طبعاً لا يحصل ذلك إلا في العراق , في بلد الديمقراطية الأمريكية , في بلد الغرائب والعجائب السياسية. في البلد الذي أذهل العالم بأحداثه المثيرة للجدل, ففيه حدث ما لم تشهدهُ أكثر البلدان فوضىً للديمقراطية أو انفلاتاً للأمن ..
العمليات و الانفجارات الإرهابية حصدت أرواح الملايين ولا زالت مستمرة على وتيرتها المتصاعدة في أيام والمنخفضة في أيام أخرى دون انقطاع ,حتى بات الأمر طبيعياً للجميع فالسياسيين محصنين في منطقتهم المطوقة بالحمايات الأمنية والكتل الكونكريتية (خوفاً و حذراً) أما المواطن البائس الحال فأصبح يعرف مصيره الذي ينتظره وهو الانتظام في طابور المفخخات شاءَ أم أبى ..ألفُ شهيد في يوم واحد فقط في حادثة (جسر الأئمة) ..نائبٌ لرئيس الجمهورية يشغلُ المنصب لأكثر من سبع سنوات ليتبين في النهاية أنه إرهابي ويدعم الجماعات المتطرفة ويغذي تنظيم القاعدة , فعلاً انهُ حدث لم يُشاهد إلا في الأفلام (الهندية)!! ..هروب أكثر من ( 750 ) مجرماً وقاتلاً من كبار أمراء وقادةِ التنظيمات الإرهابية خلال ساعات من أكبر السجون عراقةً وأكثرها حمايةً وهو (سجن أبو غريب )..اقتحام وزارات سيادية في قلب العاصمة بغداد من قبل الجماعات المسلحة..سونار (أي دي) بمليارات الدولارات لكشف السيارات المفخخة والانتحاريين ليتضح في نهاية الأمر أنه لا يعمل ..صخرةٌ (تحشر) في أحد مجاري بغداد لتسبب غرق محافظات الوسط والجنوب .. وأخيراً وليس أخراً بسكويت فاسد لفلذات أكبادنا ..وما لم يذكرُ كان أفضحُ وأبشعُ بكثير ..كل هذه الملفات وغيرها اخترقت قوانين الدستور الجديد الذي يبدو أنه قد أحيل على التقاعد بالرغم من قلة خدمته الفعلية ليبقى حبراً على ورق !! وليحل محله دستور المحاصصة و التوافقات الغير شرعية بين الأحزاب التي تحكم البلاد وتتقاسم كعكته بينها لتشكيل حكومة ترضي جميعَ المتصارعين في حلبتها , دون محاسبةٍ حقيقةٍ ونيةٍ صادقة لمكافحة الفساد المالي و الإداري والقضاء عليه.. وحسب قانون المُحاصصة (مام جلال) يغيب عن كرسي رئاسة الجمهورية منذُ أكثر من عام والشعب لا يعلم أين هو حيٌ ! كي يدعوا له بالشفاء ..أم ميتٌ ! كي يقرأُ عليه سورة الفاتحة ..والبلاد والعباد بلا (ريس) . ولا ترشيح لبديل عنه لأن الكتل والأحزاب السياسية يبدو أنها قد توافقت فيما بينها على أن يبقى (قلبُ) الطالباني النابضُ حباً للعراق وشعبه ! رئيساً له , لا جسده الكهول والمتعب والمرهق من سمنته المفرطة .. ولما كانت التوافقات تحكمنا منذُ العام 2003 وحتى اليوم وتحدد مصيرنا بعيداً عن الدستور المعطل . فما هو الضير أن تتوافق الأحزاب والكتل السياسية في المستقبل القريب لتُقرر بقاء الطالباني رئيساً لجمهورية العراق و للحقبة المقبلة مقابل أن يتنازل الأكراد عن بعض مطالبهم المتزايدة عاما بعد عام في زيادة نسبة الميزانية والإصرار على تصدير النفط الخام وضم مناطق و أقضية ونواحي للإقليم و التجرؤ على المركز في الكثير من الأمور. وممكن أن يكون التوافق القادم ليرضي جميع الكتل كالأتي : (إذا بقي الرئيس مجهول المصير فيستمر (قلبهُ) الذي يحكم و يدير العراق حاليا بحكمه للأربع سنوات القادمة .أما إذا انتقل الرئيس إلى رحمة ربه فأن ( روحه الطاهرة ) هي التي ستتولى رئاسة الجمهورية للمرحلة المقبلة من مستقبل العراق مقابل أن يتنازل الكرد عن بعض مطالبهم باستثناء كركوك!! المتنازع عليها ..وهذا الاتفاق ليس بمستحيل الحدوث بل هو ممكنٌ جدا في سياسة اليوم القائمة على المُحاصصة والتوافق فقد مررت غيره الكثير من القضايا التي تهدف إلى خدمة الوطن والمواطن !! فـ رئيس احد الكتل السياسية قد منع من الترشيح للانتخابات الماضية لشموله بقانون المساءلة والعدالة (اجتثاث البعث) لكن بعد الانتخابات توافقت الأحزاب على أن يشغل منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات مقابل تنازله وقبوله بأمور تخدم كتلٍ أخرى ..وغيرها الكثير الكثير من التوافقات التي حصلت بين الكتل القائمة على المصالح الشخصية والفئوية التي خدمت الشعب خلال العشر سنوات الفائتة من عمره لتعوضه عن سنوات الحرمان التي عاشها في زمن البعث المقبور ..واليوم قلب الطالباني يُشارك الجيش عملياته العسكرية ضد (داعش) ..وغداً بأذن الله روحه الطاهرة تقف معلنةً النصر للعراق جميعه على الإرهاب والقاعدة !!