23 ديسمبر، 2024 2:34 م

يسألونني عن الجلبي – 1

يسألونني عن الجلبي – 1

قد تكون شهادتي بأحمد الجلبي مجروحة ومطعون فيها لسبب معروف, بيد ان ذلك لايمنعني من تسجيل شهادتي عن الرجل الذي لم يعرف العراق شخصية سياسية أثارت وتثير حولها الجدل الكثير ليومنا هذا. ادون هذه الشهادة بحق رجل اشعر ويشعر معي كل منصف انه ظلم ولم يمنح الفرصة الكافية. ان الهدف من وراء هذه المقالة ليس التمجيد بـ(الرمز) ولا التطبيل للـ(القائد المفدى) فقد سئمنا من هذا النمط من المقالات التي لاتغني ولاتسمن بقدر ما تؤصل لمفهوم (الصنمية الحزبية) المقيت, بل الغاية من وراء كتابة هذه الاسطرهو تسليط الضوء على كفاءة عراقية فرطت بها المحاصصة , كما انها نزول عند رغبة الكثيرمن الذين يسئلونني عن الجلبي وعن بعض المشاريع السياسية التي شارك فيها ان لم يكن اوجدها كتأسيسه البيت الشيعي,وعن سبب تغييبه عن التشكيلة الوزارية رغم حضوره الدائم في الازمات كعنصر حل ومنها ازمتنا الراهنة.
اكتب عن رجل تعدت شهرته وتأثيره حدود العراق, وهي الميزة التي تفرد بها الجلبي من بين كل أقرانه, وعندما أقول تأثيره فلا أدعي ذلك جزافا,وأكتفي لإثبات هذا الزعم بتصريح واحد لوزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلاري كلينتون حينما سُئلت عن سبب استقالة رئيس  جهاز(السي آي أيه) السابق جورج تينيت فأجابت بالقول: ” أنه _اي تينيت_ ضحية من ضحايا احمد الجلبي” في اشارة منها الى الدور الذي لعبه الاخيرفي فضح التصرفات السلبية لجهاز الاستخبارات الامريكية الذي ناصبه العداء منذ ان دخل هذا الجهاز على خط عمل المعارضة العراقية السابقة, وهذه مفارقة اخرى من مفارقات الجلبي اذ المشهور عنه _ ورب مشهور لا اصل له_أنه (رجل المخابرات الامريكية) بينما حقيقة العلاقات السيئة بينه وبينها  تقول عكس ذلك.
ان الجلبي استطاع بما نسجه من شبكة علاقات واسعة مع الكونغرس والنخب الامريكية ان يدخل الحياة السياسية الامريكية من اوسع ابوابها وان يتحول _في وقت ما_ الى شأن امريكي داخلي وهو مايجعله الشخصية السياسية العراقية بل والعربية الوحيدة التي توفرت على هذه الخصلة التي يراها البعض مثلبة بينما اخرون يعتبرونا منقبة مما يجعل الرجل مثار جدل  دائم.
يكاد لايصدر كتاب يتناول ملابسات الحرب ضد نظام صدام الا ويخصص مساحة منه للتحدث عن دور الجلبي في تلك الحرب,المعارض العنيد الذي لاينكر حتى اعدائة جهوده الكبيرة في اسقاط نظام البعث سواء من خلال نجاحه في لم شمل المعارضة العراقية المشتته بإطار سياسي واحد وهو المؤتمر الوطني العراقي الموحد, او نجاحه في استصدار قانون تحرير العراق عام 1998 في عهد ادارة بيل كلينتون الديمقراطية التي رفعت حينها شعار (الاحتواء المزدوج) كعنوان لسياستها الخارجية تجاه نظام صدام, ومن بعد ذلك نجاحه في اقناع إدارة جورج دبليو بوش الجمهورية في تفعيل القانون المذكور ليستغل الجلبي فرصة احداث الحادي عشر من ايلول 2001 فيدفع بالملف العراقي ثانية الى الواجهة, ليحصل بعد ذلك ما حصل من حرب على نظام صدام ومن ثم اسقاطه, ولتبدء بعد ذلك معاناته مع الحاكم المدني بول بريمر الذي تحول الى حاكم مطلق على العراقيين فما كان من الجلبي الا ان شكل تكتلا معارضا له داخل مجلس الحكم الذي اراده الامريكيون مجلساً استشارياً فقط بينما اراده العراقيون الوطنيون مجلسَ حكم بمعنى الكلمة.
تكللت جهود الجلبي بالنجاح في تشكيل البيت الشيعي داخل مجلس الحكم ككتلة معارضة لسياسات بريمر الانفرادية ووضع حد لعنجهيته وهذه هي الغاية الاساسية من وراء  تشكيله   ومن ثم ليوسع من البيت المذكور ليشمل بقية الطيف الشيعي المعارض للاحتلال ليتحول الى المجلس السياسي الشيعي الذي لعب دورا اساسيا مع المرجعية الدينية في تحويل الاكثرية السكانية الى اغلبية سياسية تمارس الحكم, ومن ثم ارغام الامريكيين على نقل السيادة للعراقيين وانهاء مرحلة بريمر, ونتيجة لذلك تأثرت كثيرا علاقة الجلبي بالامريكيين وهو الامر الذي لم يأسف عليه فما كان منهم الا ان أغاروا على بيته وعبثوا بمحتوياته.
غير ان الجلبي الذي حقق كل هذه الانجازات الكبيرة للشعب العراقي, ودفع ثمنها سياسيا, لم يُنصف من ذوي القربى حينما لم يوضع في موقعه الحقيقي في هيكل ادارة وحكم العراق وهوالخبيرالمالي والمصرفي والاقتصادي. ذات مرة زارته في بيته مستشارة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش بُعيد الازمة المالية التي عصفت بالولايات المتحدة وكنت حاضرا اللقاء الذي دار معه وبحضور خبراء ماليين امريكيين جاءت لتعرف رأيه بالازمة المالية واتذكر انها سئلته _كخبير مالي عالمي_ عن الأليات التي يمكن  للأدارة الامريكية إتباعها من اجل الخروج من الازمة وبدلا من ان يقتصر جوابه على قدر سؤالها راح الجلبي يستعرض لها بإسهاب الاسباب التي أدت الى الازمة المالية, والثغرات الموجودة في النظام المصرفي والائتماني الامريكي, وأخطاء السياسة المالية للادارة الامريكية, ومن ثم اجابها عن مبتغاها وسط ذهولها وذهول من معها من خبراء,فما كان منها الا ان خاطبته قائلة: ” احمد لماذا لاتعود لأمريكا فمكانك هناك وليس في العراق؟” فرد عليها الجلبي انني هنا في وطني, وبين اهلي  وناسي, وهذا البيت الذي  نجلس  فيه الان هو بيت أبائي.
يذكر بريمر في كتابه (عام قضيته في العراق) عند حديثه حول السياسيين العراقيين ما مضمونه ان ” الجلبي السياسي الوحيد في العراق الذي يملك فهما متطورا بالاقتصاد”, والشيء ذاته سمعته مراراً من سفراء وخبراء عالميين في الاقتصاد والمال التقوا الجلبي وهم يؤكدون هذه الحقيقة. ولن أنسى يوم اتصل به الرئيس طالباني (شفاه الله) ليخبره ان الكونغرس الامريكي سيصوت على رفع الحصانة عن اموال العراق الموجودة في صندوق  تنمية العراق في البنك الفيدرالي الامريكي, مما سبب ارباكا للحكومة العراقية فراح مام جلال يسئل الجلبي عن الاجراء الذي على الحكومة إتخاذه لمنع ذلك, فأجابه القضية بسيطة هذه الاموال محمية بقرار من قبل الرئيس الامريكي اتصل به الان واطلب منه ان يستخدم حقه بالنقض ضد قرار الكونغرس اذ من حق الرئيس الامريكي في  حالات معينة ان ينقض توصيات الكونغرس ومنها هذه الحالة, فرد عليه مام جلال بالقول: (كاكا احمد انت حلال المشاكل).
من المؤسف له ان غيرنا يدرك قدرات الجلبي بينما يشح بعضنا بوجهه عنه ويتجاهله بحجة انه لم يحصل على النقاط الكافية التي تمكنه من أخذ مكانه في الحكومة. كان يُفترض ان يشغل الجلبي منصبا مهما بحسب التعهدات لكن نظام النقاط والحسابات الحزبية الضيقة حالا دون تبوءه لهذا المنصب, وليخسر بذلك العراق خبرته وكفاءته التي كان بالامكان توظيفها لخدمة الشعب والحكومة على حد سواء. 
ان الجلبي اكثر السياسين الحالين دراية بالاقتصاد وحركة المال وهو مايحتاجه العراق اليوم لينهض من جديد, وامتلاكه رؤية استراتيجية لتحريك الدورة الاقتصادية للدولة بالاضافة الى أطروحته لنقل الثروة من الحكومة الى الشعب مالكها الحقيقي بنص الدستور,وهي اطروحة ثورية لو قدر لها ان ترى النور فإنها ستطور كثيرا من المستوى المعاشي للمواطنيين. أعتقد أن الاوان قد آن ليُنصف هذا الرجل وأن يأخذ مكانه الحقيقي على قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب, بعيدا عن الاقصاء والتهميش وهذا الكلام موجه الى التحالف الوطني, وما ينطبق على الجلبي يصدق على كل الكفاءات المعطلة فالعراق يحتاج الجميع, وللحديث عن (ابو هاشم ) بقية.   
[email protected]