا تدعون الله مباشرةً ,فيجيبون (إنّما ليقرّبونا إلى الله زلفا) في تهكّم واضح من القرآن لمثل أولئك الظانّين بالله لا يسمع ولا يرى إلّا بواسطة..
كلّ ما ذكر في القرآن بسياقات ظرفيّة زمانيّة أصبحت شائعة: <حالة نفسيّة تشعر التقصير>, فيصبح اسم “عقيل”, أيَّ عقيل, يحمّل بالقداسة أيضًا ,”إذ كيف يترك اسم عقيل سائبًا هكذا دون تبجيل؟” هذا ما تردّده النفس الخوّافة, تتملّكها الهواجس سرعان ما تتحوّل إلى وساوس يستوجب إسكاتها ربط الاسم بصفة تضفي التقديس ,على سبيل المثال: “شتگول أخويه عبّاس عليه السلام لو نشتري الطرشي من أخونه أبو عمر رضي الله عنه”!..
الإسلام جاء من ضمن ما جاء لأجله إزالة عبارات التقديس ,فمحمّد نفسه كان يُنادى في حياته “يا محمّد” أو “يا أبا القاسم” ,فهل تشكّك في أدائك الأخلاقي عزيزي المعني بالأمر, فتستعير هذه الإضافات الدارجة اليوم؟.. الرعيل الأوّل كانوا واثقون من أدائهم الأخلاقي فلم يضيفوا ..