23 ديسمبر، 2024 10:14 م

 يروح جلب اسود، ويجي جلب اسود

 يروح جلب اسود، ويجي جلب اسود

خرج صباحا من داره يحمل هوية الاحوال المدنية يقدم خطوة ويؤخر اخرى، وهو يسأل نفسه لماذا هذا العناء؟ ولماذا الانتخابات اصلا، ويعود ليجيب انها الديمقراطية، ويعود الى السؤال ثانية اية ديمقراطية؟ لقد انتشرت الفوضى بشكل مريع حتى ليخيل اليك ان الحياة صارت مستحيلة في العراق، ارتطم بشدة في الحاجز الذي وضعته القوات الامنية، واذا باحد افراد القوة الامنية المكلفة بحراسة المركز الانتخابي يصرخ به: ( اشبيك حجي متشوف) فرد عليه بحسرة : ( لايابه اشوف، بس ديمقراطيتكم عمت حتى اعيونه)، وعاد بذكرياته الى الخلف الى الشرطي الذي عبر الشارع في زمن النظام السابق، وهو يسير خلفه ، فأحدث الشرطي صوتا من مؤخرته، والتفت سريعا ليرى من سمعه، وعندما شاهد صاحبنا قد سمعه صرخ بصوت لايسمعه الا هما الاثنان: ( خرب عرضك صدام، خليتنه نمشي ونضر……)، واسى نفسه بتذكر هذه الحكاية واعتذر من الشرطي ومسح الحاجز ولعن الديمقراطية ثم اكمل مشواره، لم يكن صدام قد زين للشرطي الذي عبر الشارع الا يسيطر على حواسه، ولم تكن الديمقراطية هي الاخرى سببا مقنعا لعدم الرؤيا، ولكن عين السخط تبدي المساويا كما يقول الشاعر، لم يكن سجينا سياسيا ولا كان من ذوي المعدومين، ربما كان جنديا في يوم ما ودافع عن وطنه في حرب ايران، ولذا لم تحتسب خدمته لغرض التقاعد او الترفيع، ليتقدمه الكثيرون وليتسلموا اضعاف مرتبه الخاوي، ردد مع نفسه كثيرا كنت احب العراق واخجل ان اهرب من الجيش، وكنت اخشى على امي ، ومع هذا فأنا اصلى بنار تلك الحرب وخطر في باله بيتا للشعر قاله الحارث بن عباد في حرب البسوس حين قتلوا ابنه:
لم اكن من جناتها علم الله…… واني بحرها اليوم صالي
لم يكن هو من اشعل الحرب وطالما عبر عن نفسه بانه يمشي بصف الحايط، كان يكره اثارة المشاكل، تداعيات كثيرة غزت رأسه وحركت شعره الابيض، وهو في قمة تداعياته تناهى له صوت يدعوه ابو فلان، شنو ضارب دالغه، اعتذر من جاره واكمل الطريق معه وهو يلعن الديكتاتورية التي جعلت الناس طبقات، ويلعن الديمقراطية التي رفعت الكثيرين وهبطت بالكثيرين، هدأه جاره وقال له : يمعود لاتدير بال: يروح جلب اسود يجي جلب اسود، فاستفسر منه عن مغزى قوله فقال: هذه كناية عن استبدال الشرير، بشرير آخر مثله، والكناية قديمة، فلما حبس يعقوب النصراني مشارف ديوان اربل، وتولى المختص النصراني مكانه، قال مجد الدين النشابي الكاتب الاربلي في سنة 656 هجرية:
فرحنا بيعقوب اللعين وحبسه……… وقلنا أتانا مايطيب به القلبُ
فلما ولي المختص فالشر واحد…… اذا مامضى كلب اتى بعده كلبُ
ضحك الاثنان من قضية يروح جلب اسود ويجي جلب اسود، تغير مزاج صاحبنا قليلا ورمى الهموم بعيدا، وقرر ان يعود بابنته وزوجته ليقترعا بعد ان قرر عكس ذلك، لانه رأى حجم المشاركة الفقيرة بالانتخابات ونفور الناس من هذه العملية التي شوهها البعض ونفّر الناس منها، نتيجة للضغط والقوة والتزوير الذي حدث ويحدث، لم يكن عرسا كما يقولون بل كانت خطوة جديدة ومتفردة في رفض الكثيرين، مشاركة شحيحة ومنحسرة، فقد بدأ العراقيون باليأس الحقيقي وفسح الكثيرون مجالا للمزورين، لان الجميع يؤمن بانه: يروح جلب اسود ويجي جلب اسود.