“…هَل اِلَيكَ يَا بنَ اَحمَدَ سَبيلٌ فَتُلقى، هَل يَتَّصِلُ يَومُنا مِنكَ بِعِدَةٍ فَنَحظى، مَتى نَرِدُ مَناهِلَكَ الرَّوِيَّةَ فَنَروى، مَتى نَنتَقِعُ مِن عَذبِ مائِكَ فَقَد طالَ الصَّدى، مَتى نُغاديكَ وَنُراوِحُكَ فَنُقِرَّ عَيناً، مَتى تَرانا وَنَراكَ وَقَدْ نَشَرْتَ لِواءَ النَّصْرِ تُرى، أتَرانا نَحُفُّ بِكَ وَاَنْتَ تَاُمُّ الْمَلأ وَقَدْ مَلأْتَ الأرْضَ عَدْلاً وَأذَقْتَ أعْداءَكَ هَواناً وَعِقاباً، وَأبَرْتَ الْعُتاةَ وَجَحَدَت الْحَقِّ، وَقَطَعْتَ دابِرَ الْمُتَكَبِّرينَ، وَاجْتَثَثْتَ أصُولَ الظّالِمينَ…”.
قال الله سبحانه وتعالى: “وَلَقَد كَتَبنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ”- الانبياء:105؛ وقال ايضاً: “وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوَارِثِينَ”- القصص:5؛ وايضاً: “الم * ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيبَ فِيهِ هُدًى لِلمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالغَيبِ” البقرة:1-3؛ وآيات اخرى يمكن الاشارة اليها منها: “الانبياء:105″، و” الشورى:1-2، و” لقمان:20″، و”البقرة:148″، و”التوبة:36″، و” الصف:8و9″، و”يونس:20″، و”الحديد:17″.. كما جاء في تفسير على بن ابراهيم، والامام أبي إسحاق الثعلبي، وغيبة النعماني، وتفسير العياشي، والشيخ الصدوق، وأبي بصير، والشيخ القمي، وابن عباس وغيرهم من كبار رواة ومفسري العامة والخاصة.. آيات تشير بدلالة ووضوح كسطوع الشمس وبزوغها على وجود القائم المنتظر الامام المهدي بن الحسن عليهما السلام حيّ يرزق بين الخلق منذ ولادته في يوم 15 شعبان سنة 255 للهجرة المصادف ٢٩ يوليو ٨٦٩ ميلادي، أي قبل 1153 عاماً وذلك بمدينة سامراء شمالي العاصمة العراقية بغداد، وحتى يومنا هذا ونحن نعيش هذه الايام ذكرى ولادته المباركة والخالدة.
هو شمس الحقيقة وبقية الله الأعظم المعد لقطع دابر الظلمة، والمرتجى لازالة الجور والعدوان، أنه باب الله (عزوجل) الذي منه يُؤتى، وبواسطته يتوجه الأولياء للبارئ المتعال ، وهو السبب المتصل بين الأرض والسماء، المضطر الذي يجاب إذا دعا، ليت شعري يا سيدي أين استقرتْ بك النوى، بل أي أرض تقلكَ أو ثرى، بنفسي أنت من مغيَّب لم يخل منَّا، بنفسي أنت من نازح ما نَزح عنَّا، إلى متى أحار فيك وأي نجوى.. هي قضية ظهور المصلح والمنقذ للانسانية من التوحش والظلم والطغيان والاستعباد والاستحمار والهمجية القبلية والعبودية للمخلوق دون الله سبحانه وتعالى.. هي أصل مسلم عند جميع الأديان السماوية لن تجد أكثر منه جلاءً وأوضح استدلالاً خاصة في ديننا الاسلامي الحنيف حيث تتوقف عليه جملة من الأمور الاعتقادية الأساسية، ونصّ كتاب الله العظيم ورسوله الكريم والأئمة الطاهرين وكذا السلف والخلف الصالح على ذلك.
عصرنا الحالي يشهد دوامة من المشاكل والصراعات والخلافات الدينية والفتنویة الطائفية زرع بذورها الاستكبار العالمي واللوبي الصهيوني بالبترودولار السعودية وأخواتها وسائر الأنظمة الديكتاتورية الموروثية، بهدف بث الفرقة بين أبناء الأمة الاسلامية الواحدة وتصفية الدين المحمدي الأصيل وحماته أتباع أهل بيت الوحي والتنزيل والعصمة والطهارة عليهم السلام، بحروب فتنوية وهابية سلفية تكفيرية دمروا خلالها الأخضر واليابس، والبشر والحجر، والتراث والدين والقيم الانسانية، ورسالة السماء السمحاء؛ فأراقوا دماء الأبرياء، ومزقوا أجساد الأطفال، وصبوا جام حقدهم على الضعفاء حيث اليمن لايزال يشهد حمم إجرامهم بعد العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان، فيما نار الحرب الداخلية تطحن في ليبيا والصومال لتنتقل الفتنة الصهيونية – الوهابية الى سائر بلاد المسلمين.
بشائر وتنبؤات كثيرة حول الامام المهدي الموعود، وظهوره نجدها في ما وقع بأيدينا من الكتب السماوية المقدسة وآثار السلف الصالح وما وصلنا من مقولات الحكماء القدامى، وقد جمع بعض المتتبعين قسماً من هذه البشائر والأقوال. بل حتى الآثار المصرية القديمة توجد منها دلالات وإشارات حول المصلح والمنقذ.. فاليهود ومنذ قبل أن يبعث نبينا عيسى على رسولنا وعليه آلاف التحية والسلام، وبعد ذلك كانت ولا تزال تنتظر موعودها المؤمل، وأشير باستمرار الى الموعود في آثار الديانة اليهودية، وأسفار التوراة وكتبهم الاخرى.. منها ما جاء في كتاب “نبوأة هيلد” معناها وحي الطفل، وكذا في كتاب دانيال النبي، وكتاب حجي “حكي” “حقي” النبي، وكتاب حفينا النبي وكتاب أشعيا النبي؛ لكنهم رغم أن البشارة بالنبيين العظيمين قد وردت في كتبهم تعمدوا رفض رسالة الحق التي جاء بها النبي عيسى وكذا الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه المنتجبين.
زبور داوود (عليه السلام) أيضاً ذكر ذلك الانتظار والظهور المنقذ للبشرية كما جاء في القرآن الكريم مثبتاً مبدأ غلبة الصالحين حيث قال: “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ” – الأنبياء 105.. ثم في الديانة المسيحية حيث بشرنا سيدنا عيسى بن مريم بظهور نبي آخر الزمان وبأوصيائه الإثنا عشر (صلوات الله عليهم أجمعين) وبقي ذلك راسخاً في التراث المسيحي، ففي الفصل السادس والتسعون من “إنجيل برنابا” المترجم من الانجليزية. يسأل الكاهن السيد المسيح عليه السلام: هل أنت مسيح الله الذي ننتظره؟ أجاب يسوع: حقاً إن الله وعد هكذا ولكني لست هو لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي.. هنا سأل الكاهن: إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال أنك نبي وقدوس الله لذلك أرجوك باسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حباً في الله بأية كيفية سيأتي (مسّيا)؟.
أجاب يسوع: لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي إني لست (مّسياً) الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله سبحانه وتعالى أبانا إبراهيم عليه السلام قائلاً: بنسلك أبارك كل قبائل الأرض ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة اخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عدم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله، فيتنجس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يبقى ثلاثون مؤمناً، حينئذٍ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله، الذي سيأتي من الجنوب بقوة، وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام، وسينزع من الشيطان سلطته على البشر، وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به، وسيكون من يؤمن به مباركاً.. وكذا في الفصل السابع والتسعون ايضاً.
ذكر الموعود المنتظر جاء ايضاً في المعتقدات الصينية، ففي كتاب “أوبانيشاد”، المقدمة صفحة 54 ما نصّه “حينما يمتلىء العالم بالظلم يظهر الشخص الكامل الذي يسمى “يترتنكر” (أي المبشر) ليقضي على الفساد ويؤسس للعدل والطهر… سيُنجي كريشنا العالم حينما يظهر البراهميتون، وكذا في كتاب “ريك ودا ماندالاي” ص 4 و24: يظهر ويشنو بين الناس.. يحمل بيده سيفاً كما الشهاب المذنب ويضع في اليد الأخرى خاتماً براقاً، حينما يظهر تكسف الشمس، ويخسف القمر وتهتز الأرض.. حتى البوذية تعتقد بظهور المنقذ المصلح، فقد ورد في بعض المصادر والدراسات أن مسألة الانتظار قضية مطروحة في الديانة البوذية (ففي الأعراف البوذية) كان هناك انتظار، والمنتظر هو “بوذا الخامس”، وفق تسميتهم.. كما جاء في المعتقدات الهندية الحديث حول المنقذ والموعود في أعراف الهنود وكتبهم، مثل كتاب (مهابهارتا) وكتاب بورانا (burana) شرح تفصيلي حول مرحلة العصر الكالي (kali) يعني: آخر مرحلة قبل ظهور أو “تاراي ويشنو العاشر”.
الديانة الزرادشتية أكدت في العديد من كتبها بخصوص الأخبار الكثيرة حول آخر الزمان، وعن ظهور الموعود الذي سيخلص البشرية من الكبت والحرمان ومن ضغوط الحكام الطواغيت الذين يسعون في الأرض فساداً ومن جملة هذه الكتب كتاب “أوستا”، وكتاب “زند”، وكتاب “رسالة جاماست”، وكتاب “قصة دينيك”، وكتاب “رسالة زرادشت”.. ولقبه اتباع الديانة الزرادشتية بـ(سوشيانت) وقالوا: “إن سوشيانت المزدية بمثابة كريشناي البراهمة، وبوذا الخامس لدى البوذية، والمسيح لدى اليهودية، وفارقليط عند العيسوية، وبمنزلة المهدي لدى المسلمين؛ وجاء في كتاب “شابوهرجان” من الكتب المانوية المقدسة عندهم: “خرد شهر إيزد لابدّ أن يظهر في آخر الزمان وينشر العدل في العالم.. وفي كتاب “استوت إرت، سوشيانت أو المنقذ العظيم. سوشيانس، أو موعود آخر الزمان.. وسيلة وعلاج جميع الآلام به، يقتلع جذور الألم والمرض والعجز والظلم والكفر، يهلك ويسقط الرجال الأنجاس.. وكذا في رسالة جاماسب، صفحة121: “سينشر (شوشيانت، المنقذ) الدين في العالم فكراً وقولاً وسلوكاً” .
كتب الحديث بأخبار ظهور المهدي الموعود منقذ البشرية من براثن الشرك والجهالة، أكدت وفي أكثر من 130 مصدراً لكبار علماء ورواة ومؤرخي السنة أن مولده كان في ليلة النصف من شهر شعبان سنة 255 للهجرة بمدينة سامراء في العراق.. وبغية الرد على الشبهات التي يرددها المنحرفون عن الدين والحق والحقيقة والواقع المنصوص عليه في جميع الكتب السماوية خاصة القرآن الكريم، أرتأيت أن أعيد ذكر ما يتيسر من تلك المصادر رغم تكرارها كل عام، وفيما يلي بعض هذه الشخصيات وكتبهم :
1ـ أبن الاثير الجزري عز الدين “الكامل في التاريخ” في حوادث سنة (260 هـ).
2ـ أبن خلكان “وفيات الاعيان” قال: ابو القاسم محمد بن الحسن العسكري.
3ـ الذهبي “العبر من خبر من غبر”3/ 31، و”تاريخ دولة الاسلام”، و”سيرة اعلام النبلاء” 13/ 119 ـ الترجمة رقم 60.
4ـ أبن الوردي في ذيل تتمة المختصر المعروف ب”تاريخ ابن الوردي”، ونقله عنه مؤمن بن حسن الشبلنجي الشافعي في “نور الابصار” 186.
5ـ أحمد بن حجر الهيثمي الشافعي “الصواعق المحرقة” الطبعة الثالثة ص 313.
6ـ الشبراوي الشافعي “الاتحاف بحب الاشراف” ص 68.
7ـ مؤمن بن حسن الشبلنجي “نور الابصار” ص 186،قال (…هو آخر الائمة الاثني عشر على مذهب اليه الامامية).
8ـ خير الدين الذكلي “الاعلام” ح6 ص 80 في ترجمة الامام المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري…
9- الجويني الحموئي الشافعي “فرائد السمطين” 2 / 337 ،طبع بيروت .
10- نور الدين على بن محمد بن الصباغ المالكي المعروف بابن الصباغ “الفصول المهمة” ص237 – الباب 12.
11- الامام محمد بن يوسف أبو عبد الله الكَنجي الشافعي “كفاية الطالب” جزء “البيان في أخبار صاحب الزمان”.
12- محمد بن طلحة الحلبي الشافعي “مطالب السؤول في مناقب آل الرسول” 79:2 الباب 12.
13- عبد الوهاب بن احمد الشعراني الشافعي “اليواقيت ” و”الجواهر”ذكر أشراط الساعة.
14- الملا على بن حسام الدين الهندي “البرهان في علامات مهدي آخر الزمان” و”تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان”.
15- محيي الدين بن العربي “الفتوحات المكية”، باب 366 المبحث 65 .
16- الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي “العرف الوردي في أخبارالمهدي”.
17- الامام ابن حجر الهيتمي المكي “القول المختصر في علامات المهدي المنتظر”.
18- الملا على بن سلطان القاري الهروي “المشرب الوردي في مذهب المهدي”.
19- الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي “فوائد الفكر في الامام المهدي المنتظر”.
20- جلال الدين السيوطي في رسالته: إحياء الميت بفضائل أهل البيت (ع)”.
21- شمس الدين محمد بن طولون الحنفي مؤرخ دمشق “الائمة الاثنا عشر” ص 117.
22- أحمد بن يوسف ابو العباس القرماني الحنفي “اخبار الدول وآثار الاول” ص 353 الفصل 11 .
23- سليمان بن ابراهيم المعروف بالقندوزي الحنفي “ينابيع المودة” ج3 /114 في اخر الباب 79.
24- الامام عبد الرزاق بن هشام الصنعاني “المصنف” وقد أفرد باباً بعنوان (باب المهدي) .
ونقل ذلك ايضاً الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني في”صفة المهدي”، والامام جلال الدين يوسف بن يحيى بن على المقدسي الشافعي “عقد الدرر في أخبار المنتظر”، والعلامة ابن بريدة “العواصم عن الفتن القواصم”، وعبد الله بن محمد المطيري الشافعي “الرياض الزاهرة”، والامام الحافظ أبو جعفر العقيلي “الضعفاء”، والامام البربهاري “شرح السنة”، والحافظ أبو الحسن الآبري في كتاب “مناقب الشافعي”، والحافظ ابن حجر “تهذيب التهذيب “عن الامام البيهقي، والامام السفاريني “لوامع الأنوار البهية”، وسبط ابن الجوزي الحنفي “تذكرة الخواص” ص363، والشبراوي الشافعي “الإتحاف بحب الأشراف”، والفضل بن روزبهان “ابطال الباطل”.
وكذلك ذكره الحافظ محمد بن محمد الحنفي النقشبندي في “فصل الخطاب”، والشبلنجي الشافعي “نور الأبصار”، وابن خلكان “وفيات الأعيان”، وابن الخشاب “تاريخ مواليد الأئمة”، وعبد الحق الدهلوي “رسالته في أحوال الأئمة”، ومحمد أمين البغدادي السويدي “سبائك الذهب”، والمؤرخ ابن الوردي “تاريخه”، ومحمد بن هارون ابوبكر الروياني “المسند”(مخطوط)، وابو نعيم الاصبهاني “الاربعين حديثا في المهدي”، واحمد بن الحسين البيهقي ” شعب الايمان”، والخوارزمي الحنفي ” مقتل الامام الحسين (ع)، وسراج الدين الرفاعي في “صحاح الأخبار”، وكمال الدين محمد بن طلحة الشافعي “مطالب السؤول”، ونور الدين على بن محمد بن الصباغ المالكي “الفصول المهمة”، والشاه ولي اللّه أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي الحنفي “المسلسلات المعروف بالفضل المبين” .
وغيرهم الكثير الكثير من الرواة والمؤرخين والعلماء لايسع هذا المقال القصير أن يأتي ولا لوقتنا اليسير مقدرة على ذكرهم جميعاً وشملهم جميعاً بل وجدنا أن ننقل جزءاً يسيراً من ذلك لتبيين حقيقة الشمس وأتضاح صورة الهداية السماوية لدى اولئك الذين لا يزالون يجهلونها ولم يتسع الوقت أي يدركوها بمجملها.. أولئك الذين لم يعم الله سبحانه وتعالى قلوبهم ولا أبصارهم للتعرف على الحق والحقيقة والشمس البازغة القائمة بين أعينهم .